خطأ بايدن الإستراتيجي في كازاخستان
موقع قناة الميادين-
ليلى نقولا:
الخطأ الكبير الذي ترتكبه إدارة بايدن هو تحويل التعاون بين موسكو وبكين إلى تحالف استراتيجي وثيق.
اندلعت الاحتجاجات في كازاخستان، بسبب ارتفاع أسعار المحروقات، وبعد أن شهدت البلاد تضخماً كبيراً نتيجة ظروف جائحة كورونا، تحوّلت الاحتجاجات إلى شغب ومحاولة اقتحام المباني الحكومية والمطار، وإحراق سيارات الشرطة. ونقل بعض وسائل الإعلام المحسوبة على موسكو فيديوهات توثّق تلقّي المتظاهرين أسلحة من سيارات مشبوهة. وبسرعة غير متوقّعة، لبّت دول “معاهدة الأمن الجماعي” طلب الرئيس الكازاخستاني إرسال قوات لحفظ السلام والاستقرار في بلاده، لمساعدة حكومته على التخلص من “الإرهابيين”، بحسب توصيفه.
وهكذا، يشير بعض التقارير الواردة من كازاخستان إلى أن “ثورة ملوّنة” قد تمّ إعدادها في ذلك البلد الآسيوي، كما أعلن الصينيون. ومن الطبيعي أن يشار إلى الولايات المتحدة باعتبارها الأكثر استفادة من السيطرة على كازاخستان وقلب نظام الحكم فيها، بحيث تحقق أهدافاً استراتيجية عديدة، ليس أقلّها تهديد الأمن القومي الروسي، وعرقلة طريق الحرير الصيني الذي تعدّ كازاخستان جزءاً لا يتجزأ منه، لتجاورها الجغرافي مع كلٍ من الصين وروسيا.
ولكن، إذا كانت الاحتجاجات في كازاخستان هي “ثورة ملوّنة” أميركية، فهل هي الوسيلة الفضلى لتحقيق الأهداف الأميركية بقطع الطريق على التعاون الصيني الروسي؟
خلال عهد أوباما:
استفادت الصين من قيام روسيا بإشغال الولايات المتحدة في الشرق الأوسط وأوروبا، لتنفيذ طريق الحرير الجديد، الذي كان يشق أولى خطواته مع بداية “الربيع العربي”.
وتحصيناً للموقف الروسي بعد العقوبات الأميركية عام 2014، قامت الصين بعقد اتفاقيات استثمارية هائلة بقيمة مئات مليارات الدولارات في الاقتصاد الروسي. وتعمّق التعاون الروسي الصيني خلال تلك الفترة، بعدما اعتبر الطرفان أنهما مهدّدان في أمنَيهما القوميّين، وأن لهما مصلحة مشتركة في “محاربة الإرهاب” في الشرق الاوسط.
خلال فترة دونالد ترامب:
سعى دونالد ترامب خلال فترة حكمه إلى تطبيق استراتيجية مختلفة. فهو لم يكن معنياً بالحروب والتدخلات العسكرية ولا بتغيير الأنظمة، بل استخدم الحروب التجارية والاقتصادية في العالم لتعويم الاقتصاد الأميركي.
لمواجهة التهديدات الاستراتيجية، حاول ترامب اللجوء إلى استراتيجية “تفكيك الأحلاف”، ولا سيّما تلك التي تشكّلت بفعل الأزمة السورية وهي:
1- الحلف الروسي – الصيني
حاول ترامب أن يستخدم التقارب مع الروس للضغط على الصين. وكما استفادت الصين – في وقت سابق – من قيام الروس بإشغال الأميركيين في الشرق الأوسط، لتأخيرهم عن تنفيذ استراتيجية “التوجه نحو آسيا”، كان ترامب يهدف إلى الاستفادة من التقارب مع الروس وتوفير الجهد العسكري المبذول في كل من العراق وسوريا، وتحويله إلى بحر الصين الجنوبي، للقيام باحتواء الصين عسكرياً، للضغط عليها في مجالات أخرى، كالاقتصاد والتجارة وغيرهما.
2- الحلف الروسي – الإيراني
لطالما اعتقد ترامب أن التعاون وعلاقته الشخصية الجيدة مع بوتين، قد يسمحان له بمقايضة رابحة: إطلاق يد روسيا في سوريا، وإعطاء بوتين ما يريد من نفوذ في أوروبا الشرقية، يجعلان روسيا تعيد النظر في تحالفها الاستراتيجي مع إيران. إذا استطاع الروس تحقيق مصالحهم في سوريا من خلال الاتفاق مع الولايات المتحدة مباشرة، فلماذا تُبقي على حلفها مع إيران، خصوصاً أن للدولتين مصالح اقتصادية متباينة يمكن أن تظهر تباعاً بعد حلّ الأزمة في سوريا؟
لم يستطع ترامب الدفع باستراتيجية التقارب مع الروس وتطبيق استراتيجية “تفكيك الأحلاف” بسبب الضغوط الداخلية التي واجهها، والتي حاصرته في الداخل وفريقه بتهمة “التعامل” مع الروس، والتدخل الروسي في الانتخابات الأميركية، وانتهى عهده من دون القدرة على اختراق أي من الاحلاف التي كان ينوي تفكيكها.
سياسة بايدن اليوم:
إذا كانت إدارة بايدن، بالفعل، قد تورّطت في تأجيج “ثورة ملوّنة” في كازاخستان، يكون بايدن قد ارتكب أخطاءً استراتيجية عديدة، أهمها:
1- تراجع النفوذ الأميركي في كازاخستان
تاريخياً، أعطت استراتيجية نور سلطان نزارباييف السابقة، المتعددة الأوجه، للولايات المتحدة فرصة حقيقية للنفوذ في كازاخستان، حيث تتمتع الولايات المتحدة بحضور واسع النطاق في الاقتصاد، ولا سيّما في صناعة النفط، وتقدم المساعدات العسكرية لكازاخستان التي قامت بدور كبير مساعد في استقرار أفغانستان.
وفي العام 2019، وصف جوزيف فوتيل، قائد القيادة المركزية الأميركية، العلاقات مع كازاخستان بأنها “الأكثر نضجاً والأكثر تقدماً في آسيا الوسطى”. وحذّر فوتيل من أن على الولايات المتحدة أن تحترم ظروف كازاخستان التي يجب عليها أن توازن بعناية التعاون مع الولايات المتحدة، لتجنّب استفزاز موسكو وشعورها بالتهديد، معتبراً أن كازاخستان تستخدم المساعدة الأمنية الأميركية لموازنة النفوذين الروسي والصيني[1].
وهكذا، يكون الاندفاع الأميركي إلى “ثورة ملونّة” قد أدّى إلى قيام موسكو بنشر جنودها في كازاخستان، وعمّق الصداقة بين الحكم في البلدين، ما سيؤدي، واقعياً، إلى الإضرار بالنفوذ الأميركي في ذلك البلد.
2- تعميق التعاون الاستراتيجي الروسي الصيني
في حديث علني في الـ 18 من تشرين الثاني/نوفمبر من العام المنصرم، وصف الرئيس الروسي فلاديمير بوتين العلاقات الثنائية بين روسيا والصين بأنها “وصلت إلى أعلى مستوى في التاريخ، وهي ذات طبيعة شراكة استراتيجية شاملة. ويمكن القول إنَّها تعتبر نموذجاً للتعاون الفعّال بين الدول في القرن الـ21. بالطبع، لا يحلو ذلك للجميع، ويحاول بعض الشركاء الغربيين علانيةً دقّ إسفين بين موسكو وبكين”.
لقد كشفت الأزمة في كازاخستان أن التعاون الروسي الصيني يمكن أن يصل إلى توزيع أدوار أمنية واستراتيجية في المناطق الحيوية، وخاصة في آسيا الوسطى. بسبب عدم رغبة الصين في الانخراط العسكري المباشر خارج حدودها، ولتركيزها في سياستها الخارجية على عاملي الاستثمار والتنمية، يمكن أن تضطلع موسكو بمهمة التدخلات العسكرية في تلك المناطق.
إن اضطلاع موسكو بهذه المهمة سهل، وذلك لارتباط دول آسيا الوسطى باتفاقيات عسكرية واقتصادية وتجارية مع روسيا، لكونها كانت جزءاً من الاتحاد السوفياتي السابق، ولوجود جاليات روسية كبيرة في تلك الدول، ما يجعل التدخل الروسي دفاعاً عنها جزءاً من الدفاع عن النفس، وبسبب النفوذ السياسي التاريخي لموسكو في تلك الدول، ما يجعلها قادرة على التحكم في الكثير من تفاصيل السياسة الداخلية فيها.
إن الخطأ الكبير الذي ترتكبه إدارة بايدن، هو تحويل التعاون بين موسكو وبكين إلى تحالف استراتيجي وثيق، يصل إلى حدّ تقسيم الأدوار الأمنية بين موسكو وبكين في المناطق الاستراتيجية، ما يعرقل قدرة الولايات المتحدة على التغلغل في آسيا، وعلى عرقلة طريق الحرير الصيني.