“خطايا” حزب الله الكونية .. جعلته “إرهابياً”!
موقع إنباء الإخباري ـ
بقلم حسن شقير:
إذا كان فعل حزب الله المركزي في إنجاز تحرير العام ٢٠٠٠ في لبنان، قد اعتُبر لدى الكثير من الأنظمة العربية الرجعية أنموذجاً ومؤشراً سلبياً، والذي كان له وقع التعرية على سياساتها واستراتيجياتها المخادعة في الممانعة تجاه القضية الفلسطينية، فضلا ً عن صراعها الصوري مع الكيان الصهيوني… فإن انتصار الحزب وصموده في الحرب الصهيونية التي شنت على لبنان في العام ٢٠٠٦ ، والتي كان من نتائجها، قد قضت على ما تبقى من حلم ٍ لتلك الأنظمة ذاتها، في غسل أدرانها التي علقت بها من ذاك العام التحريري.. لا بل أن هذه المحطة الثانية أيضاً، إنتقلت بالحزب، من حزب – النموذج ، إلى حزب – ” المغامر ” والمنتصر في أن ٍ واحد.. بحيث أضحت تلك “المغامرة ” – بحسب التوصيف السعودي لها في حينه – مثالاً أعلى، ودروساً وعبراً لدى الكثير من الشعوب والمقاومات، وحتى للجيوش في معظم بلدان المنطقة، وصولا ً إلى أن بعض من الأكاديميات العسكرية الدولية اتخذت من هذه التجربة العسكرية للمقاومة مدرسةً قائمةً بحد ذاتها… الأمر الذي جعل من مأزومي – النموذج أنفسهم، يتحسسون خطراً استراتيجياً فعلياً وواقعياً على نماذجهم المعرّاة منذ العام ٢٠٠٠ .
تدحرجت كرة الثلج المقاوِمة منذ ذاك التاريخ الثاني، إلى ذاك السابع عشر من أذار من العام ٢٠١١ ، تاريخ بدء المؤامرة على سوريا، ومن خلفها وأمامها أيضاْ على ذاك الأنموذج – المقاوم، ولا بد آن نعترف، بأن ذاك التاريخ ، لم يُشكّل فقط ، عاملا ْ مفرملا ً له ، إنما كان أيضاً – وبفعل حجم الإنتقام الكبير منه – كان قد شكّل رافعة صلبة لتلك النماذج البالية، ومن ثم لتتكامل هذه الأخيرة، مع أجندات إقليمية، دولية وحتى إرهابية، في الإستثمار بالحرب على سوريا، لجعل هذه الدولة مفتاحاً لرسم خارطة العالم من جديد، وبالصورة التي تتقاطع عندها أهداف كل هذه الأجندات للأطراف السالفة الذكر …
لنعد إلى تلك التواريخ المفصلية ، وتأسيساً على القطب المخفية التي بدأت تظهر كإفرازات لذاك السابع عشر من أذار، إندفع حزب الله إلى تلك الحرب السورية في ربيع العام ٢٠١٣، وتحديداً من معركة القصير المفصلية، واضعاً نصب عينيه فرملة تلك الإفرازات التي بدأت تطفو على سطح تلك الحرب، الأمر الذي جعله يرتكب “الخطيئة الكبرى والذنب الأعظم ” في مسيرته الجهادية، كون هذا التاريخ ، لم يكن كسابقيه، إنما كان محطة ً محورية في في ضرب وإحياء – وعلى حد سواء – لاستراتيجيات كبرى، في هذا العالم ..فكيف ذلك ؟
“الخطيئة” الأولى:
لم نكن في جميع الكتابات المتصلة بالشأن الأمريكي، من المعتقدين بأن أمريكا هي في طور التخلي طوعاً عن نظام الأحادية القطبية في العالم، وذلك بفعل ضعفٍ أصاب أمريكا نفسها من جهة، وصعود قوى دولية وإقليمية منافسة من جهة ثانية. وبناءً عليه فإن أية استراتيجية أمريكية للأمن القومي لا تلحظ ذاك الإعتقاد أعلاه، إنما كانت ترتكز دائماً على التكيّف مع الأوضاع المستجدة داخل وخارج أمريكا على حد سواء، وذلك في سبيل الحفاظ على الهدف “الأسمى” أعلاه ، فيما خص االقيادة الأحادية للعالم، وإن من الخلف، كما هي الحال مع المرحلة الأوبامية الحالية. وعليه، فإن من يراجع الفقرات المتعلقة بسوريا، والواردة في تلك الإستراتيجية الأمريكية للأمن القومي الأخيرة (شباط ٢٠١٥)، يرى أنها لخصتها في نقطتين أساسيتين “إعتماد الحل السياسي الدائم للنزاع المدمر فيها” و”مواصلة العمل مع الشركاء، لتدريب وتجهيز المعارضة المعتدلة، لتوازن قوة الإرهابيين، ووحشية الأسد، على حد سواء”.
هاتان الفقرتان، تصبان تماما ً في خدمة مشروع أمريكا الحثيث لـ “سوريا المسالمة”، وذلك على ما يكرره نائب الرئيس الأمريكي جو بايدن، عند حديثه عن وحدة سوريا الجغرافية، وعليه فإن دخول حزب الله أولاً إلى سوريا، ومن ثم تكامله وتكافله مع الجيش السوري، مظللاً لاحقاً بالمظلة الروسية، زعزع البنيان الرئيس لما رسمه البيت الأبيض لـ “سوريا الجديدة” من جهة، وضرب مشروع التوازن العسكري في الجغرافيا السورية، وصولا ً إلى الفرض على هذه الإستراتيجة تبدلاً جوهرياً على أمريكا ومعها تحالفها المزعوم ضد الإرهاب، وذلك بالإنتقال بها من رحلة الاستثمار بالإرهاب، إلى مرحلة وراثة الإرهاب – غير المتوازنة – مع ما يمكن أن يقابل ذلك لدى روسيا وحلفائها من جهة ثانية. وحتى أنني أشرت في مقالة سابقة إلى أن هذه التطورات الميدانية في سوريا لصالح محور الممانعة قد بدّل ، وبشكل قسري “عقيدتي” أمريكا والإرهابيين على حد سواء، وذلك في غير صالحهما معاً (المقالة بعنوان : روسيا وإيران.. وزمن قلب العقائد بالإكراه، نُشرت في 09 ديسمبر من العام 2015 )
بكلمات معدودة، لقد شكلت التطورات الأخيرة في سوريا (قطب الرحى في الشرق الأوسط )، ولمساهمة حزب الله الجوهرية في ذلك، فرملةً وتعقيداً حقيقياً لمشروع أمريكا الأم في الحفاظ على نظام الأحادية القطبية لصالحها، وإن بآلياتٍ جديدة.
“الخطيئة” الثانية:
منذ دخول حزب الله إلى سوريا، ومن بوابة تلك المعركة في القصير في العام ٢٠١٣، ما زلنا نكرر مقولة وزير “الدفاع ” الصهيوني موشيه يعلون، في صيف ذاك العام، وبحضور الرئيس السابق لهيئة الأركان الأمريكية المشتركة الجنرال ديمبسي، في فلسطين المحتلة، بأنه “ممنوع على محور الشر، الممتد من طهران إلى دمشق، الانتصار في سوريا”، ولتكر بعده سبحة منظّري الكيان الصهيوني، من كتّاب وباحثين بضرورة الاستثمار بالحرب على الإرهاب، لتحسين وتطوير علاقات الكيان مع دول العالم، فضلا ً عن ضرورة إبقاء معركة الممانعين مع الإرهابين مديدةً في المدى الزمني، وبوجوب ألا تصل معركة الإرهاب في سوريا ، إلى “المربع الثاني” (الكيان الصهيوني) ، ووجوب حصرها بـ “المربع الأول” (مربع المقاومة)، وإغراق الجميع في مربع الاستنزاف المديد، وبشكل بعيد عنها…
لقد عطّلت المقاومة – وباعتراف الجميع – في البداية مشروع اسقاط الدولة السورية، فكان المسمار الأول في الصورة التي رسمتها مراكز البحث الصهيوني لسوريا الجديدة وللمنطقة برمتها، ومن ثم بترت الأيدي الإرهابية، ومنعتها – لغاية اليوم – من العبث الكبير في الساحة الخلفية للمقاومة (لبنان)، فكان المسمار الثاني في تلك الصورة، ومن ثم تدحرجت أحلام الصهاينة في استغلال الإرهابيين في تهديد خاصرة لبنان الجنوبية أو حتى الشمالية، وذلك للانقضاض الصهيوني اللاحق على المقاومة، لا بل أن بعضاً من الخطوط الحمراء التي رسمها نتنياهو للمقاومة في سوريا، قد أضحت خلفها (الإعتراف الصهيوني بانتقال أسلحة كاسرة للتوازن إلى أيدي المقاومة، وكان آخرها الحديث عن منظومة الردارات، فضلا ً عن الصواريخ).
لم يتوقف الهلع الصهيوني من إنقلاب المشهد في سوريا عند هذا الحد، لا بل أنهم بدأو يتحسسون بأن إمكانية إنتصار الدولة السورية قد أصبح واقعاً ملموساً، وأن فرض قرار اجتثاث الإرهاب التي استثمرته فيها قد شارف على نهايته، دون أن يكون ذلك على حساب محور الممانعة فيها، مما جعل من مخاوف الصهاينة في ارتداد بعضٍ من هذا الإرهاب الأسود عليهم، قد أضحى في طور الإمكان.
وبكلمات مختصرة أيضاً، لقد كان لبصمة حزب الله في سوريا بصمةً غير محمودةٍ أبداً لدى العقل الإستراتيجي الصهيوني البارع في تطويع الإرهاب والاستثمار به.
“الخطيئة” الثالثة :
لقد أشرت في مقالة نشرتها بتاريخ 14-08-2013، والتي كانت بعنوان (حزب الله.. وما لم يبح به)، إلى أن خروج حزب الله من سوريا لهو ضربٌ من المستحيل، وذلك لأن هناك خمساً من الموانع الأساسية (عقيدية – ثقافية – سيادية – دينية – وجدانية) تحتم عليه البقاء فيها حتى تحقيقها، كونها تتصل بمكانته وصورته المقاومة لدى كثر من مريديه في المنطقة والعالم على حد سواء. وبناءً عليه فإن الإجراءات التي تتدرج في التضييق على حزب الله في العالم، ومن ثم الانتقال إلى وضعه على لوائح الإرهاب الخليجية ومعظم العربية، ربما تندرج في إطار ما وصلت إليه متغيرات الحرب السورية لغير صالح بعض من الدول الإقليمية، وتحديداً السعودية منها. فلقد جعلت من تلك الموانع الخمس، دافعاً مركزياً في لصق تهم الإرهاب بالمقارمة ، الأمر الذي جعل من رافعة حزب الله في سوريا، إيذاناً بإحباط أهدافها ومشاريعها الإقليمية على حد سواء..
السؤال الأساس: هل ترى السعودية نفسها اليوم بأنها تقترب من كونها ذاك الخاسر، الذي ينتظر طوق نجاة المنتصر، والذي كاد أو هو يكاد أن يحقق أهدافه العليا، والتي وردت في تلك الموانع الخمس؟
لأجل هذه ” الخطايا ” كلها وأكثر، فلقد جعلوا من حزب الله ، تنظيماً “إرهابيا”!
فلربما كانت جملة السيد نصرالله الشهيرة، بأن “سوريا لن تكون أمريكية، ولا صهيونية، ولا سعودية ولا حتى تركية” كانت قد وعتها السعودية، وبشكل جيد هذه المرة.
باحث وكاتب سياسي