خريطة الصوت اليهودي في الانتخابات الأميركية
منذر سليمان – الميادين نت
حظيّ السباق الرئاسي لهذا العام بسلسلة اهتمامات، بعضها من خارج السياق المعتاد، تستدعي متابعتها بدقة للتوقف أمام “التنبؤات” بتصويت القسم الأعظم من شرائح معينة، سواء لمرشح معين أم للإنخراط في عملية التصويت برّمتها. في هذا الصدد سنسعى لتسليط الضوء على اليهود الأميركيين، بمختلف توجهاتهم السياسية، وبتركيز أدق حول مدى تجاوبهم، سلباً أم إيجاباً، مع الحملات المكثّفة من قبل الحزب الجمهوري لاستقطابهم.
درجت العادة على تمحور معظم اصوات اليهود في اميركا قياسا مع مدى تطابق مواقف المرشحين من مسألة “الدعم المطلق وغير المشروط لاسرائيل،” وميل الاغلبية الكبرى منهم لدعم الحزب الديموقراطي. بيد ان الملاحظ في هذه الدورة تراجع تلك “الاولوية” بعض الشيء، بما فيها التردد عن تأييد اكبر للحزب الجمهوري.
رصدت أسبوعية ذي اميركان كونسيرفاتيف، المحافظة، بوصلة توجه يهود اميركا منذ بداية حملة الانتخابات التمهيدية، واوضحت في عددها الصادر يوم 5 كانون الاول / ديسمبر 2015، ان “انخراط اليهود في مجمل العملية الانتخابية هو في تراجع .. بل ان (الموقف من) اسرائيل اضحى اقل أهمية لمعظم اليهود الاميركيين” مقارنة مع توجهات كبار الممولين والاثرياء اليهود وعلى رأسهم “صاحب امبراطورية الكازينو شيلدون اديلسون” وآخرين.
واضافت ان استطلاعاتها لتوجهات اليهود في اميركا تدل على ميل الاغلبية لتأييد سياسة ادارة الرئيس اوباما الشرق اوسطية “ومن ضمنها تأييد الاتفاق النووي مع ايران.” معظم استطلاعات الرأي، منذئذ، تشير الى تنامي قلق اليهود في اميركا من “تهديد تنظيم الدولة الاسلامية (باستهدافه) مراكز وتجمعات لليهود في اوروبا.”
للدلالة على ذلك، نشير الى نتائج استطلاع اجراه معهد بيو للابحاث اوضح فيه ان نحو 40% من اليهود تعتبر الموقف من “اسرائيل” يحظى باولوية اهتماماتها.
جملة من الأسئلة الهامة تلاحق مسألة التعرّف عن قرب لتوجهات اليهود في أميركا، في الدورة الانتخابية الراهنة: الحجم الإجمالي؛ نسبة التأييد لكلا الحزبين؛ مدى التجاوب مع سعيّ الحزب الجمهوري الحثيث لاستقطاب نسبة معتبرة لجانبه وتماهي أساليبه الاستقطابية مع منافسه الحزب الديموقراطي؛ توّقعات التوجهات الانتخابية المقبلة ..الخ.
أحدث الإحصائيات المعتمدة تشير إلى ان نسبة اليهود في المجتمع الأميركي لا تتعدى 2% من مجموع السكان؛ تبلغ نسبة المسجلين في الدوائر الانتخابية والمشاركين 90% منهم “مقابل إقدام نسبة 74% لعموم الأميركيين.” التوزيع الديموغرافي لليهود يشير إلى نسبة 70% منهم تقطن في ولايات معدودة “نيويورك، كاليفورنياـ فلوريدا، نيو جيرسي، الينوي وبنسلفانيا.” الولايات المذكورة تلعب دوراً حيوياً في تقرير نتائج الانتخابات العامة إذ تحظى بــ 167 مندوب من مجموع 270 في المجلس الانتخابي – الكلية الانتخابية، وهي نسبة تتجاوز النصف التي يحتاجها المرشح لإعلان النتائج النهائية للفوز.
التوّزع الانتخابي لليهود يشير إلى شبه ثبات النسب المؤيدة للحزبين: 61% لصالح الحزب الديموقراطي، مقابل 29% لصالح الحزب الجمهوري وفق أحدث البيانات الصادرة عن معهد غالوب لعام 2015. واستدرك المعهد بالقول إن “أغلبية المتدينين اليهود من الذكور .. الذين يشكلّون نحو 19% من المجموع العام، تميل للتصويت لصالح الحزب الجمهوري”. وعليه، باستطاعتنا استبعاد عامل القربى في حسم التوجهات الانتخابية، خاصة لاعتقاد البعض أن قرينة ترامب اعتنقت الديانة اليهودية وتزوجت من يهودي، واستمرار دعم الأغلبية منهم للمرشحة هيلاري كلينتون.
ينبغي الإشارة إلى توزيع تصويت اليهود في أميركا في الدورة الانتخابية عام 2008، التي تتوفر بياناتها، وفق معهد بيو. إذ تدلّ الاحصائيات إلى تصويت نحو 87% من اليهود لصالح الحزب الديموقراطي؛ وتراجعت النسبة في انتخابات عام 2014 النصفية إذ بلغت 66% لصالح الديموقراطيين.
أهمية تصويت اليهود
عوّل الحزب الجمهوري طويلاً على استقطاب شريحة معتبرة من اليهود الأميركيين لصالحه، واعتقد قادته أن حملة 2016 الانتخابية تشكّل فرصة سانحة لكسب المزيد الى صفوفه. وسرعان ما تبددت تلك الطموحات بسبب القلق المتنامي من توجهات وعدم ثبات المرشح دونالد ترامب عند موقف محدد.
أوضحت يومية بوليتيكو، في عددها الصادر يوم 16 أيار/ مايو 2016، أن “بعض اليهود يعتبرون ترامب لعنة عليهم، بمن فيهم شريحة المحافظين اليهود” عينهم. وأضافت اسبوعية ذي اميركان كونسيرفاتيف، سالفة الذكر، أنه يتعيّن على قادة الحزب الجمهوري الإقلاع عن توقعات تشير إلى تحقيق اختراق كبير في نسبة دعم اليهود لحزبهم.
تحذير النشرة المذكورة ينطوي على إدراك مسبق رمت لترسيخه لناحية ميل أصوات اليهود في الولايات “الحاسمة” لترجيح كفّة دون أخرى. الأمر الذي وجد أرضية صاغية في أوساط قادة الحزب وعدد من نخبه الفكرية والإعلامية الذين سارعوا لإعلان دعمهم للمرشح الخصم، هيلاري كلينتون، وتسجيل امتعاضهم من تصريحات مرشح الحزب دونالد ترامب، علّ ذلك يخدمها في الدورات الانتخابية المقبلة.
تعديل الأولويات في توجهات يهود أميركا ذهبت إلى تصدر الاوضاع الاقتصادية على ما عداها من اهتمامات تقليدية، مستقبل “اسرائيل،” حسبما افادت اللجنة الاميركية لليهود في نتائج استطلاعاتها لتوجهات اليهود. وأضافت أن “القلق من حالة الاقتصاد تقدّم بنسبة 5 اضعاف على اسرائيل،” في المرتبة الأولى؛ مقابل 15% اعربوا عن اعتقادهم بأولوية “اسرائيل” لديهم.
في هذا الصدد، تجدر الإشارة إلى تركيز الحملات الدعائية لشريحة الحزب الجمهوري المؤيد “لإسرائيل” تبتعد عن مراضاة واستقطاب العنصر اليهودي والتركيز على كسب اصوات المتدينيين المسيحيين، الشريحة الثابتة في دعم الحزب؛ مع إستناد قادة الحزب إلى نتائج دراسات حديثة حول توجهات اليهود التي إشارت إلى انتظام نسبة ضئيلة لا تتعدى 17% من اليهود، من الفئة العمرية 18-29، في تأييد الحزب الجمهوري.
نفوذ اليهود
من البديهي أن أي محاولة لسبر أغوار اليهود في أميركا لا تستقيم أو تحدث توازناً إن تخلّت عن التعرّض لنفوذ اليهود في صنع القرار السياسي الأميركي، ومن ورائه لعب دور مميز في المصالح الأميركية الكونية – الإمبريالية. بيد أن الأمر بحاجة إلى فصل خاص وموّسع نظراً لتشابك المسألة مع مصالح اقتصادية عالمية، ما لا يتسع لها الحيّز أدناه. لكننا نستطيع الإشارة إلى جملة من العناوين التي تقرّب الصورة من المشهد الحقيقي.
من الفرضيات المسلّم بها تمايز النفوذ الحقيقي عن الحجم الفعلي والديموغرافي لليهود., للدلالة، أوضح المدير السابق للشؤون القومية في اللجنة اليهودية الأميركية، ستيفن ستاينلايت، المسألة مطلع العام 2001: يتمتع اليهود “بقوة سياسية لا تتناسب مع عددهم .. وهي أعظم من (نفوذ) أيّ مجموعة عرقية أو ثقافية في أميركا.” تلاه إقرار عدد من الكتّاب اليهود الأميركيين تباعاً، وآخرين أيضاً.
في المشهد الانتخابي الأميركي، صرّح أحد الأعضاء البارزين في مؤتمر رؤساء المنظمات اليهودية الأميركية، عام 1996، أن إسهام اليهود في حملة انتخاب الرئيس بيل كلينتون بلغت نحو 50% من مجموع أموال الحملة الانتخابية لولايته الرئاسية الثانية. والأمر لا يشذّ عن تلك القاعدة في السباق الانتخابي لهذا العام خاصة فيما يتعلق بالمرشحة هيلاري كلينتون.
الكاتب الأميركي اليهودي، الفريد ليلينثال، وضع دراسة مفصّلة في الأمر قيد البحث بعنوان الرابطة الصهيونية – ما هو ثمن السلام، عام 1978، للتعرّف على مساعي الحركة الصهيونية التأثير في القرار الأميركي “وتنتشر تلك الصلة اليهودية الصهيونية في مناطق المدن الكبرى .. والسيطرة الإعلامية (لليهود) هي اكثر مكوّنات الصلة اليهودية فاعلية” وتأثيراً.
الأميرال ورئيس هيئة الاركان المشتركة الأسبق، توماس مورَرْ، أعرب عن معارضته الواضحة للنفوذ اليهودي في القرار الأميركي، في مقابلة أجراها في 24 آب/ اغسطس 1983، قائلاً “لم أر أبداً رئيساً أميركياً .. أيّاً كان .. يقف في وجههم” اللوبي”الإسرائيلي”. ومضى “إن ذلك يحيّر العقل، فهم يحصلون دائماً على ما يريدون .. وصلت يوما إلى درجة الامتناع عن تدوين أي شيء”. وأخطر ما جاء في تصريحاته انه “لو علم الأميركيون مدى سيطرة هؤلاء الناس على (قرارات) حكومتنا لحملوا السلاح وثاروا” ضدها.
العامل الديموغرافي لليهود
يجهد بعض الباحثين إلى تصنيف توجهات اليهود في أميركا بأنها تميل إلى التيّار الإصلاحي والأقلية تميل لتيار المحافظين. ووفق تفسير المؤرخ العربي نصير عاروري فإن “الأغلبية الساحقة في الجالية اليهودية في أميركا” تدعم كلا التيارين بنسب متفاوتة نكاية بتيّار الأرثوذوكس الأقرب لتوجهات المستعمرين في مصادرة الأراضي الفلسطينية، بيد أن “الشعور بالإغتراب لا يزال أمراً مزعجا لقادة الجالية اليهودية في أميركا ..” ويضيف أن هوية “إسرائيل” بالنسبة لعدد كبير من يهود أميركا تراجعت إذ اعتبرها “بعض علماء اللاهوت بأنها تمثّل نهاية التاريخ اليهودي”.
في بعد التحوّلات التي طرأت على توجهات يهود أميركا، أشارت يومية “نيويورك تايمز” إلى دراسة أُجريت قبل نحو أربع سنوات توضح فيها تقلّص اعداد اليهود “الليبراليين والأثرياء المترفين .. لصالح مجموعات الأرثوذوكس مثل المجموعة الحسيدية” التي تتخذ من أحياء بروكلين في نيويورك مقراً لها.
وأضافت أن نحو 40% من يهود مقر المصارف العالمية يميلون لتأييد الأرثوذوكس، بينما ترتفع نسبة التأييد بين جيل الأطفال اليهود إلى 74%. من المعروف ان تلك الشريحة من اليهود تخشى من الاندماج في المجتمع وتتقوقع على نفسها، وبلغت نسبة تأييدها لمرشح الحزب الجمهوري، ميت رومني، 51% مقابل 43% للرئيس أوباما.
العلاقة بين تياري اليهود الأميركيين طردية: تراجع حجم التوجهات الليبرالية يقابله تنامي حجم التيارات المتشددة المعروفة بالأرثوذوكس. كما ان كلا مجموعتي التيار الليبرالي، الإصلاحيين والمحافظين، وفق التصنيفات المعتمدة، خسرت نحو 40،000 عضو لكل منها بين أعوام 2002 – 2011.
كما تجدر الإشارة إلى ابتعاد يهود أميركا عن التأييد “الأعمى لإسرائيل،” وفق دراسة الصحيفة، وتراجع حجم اليهود الزائرين لفلسطين المحتلة إلى نسبة 20%. أما اليهود الأميركيين الزائرين والمقيمين في فلسطين المحتلة، وتقدّر أعدادهم بنحو 150،000، فيميلون للتصويت لصالح الحزب الجمهوري؛ وهي الشريحة التي تشعر بالإحباط الشديد من سياسات الرئيس أوباما ويرجّح تصويتها للمرشح دونالد ترامب، الذي قوبل بموجة تصفيق عالية عند اعتلائه منصة الخطابة أمام مؤتمر ايباك الأخير.
تأييد النخب اليهودية بمعظمها يتجه نحو هيلاري كلينتون، بيد أن مجمل تأييد اليهود للحزب الديموقراطي في تراجع، نظراً لكثافة الانجاب بين صفوف الأرثوذوكس مقابل التيارات الليبرالية التقليدية.
للدلالة، تشير البيانات الانتخابية إلى تأييد نحو 87% من اليهود لمرشحي الحزب الديموقراطي في جولة الانتخابات النصفية عام 2006؛ أمّا في دورة عام 2014 للانتخابات النصفية فقد تراجعت نسبة تأييد الحزب الديموقراطي إلى 66% بين اليهود. ومن المرجّح اتساع الفجوة مرة أخرى في الجولة الحالية “قد” تذهب لصالح المرشح ترامب في الولايات فائقة الأهمية.
يقطن ولاية فلوريدا “الهامة” نحو نصف مليون من الناخبين اليهود، وتحظى الولاية بـ 29 صوت من المندوبين للهيئة الانتخابية، بما يشكّل ما ينوف عن 10% من أصوات المندوبين الضرورية لفوز المرشح ترامب.
الرئيس السابق لحملة نيوت غينغريتش في فلوريدا، ستيف إبرامز، أوضح إن نسبة التعديل المطلوب لصالح المرشح الجمهوري “لا تستدعي تحوّل الأغلبية .. فأصوات اليهود يمكنها تعديل بوصلتها بنسبة تتراوح بين 2-3% كي تؤثر في المحصلة النهائية لأصوات الولاية”.