خلاف بين الحريري وجنبلاط: إلى أين؟
يسود الفتور العلاقة بين الرئيس سعد الحريري والنائب وليد جنبلاط، وتطرح تساؤلات عن مدى عمق الخلاف بينهما وأين يمكن أن يصل، وخصوصاً في ظل الاستحقاقات السياسية والدستورية، ولا سيما انتخابات الرئاسة الأولى والعلاقة بين المكونات الحكومية.
هل صحيح ما يتداوله سياسيون من فريق 14 آذار بأن الرئيس سعد الحريري رفض تحديد موعد طلبه النائب وليد جنبلاط للقائه؟ الأكيد، بحسب مصادر سياسية «وسطية» وحريرية وجنبلاطية أن الحريري في المغرب، وأن تواصلاً سابقاً جرى لتحديد موعد بينه وبين جنبلاط، إلا أن ممثلي «الشيخ سعد» ردوا بأن برنامجه مجمّد إلى حين مغادرته الدار البيضاء. فالحريري لا يعرف متى، لأنه ببساطة ينتظر أن يؤذَن له بلقاء الملك السعودي عبد الله بن عبد العزيز الموجود أيضاً في الدار البيضاء. وفي العادات المتبعة، لا يتم تحديد موعد لقاء الحريري بالملك، لذا ينتظر الأول مدة لا يعرف متى تنتهي، إلى أن يقال له ـــ في أي لحظة ـــ إنه يستطيع دخول مجلس «طويل العمر».
وفي انتظار تحقق مراد الحريري، لم يحدّد موعداً ثابتاً لجنبلاط. لكن بعض العارفين بتفاصيل العلاقة بين الرجلين يرون أن ما بينهما أبعد من موعد مرتبط بإرادة حاجب باب قصر الملك السعودي. يؤكد هؤلاء أن الحريري لا يرغب في لقاء جنبلاط حالياً. وثمة بينهما ما منع حدوث ذلك سابقاً، عندما زار جنبلاط باريس، وعمّم المقربون منه قائلين إن الزيارة كانت خاصة. يقول مقربون من جنبلاط إنه حين زار باريس، كان يريد لقاء الحريري، إلا أن ما حال دون ذلك هو اجتماع «الشيخ سعد» برئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع، وعدم رغبة رئيس «الاشتراكي» في ظهور تواصله مع الحريري كواحدة من خطوات تقوم بها 14 آذار في سياق التحضير لانتخابات رئاسة الجمهورية. لكن مصادر معنية بالعلاقة بين المستقبل والاشتراكي تسأل عن سبب عدم لقاء الحريري وجنبلاط، رغم أن الأخير زار في باريس وزير الخارجية السعودي سعود الفيصل. وتقول المصادر إن ثمة مجموعة من الأخطاء تراكمت بين الطرفين أدّت إلى سيطرة السلبية على العلاقة بينهما. ومن أبرز تلك المحطات، الهجوم الذي شنّه نائب رئيس مجلس النواب فريد مكاري على جنبلاط، وقوله إن تحالف الحريري ـــ العماد ميشال عون سيؤدي إلى تحجيم دور الزعيم الاشتراكي. هذا الكلام استفز رئيس «جبهة النضال»، فرد على عادته، خلال لقائه رؤساء بلديات من إقليم الخروب، هادفاً أن يصل كلامه إلى الحريري. إذ انتقد الأخير ومقربين منه، واصفاً سياسته تجاه الأزمة السورية بـ«المراهقة». كما انتقد التواصل الحريري ـــ العوني، معبّراً عن خشيته من «سياسة انتحارية» توصل عون إلى قصر بعبدا.
وقالت المصادر إن جنبلاط مقتنع بأن هجوم مكاري عليه هو في الواقع هجوم حريريّ، وهو ممتعض من «الدلال» الذي يمارسه تيار المستقبل تجاه عون، رغم رغبات الأخير الانقلابية على اتفاق الطائف. في المقابل، أكّدت مصادر سياسية واسعة الاطلاع أن الحريري لم ينس لجنبلاط انقلابه عليه وتسميته الرئيس نجيب ميقاتي لرئاسة الحكومة، وأنه بات يعبّر أمام المقربين منه عن ضيقه من الدور المضخّم لجنبلاط، وقدرته على التحكم بمسار السياسة والانتخابات الرئاسية وتسمية رؤساء الحكومات وتأليف الحكومات ومنحها الثقة… واللافت أيضاً في هذا الإطار أن الحريري أبدى انزعاجه من الدور الذي لعبه جنبلاط في تسمية الرئيس تمام سلام لرئاسة الحكومة.
لكن مصادر على صلة بالطرفين تؤكد أنهما لا يرغبان في تعميق الخلاف، وأنهما سيعملان على ضبطه. إلا أنه كان لجنبلاط موقف لافت من التقارب الحريري العوني، إذ أكد أنه لن يقبل بتسوية على حساب مرشحه لرئاسة الجمهورية النائب هنري حلو. وشدد في حديث إلى «أسوشيتد برس»، على أنه لن يسحب ترشيح حلو حتى إذا توافق عون والحريري.
في غضون ذلك، وفي غياب التسوية السياسة للتوافق على رئيس للجمهورية، وعشية الجلسة النيابية السادسة المقررة اليوم لهذه الغاية والتي سيكون مصيرها التأجيل، رفع البطريرك الماروني الكاردينال بشارة الراعي نبرة الاعتراض على تولي الحكومة إلى أمد غير محدد صلاحيات الرئاسة الأولى. واعتبر الراعي خلال قداس في بكركي، أمس، «أن عدم انتخاب رئيس جديد للجمهورية هو انتهاك خطير للحقيقة وللدستور يتسبب بشلل المؤسسات الدستورية. كما أن قيام حكومة تحل محل الرئيس لمدة غير محددة هو انتهاك خطير للدستور والميثاق، إذ يقصي المكون المسيحي الماروني عن الرئاسة الأولى. فلا المجلس النيابي يستطيع القيام بمهماته الدستورية، ولا الحكومة تستطيع أن تمارس صلاحياتها».
من جهته، أكد وزير البيئة محمد المشنوق أن الحكومة كاملة الصلاحية، ولديها وكالة شرعية وثقة مجلس النواب. وأكد في حديث إلى قناة المنار أن «من غير الممكن وقف كل شيء في البلاد، بانتظار تفاهم السياسيين»، معتبراً أنه «يجب أن تكون لدى الحكومة صلاحية بت القضايا الأساسية، ولدى المجلس النيابي صلاحية التشريع».
وفي الشأن الرئاسي أيضاً، أشار وزير الصحة العامة وائل أبو فاعور إلى أن «باب التسوية السياسية لم يفتح بعد في موضوع انتخابات رئاسة الجمهورية»، ودعا خلال لقاء بحث فيه شؤوناً إنمائية وحياتية ومشاريع خدماتية مع رؤساء بلديات اتحاد جبل الشيخ، في راشيا، إلى «عدم تحميل المسؤولية لأي من الأطراف الخارجية لأن الأزمة داخلية لبنانية».
في المقابل، شدد نائب الأمين العام لحزب الله الشيخ نعيم قاسم، خلال احتفال للحزب في البقاع، على أن الحزب يريد انتخاب رئيس للجمهورية في أسرع وقت ممكن، لكنه أشار إلى أن «كل المؤشرات تدل على أنه لا إمكان لانتخاب رئيس من دون توافق، ونحن نقول لكم تعالوا لنتوافق لإنجاز هذا الاستحقاق، فإن أخّرتم التوافق عناداً، فهذا يعني أن شغور الرئاسة سيستمر طويلاً وطويلاً، إلا إذا حصل توافق وأنتم تتحملون هذه المسؤولية».
مخيمات للسوريين
في مجال آخر، كشف وزير الشؤون الاجتماعية رشيد درباس، أن بعض المؤسسات تبحث عن أراض لإقامة مخيمات للنازحين السوريين بشكل مخالف للقانون، مؤكداً عدم السماح بهذا الأمر. ولفت إلى أن الأمم المتحدة ترفض استئجار أراض بالقرب من الحدود من أجل القيام بذلك، مؤكداً أنه «إذا كانت الأمم المتحدة تعمل على هذا الموضوع من دون التنسيق مع الدولة اللبنانية فهي تعمل خارج القانون».