خمس نتائج لفشل هجمات العدو البرية شمال غربي غزة
جريدة البناء اللبنانية-
حسن حردان:
اختبر جيش الاحتلال وبمشاركة ضباط أميركيين كبار، على مدى اليومين الماضيين، الدخول إلى بعض مناطق شمال غزة في محاولة لتحقيق إنجاز عسكري للخروج من مأزقه او المراوحة بالمكان، والاستناد إلى هذا الإنجاز كموطئ قدم لمواصلة التوغل في القطاع من ناحية، وزيادة الضغط على قيادة المقاومة لفرض شروط حكومة الحرب الصهيونية في المفاوضات الجارية وراء الكواليس للتوصل إلى صفقة لتبادل الأسرى، أو جزء منهم من ناحية ثانية، وصولاً إلى القول للاسرائيليين وخصوصاً عائلات الأسرى إنّ الحكومة نجحت في ردع المقاومة وإخضاعها… وانّ العدوان بدأ يؤتي ثماره لاسترداد هيبة الكيان وجيشه ورفع معنوياته المنهارة بعد الصفعة القوية التي تلقاها في هجوم المقاومة المباغت في غلاف غزة…
لكن ماذا كانت نتيجة هذه الهجمات البرية التي وصفها العدو بالمحدودة وتندرج في إطار المناورة البرية استعداداً للهجوم البري الواسع للقضاء على المقاومة وبنيتها العسكرية كمعبر لتحقيق بقية الأهداف السياسية التي طرحها؟
الواضح انّ الهجمات البرية على شمال غزة، فشلت في تحقيق أهدافها، وأدّت الى النتائج التالية:
النتيجة الأولى، فشل جيش الاحتلال في تحقيق أيّ تقدّم عسكري ضدّ المقاومة، حيث ورغم قيامه بالتمهيد لهجماته بتشديد قصفه الجوي من قبل مائة طائرة شاركت في إلقاء قنابل وصواريخ لم تستخدم من قبل، وترافق ذلك مع قيام العدو بقطع الاتصالات وشبكة الانترنت في قطاع غزة، رغم ذلك واجه مقاومة ضارية أدّت حسب مصادر المقاومة إلى إيقاع خسائر كبيرة في صفوف جنود الاحتلال، وآلياته العسكرية، قامت طائرات الأباتشي بنقلهم من ساحة المعركة فيما اضطر جيش الاحتلال إلى التراجع… ولم يتقدّم سوى على محور العطاطرة باتجاه السودانية، وباتجاه لاهيا شمال غربي غزة، مسافة 200م في منطقة جرداء او زراعية، لكن هذه القوات وقعت في كمائن المقاومين وهجماتها التي استهدفت دبابات ومدرّعات العدو بالصواريخ وقذائف الهاون، وأوقعت فيها خسائر جسيمة، حيث احترقت بعض دبابات الميركافا، ودمّرت بعض المدرّعات، في حين عمدت المقاومة الى تنفيذ عملية إنزال خلف موقع إيرز وباغتت القوة الصهيونية فيه لمنعها من تقديم الدعم والمساعدات للقوات الصهيونية التي تعرّضت لخسائر كبيرة… الأمر الذي برهن على قدرات المقاومة النوعية وتطور هام في أدائها القتالي وتمكنها في نقل المعركة إلى خلف خطوط العدو واستنزافه على أكثر من جبهة وإرباكه، حيث تولت مدفعية الهاون ومنصات صواريخ المقاومة قصف مواقع العدو في المناطق القريبة من السياج مع غزة.. وهو يؤكد استمرار امتلالها زمام المبادرة وإتقان الهجوم والدفاع في الوقت نفسه، وبالتالي التحكم بمجريات المعركة وإدارتها وفق تخطيط دقيق وذكي.
النتيجة الثانية، فشل العدو في سعيه لترميم معنويات جنوده وتحفيزهم على شنّ هجوم بري واسع النطاق، وهذا الفشل سوف يؤدّي إلى مفاقمة حالة ضعف المعنويات والإحباط واليأس من إمكانية تحقيق النصر على المقاومة في ميدان القتال المباشر، وزيادة خوفهم وقلقهم من الإقدام على مواجهة رجال المقاومة الذين يملكون روحاً معنوية عالية ولديهم الاستعداد للتضحية والاستشهاد، بعكس جنود العدو الذين يخافون من الموت، ويعتمدون على الطيران والدبابات للتقدّم، لكن بعد أن باتت دباباتهم تدمّر في ميدان القتال وتحوّلت إلى توابيت للجنود الصهاينة، وشلّ دور الطيران في القتال المباشر، أصبح التفوّق لمن يملك روح الاستشهاد والإقدام ويتقن فنون القتال المباشر وحرب العصابات والمدن، وهو ما يفتقد اليه جنود العدو…
النتيجة الثالثة، زيادة مأزق العدو وخوفه من نتائج شن هجوم بري واسع النطاق، لناحية الكلفة الباهظة التي سيتكبّدها، والتي شاهد عينة منها، واستطراداً التعرّض لهزيمة ثانية أكثر قساوة وإيلاماً من هزيمته في 7 أكتوبر الحالي.. مما سيزيد من ارتباكه ويضعه أمام المزيد من الخيارات الصعبة للخروج من مأزق الفشل في تحقيق أيّ إنجاز عسكري بعد مرور أكثر من ثلاثة أسابيع على بدء عدوانه، ولم ينجح سوى في قتل الأطفال والنساء والشيوخ، وتدمير الأبنية المدنية على ساكنيها في قطاع غزة وزيادة المعاناة الإنسانية للغزيين.. واستطراداً ازدياد نقمة الرأي العام العالمي ضدّ المجازر الصهيونية، والتي عبّرت عنها التظاهرات العارمة والمتواصلة بزخم في كلّ أنحاء العالم، وانعكست على مواقف الحكومات، مما أحدث تبدّلاً في مشهد موازين القوى في الجمعية العامة للأمم المتحدة ضدّ «إسرائيل»، لأول مرة منذ انهيار وتفكك الاتحاد السوفياتي، والذي تجسّد في تصويت 120 دولة لصالح مشروع القرار العربي بوقف نار دائم وإدخال المساعدات الإنسانية، مما أثار غضب المندوب الإسرائيلي الذي أصيب بهستيريا معلناً رفض قبول وقف النار.
النتيجة الرابعة، فشل العدو في رهانه على توجيه ضربة قوية للمقاومة، وتعطيل منظومة القيادة والتحكم لديها، واستعادة زمام المبادرة منها، لتعزيز موقفه التفاوضي في موضوع صفقة تبادل الأسرى.. مما جعل موقفه ضعيفاً أمام عائلات الجنود الصهاينة، الذين سارعوا إلى التظاهر والاجتماع مع أعضاء حكومة الحرب والمطالبة بتأجيل الهجوم البري، ريثما يتمّ إطلاق الأسرى، خوفاً من تعرّضهم للخطر… وترافق ذلك مع تصاعد غضب النازحين الصهاينة من مستوطنات ومدن الاحتلال في غلاف غزة، ومن شمال فلسطين، ضدّ حكومة نتنياهو، وتحميلها مسؤولية ما باتوا فيه من معاناة وعدم استقرار.
النتيجة الخامسة، تعزز موقف المقاومة، وإيمانها بالقدرة على إلحاق هزيمة ثانية بجيش الاحتلال اذا ما تجرّأ على القيام بهجوم بري واسع لاجتياح القطاع، وانّ قواته ستدفن في رمال غزة كما قال قائد الحرس الثوري، في تصريح عكس ثقته بقدرة المقاومين على تحويل غزة إلى مقبرة للغزاة الصهاينة.. في وقت أكدت المقاومة أنّ قدراتها لم تمسّ، وهو ما برهنت عليه بمواصلة قصف مدن الاحتلال في جنوب فلسطين وصولاً إلى العمق الصهيوني في تل أبيب وبيت يام.. وذلك بعد ساعات على نجاحها في إحباط محاولات العدو المستميتة لتحقيق تقدّم بالسيطرة على بعض أحياء قطاع غزة.. لكن دون جدوى.