خطط الغرب طويلة الأمد لسحق الصين
صحيفة البعث السورية-
سمر سامي السمارة:
خلال مقابلة أجرتها معه قناة “فوكس بزنس” مؤخراً، قال الكاتب والمؤرخ الأمريكي غوردون إتش تشانغ، أحد دعاة الإمبريالية: “الصين تستعد لقتل الأمريكيين وعلينا الاستعداد للدفاع عن أنفسنا”.
من المستغرب أن تشانغ، الذي اشتهر بأنه قضى أكثر من عقدين وهو يتنبأ بشكل غير صحيح بالانهيار الوشيك للصين، أدلى بهذه التعليقات أثناء مناقشة “هجوم” مستقبلي على تايوان.
على الرغم من أن تايوان ليست جزءاً من الولايات المتحدة، وأن أي حرب محتملة بين تايوان والبر الرئيسي ستكون نزاعاً بين الصينيين لا يحتاج إلى أي مشاركة الولايات المتحدة، كما أن تشانغ بالتأكيد ليس جزءاً من أي “نحن” ممن سيشاركون في أي وقت في القتال مع الجيش الصيني تحت أي ظرف من الظروف، إلا أن تشانغ يؤطر روايته كما لو أن الصين تهدّد الأمريكيين في منازلهم، في حين أن العكس هو الصحيح، فقد كانت الولايات المتحدة تطوق الصين عسكرياً منذ سنوات عديدة وتضاعف جهودها لتحقيق ذلك.
قبل بضعة أيام فقط، كانت الفلبين قد أعلنت عن مواقع أربع قواعد عسكرية يمكن للولايات المتحدة الآن الوصول إليها في عملية التطويق المستمرة، ومعظمها في المقاطعات الشمالية الأقرب إلى الصين.
وتوجد ثلاث قواعد في الشمال، مقابل تايوان، وواحدة في مقاطعة بالاوان على بحر الصين الجنوبي.
وكتب الصحفي الأمريكي ديف ديكامب في مجلة “أنتي وور” الإلكتروانية أنه سيكون مقر ثلاث من القواعد الفلبينية في مقاطعات شمال الفلبين، وهي خطوة تثير غضب الصين حيث يمكن استخدامها كنقطة انطلاق لإشعال الحرب في تايوان. وسيتم تمكين الولايات المتحدة من الوصول إلى مطار لال وقاعدة كاميلو أوسياس البحرية، وكلاهما يقعان في مقاطعة كاجايان الشمالية، حيث ستتمكن الولايات المتحدة من الوصول إلى معسكر ميلكور ديلا كروز.
كما سيكون الجيش الأمريكي قادراً على التوسع إلى بالاوان، وهي أكبر جزيرة في بحر الصين الجنوبي، والمياه المتنازع عليها وتعدّ مصدراً رئيسياً للتوترات بين الولايات المتحدة والصين، حيث سيتم منح الولايات المتحدة حق الوصول إلى جزيرة بالاباك، أقصى جنوب جزيرة بالاوان.
تقع المواقع الجديدة على رأس خمس قواعد يمكن للولايات المتحدة الوصول إليها حالياً، وبذلك يصل العدد الإجمالي للقواعد التي يمكن للولايات المتحدة مناوبة قواتها عن طريقها في الفلبين إلى تسعة قواعد، ويعد التوسع في الفلبين خطوة مهمة لمواصلة جهود الولايات المتحدة الرامية لبناء أصولها العسكرية في المنطقة للتحضير لحرب مستقبلية مع الصين.
لذا بات واضحاً من هو المعتدي، كما بات واضحاً كذب غوردون إتش تشانغ وأمثاله ممن يؤطرون عسكرة الصين التي تهدف للدفاع عن نفسها ضد الحصار الأمريكي غير المقنع وكأنه تسليح لمهاجمة الأمريكيين.
ومن الحقائق المضحكة أن المسؤولين الأمريكيين اعتادوا التظاهر بأن الصين كانت مذعورة ومصابة بالجنون، للقول بأن هذا التطويق كان يحدث. وفي كتاب “قتل الأمل، تدخلات العسكريين الأمريكيين ووكالة الاستخبارات المركزية منذ الحرب العالمية الثانية” كتب وليام بلوم ما يلي: “في آذار 1966، تحدث وزير الخارجية دين راسك أمام لجنة في الكونغرس حول السياسة الأمريكية تجاه الصين، ويبدو أن السيد راسك كان يشعر بالحيرة من أن القادة الصينيين الشيوعيين كانوا مهووسين بفكرة أنهم يتعرضون للتهديد والحصار. وتحدث عن فكرة الصين الخيالية، الرافضة للواقع، البلد التي تسعى الولايات المتحدة والدول الأخرى حول حدودها إلى الحصول على فرصة لغزو البر الرئيسي للصين وتدمير نظام بكين”.
ثم أضاف: “إلى أي مدى يعتبر خوف بكين من الولايات المتحدة حقيقياً، وإلى أي مدى تمّ احداثه بشكل مصطنع لأغراض سياسية محلية لا يعرفها سوى القادة الشيوعيين الصينيين أنفسهم. ومع ذلك، أنا مقتنع بأن رغبتهم في طرد نفوذنا ونشاطنا من غرب المحيط الهادئ وجنوب شرق آسيا ليست مدفوعة بالخوف من أننا نهدّدهم”.
ثمة حقيقة مضحكة أخرى أنه بفضل ما كشفه دانيال إلسبرغ، في عام 2021، وهو محلل سابق للجيش الأمريكي، نعلم الآن أن تعليقات وزير الخارجية حول جنون الصين وذعرها، لاعتقادها أن الولايات المتحدة أرادت مهاجمتها، جاءت بعد ثماني سنوات فقط من تفكير الولايات المتحدة بجدية في التصرف وفقاً للخطط التي أُعدت لشن هجوم نووي على البر الرئيسي الصيني.
منذ فترة طويلة، أدرك التيار السائد للإمبرياليين الغربيين ممن يريدون مواصلة هيمنتهم على العالم، أن الصراع الصعب مع الصين سيكون ضرورياً في مرحلة ما في المستقبل. وفي كتاب “الوطنية المتفوقة” (2005)، كتب مايكل بارينتي أن أيديولوجية المحافظين الجدد أحادية القطب التي استحوذت في تلك المرحلة على السياسة الخارجية للولايات المتحدة كانت موجهة في النهاية نحو صراع مستقبلي مع الصين، بحيث تتصور خطة مشروع القرن الأمريكي الجديد مواجهة إستراتيجية مع الصين، ووجود عسكري دائم بشكل كبير في كل ركن من أركان العالم، وأن الهدف ليس مجرد استعراض القوة لمصلحتنا الخاصة ولكن القدرة على التحكم في الموارد الطبيعية والأسواق في العالم، والقدرة على خصخصة وتحرير اقتصادات كل دولة في العالم، على حساب الشعوب في كل مكان، بما في ذلك أمريكا الشمالية. والهدف النهائي هو ضمان ليس فقط هيمنة الرأسمالية العالمية على هذا النحو، ولكن تفوق الرأسمالية العالمية الأمريكية من خلال منع ظهور أي قوة عظمى أخرى محتملة المنافسة.
في الحقيقة، إن وميض هذا الصراع الذي يلوح في الأفق في أعين الإمبرياليين الغربيين كان موجوداً قبل وقت طويل من حدوث ذلك. وفي مقابلة أجريت عام 1902 -لم تنشر حتى عام 1966، أي بعد عام على وفاة تشرشل- أعرب تشرشل بصراحة عن دعمه لتقسيم الصين في مرحلة ما في المستقبل من أجل الحفاظ على الهيمنة على “الأمم البربرية”.
يقول تشرتشل: “الشرق مثير للاهتمام، ولا يمكن لأحد أن يكون أكثر قيمة وإثارة للاهتمام من أي شخص ينتمي إلى الغرب. أعتقد أنه يتحتم علينا أن نسيطر على الصينيين ونضبطهم، وأعتقد أنه كلما أصبحت الدول المتحضرة أكثر قوة ستزداد قسوة، وسيأتي الوقت الذي يتحمل فيه العالم بفارغ الصبر وجود أمم بربرية كبيرة، بإمكانها تسليح نفسها في أي وقت، وتهديد الدول المتحضرة، لذا فإني أؤمن بالتقسيم النهائي للصين- أعني نهائياً. آمل ألا نضطر إلى القيام بذلك في يومنا هذا”.
كلمة “تقسيم” هنا تعني تقسيم الأمة إلى دول أصغر، أي “البلقنة”، وحتى يومنا هذا، نرى الإمبرياليين الغربيين يضغطون من أجل تقسيم الدول العصية مثل روسيا وسورية، وما زلنا نرى ذلك مع الصين في الدفع لاقتطاع مناطق من بكين، مثل شينغيانغ وهونغ كونغ وتايوان، بشكل دائم.
لطالما تم الاعتراف بحجم الصين الهائل وتماسكها الاجتماعي وموقعها الجغرافي الاستراتيجي كمشكلة محتملة للإمبرياليين الغربيين الذين يرغبون في ضمان قدرتهم على الهيمنة والسيطرة، ونحن الآن نرى أن كل ذلك قد وصل إلى ذروته. قال تشرشل عن أي مواجهة مستقبلية مع الصين: “آمل ألا نضطر إلى القيام بذلك في يومنا هذا، لأن تلك المواجهة دون شك ستكون مروعة، واليوم في العصر الذري، أصبحت هذه المواجهة ممكنة بقدر أكبر بكثير مما كانت عليه في عام 1902”.
في الواقع، لا يتعين القيام بذلك في أي يوم، لأن السبب الوحيد الذي يدفع الولايات المتحدة نحو صراع خطير للغاية مع الصين هو أنها الطريقة الوحيدة للإمبرياليين الغربيين للحفاظ على سيطرتهم على هذا الكوكب، لكن سيطرتهم على هذا الكوكب أوصلت الولايات المتحدة إلى نقطة من التصعيد النووي اللانهائي، وإلى سياسة حافة الهاوية وانهيار النظام البيئي الذي يلوح في الأفق.