خريطة نفطية جديدة للعالم؟
صحيفة الجمهورية اللبنانية ـ
البروفسور جاسم عجاقة:
في نهاية السنة الجارية، وبحسب «وول ستريت جورنال»، تضيف الولايات المُتحدة الأميركية إلى مجدها مجداً جديداً ألا وهو أول منتج للبترول والغاز في العالم. أرقام خيالية، تليق بإقتصاد كالإقتصاد الأميركي، ستخرج من هذا القطاع. فهل يُمكن القول أن الولايات المُتحدة الأميركية حققت إستقلالها في مجال الطاقة؟ وما هي الخريطة النفطية العالمية الجديدة؟
لايُخفى على أحد أهمية النفط في الإقتصاد العالمي، خصوصاً بالنسبة الى الإقتصاد الأميركي الذي قام منذ أوائل القرن الماضي على عامودين: النفط والإستدانة. تُعتبر الولايات المُتحدة الأميركية أول مستهلك للبترول مع 21 مليون برميل يومياً (حوالي ربع الإنتاج العالمي من النفط). والولايات المُتحدة الأميركية لا تستطيع تغطية حاجتها من النفط بسبب ظاهرة نضوب الآبار الأميركية، لذا تعمد إلى إستيراد ما يوازي ثلاثة أرباع إستهلاكها.
في العام 1945 وقع الأميركيون مع المملكة العربية السعودية معاهدة (Quincy Pact) والتي تنصّ على أن تضمن الولايات المتحدة الأميركية الإستقرار في السعودية مقابل تأمين حاجات الولايات المُتحدة الأميركية من النفط. والمعاهدة التي وُقّعت لمدة 60 عاماً، جُدّدت لمدة 60 سنة اضافية في العام 2005. هذه المعاهدة تدخل ضمن الإستراتيجية الأميركية التي أدخلت النفط في المواد الإستراتيجية، وكعنصر قوة وطني، ودفعها ذلك إلى إنشاء مخزون إستراتيجي من النفط يسمح لها بالإستمرار ثلاثة أشهر في حال إنقطاع كامل للنفط عنها.
النضوب غيّر المعادلة
لكن ظاهرة النضوب التي تضرب المنطقة العربية بحسب هوبرت (1956) الذي يفترض أن كل مخزون أحفوري يتبع منحنى يبلغ الذروة قبل أن ينضب، دفعت الأميركيين الى البحث عن بديل للنفط، بعد أن أصبح عنصر القوة هذا مُهدداً.
بدأ الغاز بالظهور إلى الواجهة بعد إكتشافات عدة في العالم، ومن أهمها الإكتشافات في قطر والتي من المُتوقع أن يبدأ نضوب الغاز فيها في العام 2829. ولكن الولايات المُتحدة الأميركية أخذت بشكل متوازٍ على عاتقها تطوير تقنيات إستخراج الغاز وخاصة الغاز الصخري، الذي شهد في العامين الماضيين تطوراً أقل ما يُقال فيه انه نوعي بالنسبة للولايات المُتحدة الأميركية وللعالم، إذ سيسمح للولايات المُتحدة الأميركية بإحتلال المرتبة الأولى من ناحية إنتاج النفط والغاز في العالم أمام روسيا والمملكة العربية السعودية.
تُظهر أرقام إنتاج الغاز في العالم، أن الولايات المُتحدة الأميركية أنتجت غازا أكثر من روسيا، وهذه هي المرة الأولى منذ عام 1982. وقسم من هذا التقدّم الأميركي عائد إلى إنخفاض الإنتاج الروسي (-12%) بسبب الأزمة العالمية. وتُظهر الأرقام ايضاً أن الولايات المتحدة الأميركية خفّضت فاتورة إستيراد الغاز والنفط عبر تخفيض الإستيراد بنسبة 32% للغاز و15% للنفط.
لكن تبقى تحديات ستواجه الإقتصادات العالمية وخصوصاً الإقتصاد الأميركي. وأهم هذه التحديات، نقص الأدوات والسلع التي تستخدم الغاز، حيث أن السيارات والقطارات، والمعامل وغيرها تعمل على النفط و/أو الفحم، بما يعني أننا بحاجة إلى مزيد من الوقت قبل أن نشهد ثورة الغاز في الأقتصاد.
القطاع الحراري في أميركا
يتم استخدام النفط والفحم والغاز في انتاج معظم القطاع الحراري في الولايات المُتحدة. وقد عمدت الولايات المتحدة الأميركية حديثاً، إلى تطوير قطاع الهيولين (Wind Energy) الذي بدأ بالظهور في الحسابات الإستراتيجية الأميركية. ومن أجل فهم أهمية التغيير في الإستراتيجية الحرارية في الولايات المتحدة الأميركية، يجب التذكير بأن حجم الإستثمارات الأميركية في قطاع الطاقة المُتجدّدة هو الأول في العالم (بحدود الـ 25 مليار دولار أميركي).
إذا ما أخذنا القطاع الكهربائي مثلاً، نرى أن 42% من الكهرباء المُنتجة مصدرها الفحم، 25% الغاز، 20% الطاقة النووية، 8% الكهرومائية، 3% هيولين، وأقل من 1% نفط. وسنشهد في السنين المُقبلة إزدياد الإعتماد على الغاز مع توافر الغاز الصخري المُنتج محلياً. أما في ما يخصّ الغاز، فقد زاد الإستهلاك في الولايات المتحدة الأميركية بنسبة كبيرة، مما دفعها إلى إستيراد حاجتها من الخارج. وفي العام 2008، بلغ الإستهلاك من الغاز 675 مليار م3 في حين بلغ الإنتاج 583 مليار م3 والفرق يتم إستيراده من كندا (90%). وفي العام 2009، حصدت الولايات المتحدة لقب أول بلد منتج للغاز في العالم لتبدأ التصدير في العام التالي.
إستراتيجية تنويع الاستهلاك
ممّا تقدم، نرى أن الولايات المُتحدة الأميركية تعتمد إستراتيجية تنوع في إستهلاكها الحراري عبر تنويع مصادر الإستهلاك والطاقة المستخدمة. وكل هذا بهدف تفادي أي إشكالية قد تنتج عن مصادر إستيراد الطاقة عموماً والنفط خصوصا، مع التشديد على المصادر الداخلية ومن بينها الغاز الذي لا يؤمّن فقط الإستقلال الحراري للولايات المتحدة الأميركية، بل يسمح لها بتصديره. من هنا نرى الإستمرارية في الإستراتيجية الأميركية التي منذ 68 عاماً قامت بتوقيع معاهدة مع المملكة العربية السعودية بهدف ضمان وصول النفط إليها، تعمد اليوم إلى تنويع هذه المصادر عبر تجديد المعاهدة وعبر إستغلال الطاقات الأخرى وخصوصاً الغاز آخذة بالإعتبار ظاهرة النضوب لحقول النفط العربية، كما الإضطرابات السياسية في الدول العربية، والتي قد تفرض مشكلة توريد النفط إلى الولايات المتحدة الأميركية.