خطاب السيد وخارطة طريق لنهاية الحرب
موقع العهد الإخباري-
إيهاب زكي:
في خطابه بمناسبة الذكرى الثامنة لاستشهاد القائد السيد مصطفى بدر الدين “ذو الفقار”، تحدث الأمين العام لحزب الله سماحة السيد حسن نصر الله عن خيارين أمام العدوّ لا ثالث لهما، وقف الحرب أو استمرارها، وبالتالي نصرٌ للمقاومة في حال توقفها ونصرٌ تاريخيٌ في حال استمرارها، كما تحدث أيضًا في ذات الإطار عن الاستنزاف والهاوية، فهل تعنى الهاوية أو يعني النصر التاريخي في مفهوم السيد نصر الله زوال “إسرائيل”؟
لا نستطيع الجزم بتلك المعاني في مفهوم السيد نصر الله عن النصر التاريخي أو الهاوية، خصوصًا أنّ عادات السيد هي الوضوح والمباشرَة، رغم أنّ زوال الكيان أمرٌ يقينيٌ حتمي، والسؤال فقط هو عن الوقت، أيّ متى؟ لذلك فإنّ الاطلاع على مفهوم السيد عن النصر التاريخي والهاوية، يجعل من استنتاج توقيت فتح الجبهات وبدء الحرب الشاملة أمرًا ميسورًا.
وبما أننا لا نستطيع وضع التفسيرات على لسان السيد، فإنّه من الوجاهة التزام ظاهر الحديث، وظاهره مهما كانت تفسيراته بالنسبة لنا فهو استشرافٌ للنصر الحتمي، أمّا بالنسبة للعدو، فهو تهديدٌ واضحٌ وصريح، بأنّ الكيان مقبلٌ على كارثةٍ وجودية مهما كانت مآلات الحرب، وقفًا عاجلًا أم استنزافًا طويلًا.
كما تحدث السيد عن تطلعات مستوطني الشمال للعودة قبل أول أيلول/سبتمبر، والتي اعتبرها السيد غير ممكنة ومستحيلة طالما استمر العدوان على غزّة، وأنّ عودتهم مرهونة بوقف الحرب، لا بوعود “المسطل المستهبل أكثر” حسب وصف السيد التهكمي لوزير حرب العدوّ يؤاف غالانت، وهذا يعني أنّ الوضع القائم حاليًّا قد يستمر على هذا النحو لأيلول وما بعد أيلول.
وهذا الاحتمال لم يكن يتصوره أحدٌ في هذا العالم، مهما أوتي من خصب الخيال وجموحه، أن يحارب الكيان المؤقت حربًا طويلةً على هذا النحو ولهذه المدة، وهو الذي كان يعتمد الحروب الخاطفة والحاسمة وخارج “أرضه”، وفي ذلك التاريخ نكون اقتربنا من مشارف انتهاء العام الأول للحرب ودخول العام الثاني، وهي حربٌ في مواجهة غزّة الصغيرة المحاصرة قليلة العدد والعدة، فكيف لو أنّ الحرب كانت في مواجهة قوةٍ إقليميةٍ من خارج حدود فلسطين المحتلة، كم يمكن للكيان أن يصمد؟
بغضّ النظر عن رغبات نتنياهو ومصالحه، فإنّ استمرار العدوان على غزّة حتّى هذه اللحظة، هو قرارٌ أميركيٌ محضّ، حيث لا يمكن للولايات المتحدة قبول هزيمةٍ بهذا الحجم للكيان، وفي مواجهة جبهةٍ تُعتبر أضعف حلقات محور العداء لأميركا ونفوذها وبقائها في المنطقة، وهذا المحور في المقابل يصرّ على رضوخٍ كاملٍ لشروط حماس والفصائل الفلسطينية في غزّة كاملةً، باعتباره الوصفة الأنجع والأسهل لوقف الحرب.
وكما قال السيد نصر الله، فإنّ دخول رفح لا يعني على الإطلاق تمكّن الكيان من الحصول على صورة نصر، وهذا ما يفسر محدودية العملية البرية في رفح حتّى اللحظة، أيّ إبقاء ورقة رفح في إطار التهديد، فالخلاف الأميركي الصهيوني المفتعل حول رفح، هو جزءٌ من سياسة تبادل الأدوار للإبقاء على ورقة رفح في طور القوّة والتهديد، وعدم الانزلاق بها إلى مرحلة التنفيذ، وبالتالي الفشل أولًا، وتحولها لورقة ضعف ثانيًا، وكما قال السيد أيضًا “دخلتم رفح، خير إن شاءالله، وبعدين؟!”.
وعليه فإنّ السيد نصر الله وضع خارطة طريق لانتهاء الحرب، وهي خارطةٌ غير قابلةٍ للتفاوض، وسيتم فرضها على العدوّ فرضًا، انتصار غزّة بحماسها وجهادها وكلّ فصائلها وشعبها، هو النهاية الحتمية للعدوان، وعلى أميركا والكيان الاختيار بين أوزان العزيمة وأحجامها، فكلما استعجلوا القبول بما وافقت عليه حماس، كانت الهزيمة أخف وطئًا.
وفي مقابل خارطة الطريق الواضحة هذه، هناك تخبطٌ أميركيٌ صهيونيٌ واضح، يستعجلون وقف الحرب، وفي ذات الوقت يريدون سحق حماس وفصائل المقاومة في غزّة، يريدون اجتياح رفح، لكنّهم يخشون من عقم النتائج، ولا يعرفون كيفية الخروج من رمال غزّة، إلّا بمزيدٍ من الغرق فيها، وهذا في لعبةٍ قديمة لكسب الوقت، علّ وعسى يحدث ما يغيّر حتمية النتائج، لكنّها لعبةٌ محفوفةٌ بالمخاطر، لأنّ الوقت قد يصبح أخطر الأعداء، ويكون ما هو متاحٌ اليوم، هو المستحيل غدًا.