خريطة طريق روسيا في فيينا.. رابح – رابح، والمصير؟
موقع إنباء الإخباري ـ
حسن شقير:
ملاحظة : الأفكار الواردة في هذه المقالة ، هي خلاصة تحليلية خاصة لمسار التطورات التي أرصدها في سوريا … وليس أكثر .
إستكمالا ً لما كنت قد أشرت إليه في مقالة (إيران وروسيا تحاصران سوريا الجديدة ومسارات ديمستورا الأربعة والمنشورة بتاريخ 05-08-2015) حول إمكانية تكوين مبادرة سياسية جامعة لتحريك جمود إطار الحل السياسي للأزمة السورية، والذي بقي متمثلاً ببقاء تمترس أفرقاء الصراع فيها وعليها عند إختلاف التفسير لمقررات محطة جنيف ١ ، وذلك من خلال عقدة مفهوم السلطة الإنتقالية ، ودور الرئيس الأسد فيها ، وما بعدها أيضاً ..
لقد شكّل دخول العامل الروسي المباشر على خط الحرب على سوريا دفعاً إلزامياً لتحريك جمود تلك المحطة في جنيف، وخصوصاً أن هذا الدخول القوي استشعرت من خلاله أمريكا، وكذا تحالفها المزعوم على الإرهاب معها، خطراً استراتيجياً جوهرياً يتخطى سوريا بكثير.. وقد فصلنا في ذلك في مقالة (بين استراتيجيتي روسيا وأمريكا.. تعاكسٌ في الأهداف والمحددات، والمنشورة بتاريخ 12-10-2015).
وعليه ، فإنه وإنطلاقاً من القناعة التي نرددها دائماً بأن التكتيك التفاوضي الإستراتيجي، والذي اتبعته إيران في ملفها النووي، كان قد فرض على الآخرين في الجهة المقابلة مساراً تفاوضياً مثمراً وإلزامياً في آن واحد… ولأجل هذا ، فإن هذا التكتيك هو نفسه الذي اتبعته روسيا ومعها إيران في القضايا ما دون النووية، وتحديداً في الملف الأبرز المتمثل بمحاربة الإرهاب، وتسوية الأزمة السورية، والذي يأمل أصحابه أيضاً – أي هذا التكتيك التفاوضي – بأن تكون نتائجه مشابهة تماماً لما آلت إليه النتائج التي تحققت في الملف النووي..
من هنا، فلقد اُستبق السهم الروسي في سوريا، بمبادرة بوتين التكاملية في محاربة الإرهاب، والتي أُتمِمت بما عُرِف في حينه بالأفكار الإيرانية “الجريئة والمثيرة للجدل” ، والتي حُكي أنها تحدثت حول إمكانية تقاسم النفوذ في التركيبة السياسية لسوريا المستقبلية، وصولاً إلى الدعوة الروسية الشهيرة للتدليل على فصائل ” الجيش السوري الحر ” وأماكن تواجده في الميدان ، وصولا ً إلى حد الإستعداد لدعمه جوياً ، شأنه كشأن الجيش السوري في مواجهته للإرهاب … مع مفارقة بأن هذا الطرح قد أماطت روسيا اللثام عنه بعيد زيارة الأسد الأخيرة إليها ، وبعيد الإجتماع الرباعي في فيينا الجمعة الماضي … دون أن نغفل أن الناطق باسم الجيش الحر قد رفض الدعوة الروسية من السعودية ، والتي كررت هذه الأخيرة تمسكها – ومنذ الساعة الأولى لإنتهاء إجتماع فيينا – بخطة جنيف ١ للحل ، وذلك طبعاً وفقاً للتفسير السعودي – الأمريكي على الدوام … والذي تزامن أيضاً مع إعلان وزير الدفاع الأمريكي أشتون كارتر بإلقاء أطنان من الأسلحة ” للفصائل العربية المعارضة ” ، حاثاً إياها على “مواصلة القتال ضد النظام السوري”، وهذا ما جرى حرفياً على لسانه !!
إذا بعد كل الذي تقدم من طروحات ولقاءات سبقت ورافقت وتلت السهم الروسي في سوريا، يمكننا أن نقدم تصوراً أولياً لتلك المبادرة – لن نحكم عليها بالفشل أو النجاح لغاية اليوم – التي بلورتها روسيا بشكل رئيسي، وبعد أن أخذت موافقة جميع حلفائها عليها، ابتداءً من الرئيس السوري، وصولاً إلى إيران، فضلاً عن أطراف المحور الممانع برمته.. والتي أستطيع الجزم بأنها خريطة طريق متكاملة وتفصيلية لناحيتي المضمون والمدى الزمني على حد سواء … والتي أجزم أيضاً أنها راعت نسبياً مصالح وهواجس الآخرين في الأزمة السورية… فكيف ذلك؟
يمكننا تقسيم خريطة الحل الروسية المعروضة في فيينا على الشكل التالي:
في المرحلة الأولى:
تتوافق روسيا ومحور الممانعة معها مع تحالف أمريكا على تصنيف المتحاربين على الأرض السورية – دون الجيش السوري ومن معه – إلى فئتين رئيسيتين: الإرهابيين من جهة، والمعتدلين من جهة ثانية، وهذا الأمر يتكامل فيه المعسكران الكبيران، وذلك عن طريق تعهد من قبل تحالف أمريكا، بوقف النزف الإرهابي من البوابتين التركية والأردنية إلى الداخل السوري، مقابل تعهد روسيا وحلفائها على الأرض بتجميد العمليات العسكرية ضد المعتدلين على كامل الجغرافيا السورية… وبذلك تكون صيغة رابح – رابح قد تحققت بداية في توافق المفاهيم ومضامينها أيضاً
في المرحلة الثانية:
تنطلق هذه المرحلة، مباشرة بعد التوافق المشار إليه أعلاه، والتي تتمثل ببدء مرحلة الإنقضاض على الإرهابيين المتفق على تصنيفهم وتشخيص أماكنهم.. وذلك وفقاْ للحضور الميداني الأثقل، والمجاور لهم من قبل الجيش السوري وحلفائه من جهة، والمعتدلين من جهة ثانية، وهاتان الفئتان يتم دعمهما جوياً بالتنسيق مع كل تحالف خاص بهم… فتكون مهمة تنظيف المحافظات السورية من الإرهابيين وفقاً للقاعدة التي أشرت إليها ، فعلى سبيل المثال ، تندرج بعض مدن وأرياف حمص ، فضلا ً عن حماة واللاذقية لصالح حلفاء روسيا.. والرقة وأدلب لصالح حلفاء تحالف أمريكا .. وهكذاً إلى أن تصبح كامل الجغرافيا السورية التي كانت بعهدة الإرهابيين ، متقاسمة السيطرة الميدانية عليها ، من قبل هاتين الفئتين الرئيسيتين ، واللتان يفترض بأنهما متكاملتان في تنظيف سوريا من الإرهابيين …
ووفقاً لهذه الصيغة العسكرية أيضاً ، تكون جميع الأطراف قد كسبت في الميدان في ظل الصيغة ذاتها ، أي رابح – رابح .
في المرحلة الثالثة
تتكامل في هذه المرحلة رؤية ديمستورا بمساراتها الأربع ، مع مساري جنيف ١و٢ ، مع مساري موسكو ١و ٢، مضافاً إليهما مسار القاهرة المعارض أيضاً .. مع الأفكار الإيرانية التي تحدثنا عنها في مقالة سابقة ، وخصوصاً لناحية وضع دستور جديد – أبدى الرئيس الأسد تجاوباً في ذلك – ، فضلا ْ عما نقله عنه بالأمس أحد أعضاء الوفد البرلماني الروسي الذي زار سوريا ، عن استعداده لإطلاق عملية سياسية ، تشمل انتخابات برلمانية ، وحتى رئاسية مبكرة … وذلك لا بد أن يكون بإشراف كامل للأمم المتحدة ، وذلك ضمن تشكيل لجانٍ تضم ممثلين لكلا التحالفين ( الأمريكي والروسي ) ، بحيث تكون لهذه اللجان حرية التواجد في كامل الجغرافيا السورية ، والتي ذكرنا أنها تكون قد أصبحت تحت سيطرة حلفاء الطرفين ، وذلك لضمان نزاهة الترشح والإقتراع والإنتخاب على حد سواء … دون أن يكون هذا المسار السياسي منفصلا ً عن مساري ديمستورا الإجتماعي والعمراني ، واللذين يفترض البدء بهما فور انتهاء المرحلة العسكرية الثانية من هذه الخريطة ، والتي ستكون من خلال إطلاق مؤتمرات لإعادة الإعمار والتأهيل في كامل سوريا ، وبشكل متوازٍ أيضاً … وضمن ما ورد في هذه المرحلة الثانية ، فإن صيغة رابح – رابح السياسية قد تجسدت واقعاً أيضاً .
ولكن ، وفقاً لهذه الخريطة الروسية الجريئة ، والتي تشي جميع المؤشرات بأن بنودها وأفكارها ، قد طُرحت في فيينا ، والتي رفض جون كيري الخوض في تفاصيلها ، ووفقاً لما أسماه ” بالإطار السياسي الجديد لحل الأزمة السورية ” ، والتي يبدو أن روسيا قد وضعتها على الطاولة أمامهم ، وذلك بحسب ما أسميته في مقالتي السابقة بأنها ” الخرطوشة الأخيرة ” والتي توزعت شظاياها الروسية في كل الإتجاهات …
أسئلةٌ مفصلية : هل رُفضت هذه المبادرة الجريئة ، كلياً أو جزئياً من قبل الأركان الثلاث الأخرى في فيينا ؟ أو حتى من بعضهم ؟ وهل أن التصريحات السعودية المتتالية بعدم القبول بتجديد الحياة السياسية للرئيس الأسد هي العقدة الأساس التي ستُفجر هذه المبادرة ؟ أم أن وجه سوريا المستقبلي هو العقدة الأساس ؟ وهل هذا العناد الثلاثي ، سيجعل من التنازلات التي قدمتها سوريا في جنباتها ستذهب أدراج الرياح ؟ أم أن هؤلاء ، ستُجبرهم التطورات الميدانية المتسارعة لصالح تحالف روسيا في الميدان ، على رمي هذا الشرط التعجيزي جانباً ؟
خلاصة القول ، وباعتقادي ، حتى يبصر نور هذه المبادرة الروسية الجريئة للحل في سرريا ، فلا بد أن تكون التطورات الميدانية سريعة على الأرض السورية ، وذلك – برأي – سيجعل من أولئك المعاندين ، يرزحون تحت سيف الإختيار المتراوح بين القبول بها في هذه المرحلة من عمر الحرب على سوريا … أو فقدانها بالكامل في مرحلة لاحقة ، والتي قد تكون المعارك عندها ، قد دخلت فيما أسميته سابقاً ب ” يوم الزحف الكبير ” والذي ستتعطل معه لغة السياسة لصالح لغة الميدان .. فكيف سيكون الإختيار لدى هؤلاء ؟
لن يطول الزمن حتى تنجلي الصورة بشكلٍ كامل ، ويتبين مسارها ومصيرها على حد سواء
باحث وكاتب سياسي