خشية الصين من العدوان
صحيفة السفير اللبنانية ـ
محمود ريا:
قد يظن البعض أن الصين بعيدة جداً عن «الحدث» في الشرق الأوسط، متسائلاً عن مصلحتها في خوض الصراع القادم والذي قد يتحول إلى بركان يهز المنطقة كلها.
هذا «البعض» ليس عربياً فقط، وإنما هو يضم بعض الصينيين، الذين يقولون إن ما يحدث في منطقة الشرق الأوسط خارج عن إمكانية التأثر بالصين أو التأثير فيها.
إلا ان هذه الرؤية ليست هي الاتجاه السائد في الصين، بل العكس هو الصحيح، حيث تتردد أصداء التهديدات والحشود الأميركية في وسائل الإعلام الصينية بقوة، مثيرة الكثير من القلق على المستقبل.
والقلق الصيني يتخذ عدة صور:
هو قلق على المنطقة، بما تمثله من مصدر أساسي للطاقة، ومن مجال واسع للاستثمارات التي تضع الصين الناهضة اقتصادياً عينها عليها.
وهو قلق على الأمن والسلم الدوليين، اللذين تهددهما العملية العسكرية الأميركية ـ الغربية المتوقعة. وقد عبّرت القيادة الصينية في أكثر من مناسبة خلال الأيام الماضية عن استنكارها للتهديد باستعمال القوة وما ينذر به ذلك من توسع للصراع، حتى إلى خارج المنطقة.
وهو قلق أيضاً على القانون الدولي الذي تنتهكه الولايات المتحدة مرة أخرى، حين تقرر شن عدوان عسكري على دولة مستقلة ذات سيادة، مستندة إلى حجة واهية، من دون أن تملك أي دليل قطعي على هذه الحجة، ومن دون أن تحفل برفض مجلس الأمن الدولي إصدار قرار يجيز استخدام القوة ضد هذا البلد.
وإذا كان كل هذا القلق الصيني لا يكفي، فإن هناك ما هو أكثر إثارة للريبة عند المسؤولين الصينيين، وحتى في الشارع السياسي والإعلامي الصيني، وهو انعكاس العدوان الأميركي المتوقع على الاقتصادات الناهضة ذاتها، ومن بينها ـ بلا شك ـ الصين.
هذه الريبة عبّرت عنها صحيفة «غلوبال تايمز»، الصادرة باللغة الإنكليزية، والتي تحظى بتأثير واسع في صفوف الشباب والجامعيين الصينيين، والتي كتبت في إحدى مقالاتها الافتتاحية يوم الجمعة 30 آب تقول، ان «الاقتصادات الصاعدة، التي لا تملك قوة لمواجهة الولايات المتحدة في القضايا العالمية الساخنة، يجب عليها أن تأخذ حذرها من احتمال فرض واشنطن تهديدها العسكري عليها مستقبلاً، رغم تضاؤل هذه الاحتمالية يوماً بعد يوم». وأكدت «أننا نعترف بأن قوة الصين وروسيا لا تضاهي قوة العم سام، ورغم ذلك، لا ينبغي لهما أن تسمحا لها بخوض حرب على هذا النحو السلس، وإنما على الصين وروسيا توظيف جميع إمكاناتهما لإبراز نقطتين أساسيتين، ألا وهما، حجم التكاليف الباهظة التي تنفقها الولايات المتحدة على الحرب، وكمّ الذكريات الأليمة التي تتركها الحروب في المجتمع الأميركي.»
إن هذه الرؤية التي عبّرت عنها الصحيفة الصينية تعيد إلى الأذهان الحذر العميق الذي يتملّك الصين من المخططات الأميركية التي تستهدف منطقة المحيط الهادي بشكل عام، والصين نفسها بشكل خاص.
وهذا البعد الجيواستراتيجي لما يجري تحضيره في منطقتنا تحدثت عنه صحيفة صينية أخرى هي صحيفة «الشعب» ـ الأكثر تأثيراً وانتشاراً والتي تعتبر الصحيفة شبه الرسمية ـ التي أشارت إلى كون الولايات المتحدة تغامر ـ من خلال التحضير لضرب سوريا ـ بـ «استراتيجية المحيط الهادئ» التي سبق أن أعلنتها أوائل العام الماضي، والتي تقوم على أساس نقل الاهتمام الاستراتيجي الأميركي إلى تلك المنطقة من العالم.
بالخلاصة، إذا كان واضحاً موقف الصين الرافض للعدوان، فإن السؤال هو عن الخطوات العملية التي ستقوم بها القيادة الصينية إزاء هذا الموضوع.
الولايات المتحدة لم تجرّب الالتجاء إلى مجلس الأمن لأنها تنتظر الفيتو الروسي ـ الصيني للمرة الرابعة، وهي تجهّز لشن عدوان عسكري، لم يتضح حجمه حتى الآن، فهل سيكون للصين دور في التصدي لهذا العدوان؟
المؤشرات العلنية لا توحي بذلك، أما ما يعتمل في الكواليس، وخلف الأبواب المغلقة، فهو رهن بمدى انغراس نظرية التهديد الأميركي للدول الناهضة ـ كما قدمتها صحيفة «غلوبال تايمز» ـ في أذهان المسؤولين السياسيين والعسكريين الصينيين.