خطط الشيطان الأكبر في 2023
موقع العهد الإخباري-
إيهاب شوقي:
في 29 تشرين الثاني/ نوفمبر، عقد “معهد واشنطن” منتدى سياسيًا افتراضيًا حول حزب الله بمشاركة كبار الباحثين من المعهد والمتخصصين في رصد المقاومة وبث الدعايات حولها، ومنهم من هم من أصول لبنانية وعراقية.
إضافة إلى الدعايات السوداء أو الكذب المتكرر الموجّه ضد المقاومة، فقد لوحظ التركيز في التقرير الذي نشره معهد واشنطن كملخص للمنتدى ومناقشاته، أنه ركز بشكل كبير على الاحتجاجات اللبنانية في العام 2019 وعدم مشاركة حزب الله فيها، مروّجين في ذلك لكذبة انحيازه للطبقة الفاسدة وأن الحزب جزء من السلطة وربطوا ذلك أيضًا بعلاقته بالجمهورية الاسلامية والاحتجاجات الموجودة بها والقمع الذي تواجهه من السلطة وفقًا لادعاءاتهم.
هنا تبدو الدعايات الأمريكية غير جديدة من حيث المضمون والكذب والافتراءات، ولكن الجديد واللافت هو التركيز على جانب بعينه يمكن وضعه في سياق جديد تحاول امريكا فيه الاستماتة لحماية عرشها، وهو سياق ايديولوجي بعد فشل سياق القوة والحصار والعقوبات.
وما يجعلنا نذهب إلى أنه سياق وتوجه، هو رصد مراكز الفكر الأمريكية ومخرجاتها، والتناغم بين هذه التوصيات وممارسات أمريكا على الأرض وتصريحات مسؤوليها، من جهة، ومن جهة أخرى رصد الأزمة الغربية العامة ومحاولات الخلاص منها، والتي تعكسها بشكل كاشف ودقيق، مؤتمرات دولية، على رأسها مؤتمر ميونخ للأمن، وهو أهم مؤتمر كاشف لتوجهات الغرب وسياساته.
أولاً: الملمح الرئيسي في مجمل التقارير الأمريكية والمقالات والتوصيات، هو التركيز على أزمة الديمقراطية الغربية وخلل الميزان بينها وبين ما يصفونه بالديكتاتوريات والنظم الأوتوقراطية، والتي يضعون فيها دوما روسيا والصين وإيران.
ومع ملاحظة التهديدات التي حددتها وثيقة استراتيجية الأمن القومي الأمريكية، ووضعت فيها هذه الدول كتهديدات للأمن الأمريكي، فإننا نعلم مباشرة أن وصفها بالديكتاتوريات القمعية ما هو إلا ذريعة ومحاولة لوضع إطار ايديولوجي للصراع، حيث لا يتم ذكر ديكتاتوريات حقيقية ونماذج صارخة للحكم الفردي الخالي من أي نوع من التداول أو الانتخابات كمعظم دول الخليج، باستثناء جريمة صارخة تورط بها ولي العهد السعودي لا يمكن تمريرها، ومع ذلك مررتها أمريكا وذهب رئيسها للقاء المتورط بها، بل ووضع القانون الأمريكي ولي العهد السعودي في حصانة ورفض مؤخرًا دعوى قضائية أقيمت ضده!
كتب “فريد كيمبي” الرئيس والمدير التنفيذي للمجلس الأطلسي وهو من أبرز الصحفيين الأمريكيين (كما أن المجلس الأطلسي من أهم مراكز الفكر) مقالًا يلخص مجمل التوجهات الأمريكية التي نشير إليها، حيث يقول نصًا: “يجب على الولايات المتحدة وشركائها العالميين مضاعفة عددهم في عام 2023 لتشكيل المنافسة التي تتكشف بين الديمقراطيين والطغاة التي ستحدد نظام ما بعد الحرب الباردة”. وبعد توصياته اختتم مقاله بالقول: “الأمر الحاسم في العام المقبل هو أن تتوحد الديمقراطيات في قضية مشتركة لتشكيل المستقبل العالمي جنبًا إلى جنب مع الديمقراطيات المعتدلة والحديثة التي تسعى إلى عالم أكثر أمنًا وازدهارًا وعدالة”، وفقا لقوله.
ثانيًا: مؤتمر ميونخ للأمن هو المنصة الأولى في العالم للنخب الدولية في السياسات الأمنية، حيث يجمع المؤتمر عددًا كبيرًا من ممثلي الحكومات وخبراء الأمن، وصنفت جامعة “بنسيلفانيا” بالولايات المتحدة الأمريكية المؤتمر في مرتبة أهم مؤتمر في العالم.
والمراقب للمؤتمر وتوصياته يستطيع رصد وتوقع الكثير من السياسات الدولية، وقد انطلقت يوم 19 فبراير 2022 الماضي، جلسات مؤتمر ميونخ الدولي للأمن في المانيا، قبل خمسة أيام من انطلاق العملية الروسية في أوكرانيا، وكان المؤتمر قد تحول إلى منصة “دعائية” للغرب أكثر من الحوار، وسط الغياب الروسي، وتميز مؤتمر ميونخ 2022 بحضور امريكي أكثر من السنوات السابقة، وهي محاولة من ادارة بايدن لتوحيد صفوف الناتو ضد روسيا.
ونظرًا لتوقف المؤتمر لعامين بسبب جائحة كورونا، فقد كان المؤتمر السابق هو مؤتمر العام 2020، وكان موضوع المؤتمر هو “عدم الاهتمام بالغرب”، والذي يمكن ترجمته باللغة الألمانية باسم “West-Losigkeit”. وهو إنشاء لكلمة جديدة تصف الظاهرة المزدوجة المتمثلة في شعور واسع بأن الغرب والعالم أجمع يتطورون في اتجاه أقل اهتماماً بالغرب، والمقصود هو فقدان القيم عبر الأطلسية ومجتمع الأمن.
أما مؤتمر العام القادم، فسيعقد في الفترة من 17 إلى 19 شباط/ فبراير 2023 ويقول الموقع الرسمي للمؤتمر، أنه سيعمل كمنصة فريدة للمناقشات رفيعة المستوى حول أكبر تحديات السياسة الخارجية والأمنية في عصرنا، بعد عام تقريبًا من بدء الحرب الروسية ضد أوكرانيا، وسيوفر فرصة لتقييم التماسك داخل الحلف والالتزام السياسي بالنظام الدولي القائم على القواعد.
يمكننا هنا الاستنتاج بشكل مباشر، أن أمريكا والغرب أجمعوا على الاستمرار في المواجهة والتكتل على أسس أيدلوجية تدعي الديمقراطية والليبرالية وتزعم الالتزام بالقانون الدولي في مواجهة كل من يقاوم الهيمنة ومحاولة وضعهم في إطار الدول المارقة والقمعية والخارجة عن القانون، وهو ما يعني استمرار الحصار والعقوبات من جهة، واستمرار خلق القتن والثورات الملونة من جهة أخرى.
وحول المواجهة المثلى لهذه السياسة الشيطانية، فإن هناك ثلاثة مستويات من المقاومة:
– الأول: الصمود وعدم الرضوخ للفزاعات وعدم الانصياع وتقديم التنازلات تحت وطأة مقاومة العاصفة ببعض الانحناءات، لأن أي تنازل سيكون بداية لسلسلة لن يشبع الأمريكي منها، بل ستشكل نجاحًا له يجعله طامعًا في المزيد.
– الثاني: الاجتهاد في كشف زيف الدعايات الغربية وازدواجية امريكا والغرب في التعاطي مع الأنظمة ولا سيما الكيان الصهيوني المرتكب لجرائم الحرب وأنظمة الخليج القمعية، بل وأنظمة الغرب ذاتها التي تقمع الاحتجاجات وتمارس العنصرية، وكذلك بيان المفهوم الأنسب للديمقراطية والعدالة والدفاع عن الذات بالحقائق الدامغة.
– الثالث: هو تعميق التنسيق والتكتل مع الدول والكيانات المستهدفة أمريكيا وغربيا.