خراب الشام: الأسباب.. والحلول
موقع إنباء الإخباري ـ
أنس محمد الطراونه:
ليس غريباً ماحصل ويحصل في الشام. وبعيداً عن المداهنة، فالغلو كان في التناقضات أمراً حاصلاً وواقعاً، كان غلواً في الإحساس بالأمن والأمان، وكأن سوريا لن يصيبها شيء، ولن تتسلل إليها يد الإرهاب والترويع. أيضاً كان في الثقة الزائدة بأن كل شيء تحت السيطرة، والتشدق بأنه في سوريا لا يوجد رياء ونفاق وبهتان وتزوير فكري ومنهج تكفيري زُرعت بذوره عبر سنوات من التعامل والتعاون مع كليات وجامعات وندوات وزيارات متبادلة ما بين شخصيات في سوريا يقابلها شخصيات وهابية سعودية تكفيرية في السر والعلن وتسريب كتب التكفير وتوزيعها ونشرها عبر أناس سوريين درسوا أو تأثروا بمتمشيخين وهابيين سعوديين تكفيريين..
وكأن الناس كانت تعيش حلماً، واستفاقت منه على الحقيقة والواقع، واقع أن كل ما يحصل في سوريا ليس وليد أزمة أو مطالب أو حقوق أو ما أسموه ثورة. فلقد اتضح للجميع أن كل ذلك لا يمكن أن يحصل بين يوم وليلة، بل يحتاج لعملية ممنهجة تستمر لسنوات لإعداد أرضية تمهّد لما حصل، وساعد في ذلك الفساد والمفسدون والخونة والعملاء، الذين ارتضوا أن يبيعوا أنفسهم لمن يملك المال.
وحقاً كما قال الفيلسوف الراحل (ابن عربي): إن إلهكم وما تعبدون تحت قدمي، حتى استفزَّ بقوله بعض الجهلة التكفيريين الذين سارعوا لقتله، واتضح لاحقاً أن ما كان تحت قدميه كان الدرهم والدينار، وهؤلاء عبيد الدرهم والدينار، حيث استبدلوا إله السموات والأرضين وما عليهن وما بينهن وما تحتهن بإله المال، إله الدرهم والدينار فباعوا وانصاعوا وعبدوا الدرهم والدينار.
لست أستغرب ما حصل ويحصل وسيستمر، إن بقى الناس على ما كانوا عليه، يعتمدون على الآخرين ويرمون حملهم على الآخرين، ويتواكلون ويسلمون أمرهم لكل من هبّ ودبّ، وكأن الحياة والإنسان والوطن لا تعنيهم. كل ما يعنيهم هو أن يعيشوا حياتهم الخاصة بهناءة، وتتحقق مصالحهم الشخصية الخاصة، ولا تهمهم مصالح الناس ومعاش الناس وأمن الناس، وكأنهم ليسوا من الناس. ولا يهمهم من يأتي ليحكمهم، إن كان متديناً أو غير متدين، ملتزماً أو غير ملتزم، تكفيرياً أو علمانياً أو يسارياً أو يمينياً أو وسطياً. لا يهمهم من كل ذلك سوى مصلحتهم الخاصة، غير عابئين بالآخرين.
هكذا هم كانوا، وهكذا هم باقون وسيبقون، لا يعنيهم شيء سوى مصلحتهم الخاصة، وهكذا سيكونون مسرباً ومدخلاً وخاصرة ضعيفة في لبنة المجتمع..
في الجهة الأخرى هناك شريحة، واقعاً وحقيقة، هم من الجهلة والدهماء والغوغاء، وقسم منهم من المدمنين وأصحاب المشاكل والجرائم والعاقين للمجتمع ولأهليهم ولوالديهم. أمثال هؤلاء إلههم الحشيش والمخدرات وبقية الموبقات، تسيّرهم اللذة والشهوات والغرائز، ولا يعرفون حلالاً ولا حراماً. وبعض هؤلاء تجد بينهم أصحاب لحى يستغلون جهل وحيوانية هؤلاء، ويسخّرونهم لقضاء أمور تخصّهم وحاجيات وأعمال تكون في الغالب لمصلحة من يقودهم. هكذا صاروا، وكوّنوا عصابات، وادّعوا أنهم كتائب تحمل أسماء لا علاقة لهم بها، لكن لتعطيهم غطاء، وأيضاً كي يأتيهم المدد والدعم المالي والمخدرات والتسليح والمال المزوّر من جهات خارجية لها كل المصلحة في خراب الشام لاغير…
وما بين هؤلاء وأولئك، ظهر نوع آخر من المتنفعين الإستغلاليين، مافيات تمتص ليس دماء الناس فقط، بل حتى مدخراتهم وأموالهم وما يمتلكون حتى النقطة الأخيرة، دون مراعاة لوازع من دين أو أخلاق أو قيم. وتواطأ مع هؤلاء تجار يرتدون الزي الرسمي، والعسكري في بعض الأحيان، وبعض هؤلاء العسكريين قد تم افتضاح أمرهم، فخرجوا على الشاشات، ينبحون ويعوون ككلاب ضالة شرهة للمال في أدوار تمثيلية وكاريكترات خزعبلية، عبر الشاشات المتآمرة على الإنسان والوطن، ويقطعون الطرق وأوصال الوطن ويجعلونها إمارات مافياوية تابعة لعصابات تدعمها جهات خارجية.
وكلنا يعلم أن قضية التخابر مع جهات غير وطنية تهمتها الخيانة العظمى وعقوبتها الإعدام ومع ذلك لم نشاهد عملية إعدام بل يتم إخراجهم على مقولة الفساد التالية (لم تتلطخ إيديهم بالدماء) ..!! والسؤال الموجه للقضاء: هل كان عندما تم إلقاء القبض عليه يتنزه ويستجم أم يحمل البندقية ضد الوطن والشعب ويساهم في تدمير وخراب الشام والوطن والإنسان…؟؟؟؟
لن يتحسن حال الشام طالما يستمر الحال على ما هو عليه، وعلى المتضرر اللجوء إلى قضاء الله.
لقد نما السوس وترعرع جيداً عبر سنوات كان الجميع يظن فيها أنه ينعم بالجنة، وكان يحلم بأن يعيش في فقاعة مؤقتة، حتى جاءت المحنة وظهرت الأمور جليّة وواضحة.
وعلى كل فرد الآن أن يختار: هل هو مع الإنسان ومع الوطن ومع الدين والأخلاق والقيم ..أم مع نقيض ذلك، بمعنى مع تدمير وتخريب الوطن والدين والأخلاق والقيم ..خياران ما بين الحق والباطل لا ثالث لهما.
من يتاجر بالشعارات دون أن يكون مقتنعاً بها هو شخص غير مأسوف عليه، عندما يواجه الحقائق والزيف ويتخلى عنه من كان يسوّق بضاعته أمامهم، فسيتخلون عنه إلى غيره. الناس يريدون من يحمل همومهم وآمالهم وأحلامهم ويساعدهم على تحقيقها، إن لم نقل كلها فجلها على الأقل.
متى يعود الأمان والأمن والخير والرخاء والإلفة والمودة؟ هذا لا يكون بمجرد الحديث الفارغ والتحليلات الفارغة من أي تحقيق وبحث عن حلول، ولا يُكتفى بالحديث للحديث والظهور الإعلامي وإكتساب شعبية عبر الفضائيات أو مواقع التواصل الإجتماعي على تنوعها.
لقد سقطت الكثير من الأقنعة والسراويل وظهرت العورات وانفضح الكثير من القضايا والأمور والأشخاص… لن ينصلح أمر الشام في ظل تفرق كلمة الناس وتفرق أهوائهم وأمزجتهم، ومن لم يتأذى إلى الآن سيأتيه الأذى لاحقاً كأنه ينتظر وهو واهم أنه لن يصيبه شيء، معتمداً على شرائح تدفع عنه في مكان آخر وساحة أخرى. لكن هذا المكان وهذه الساحة إن لم يتم دعمها شعبياً ـ ومن كل الشعب على اختلافه ما بين موال ومعارض ـ ستبقى سوريا في وضعها السيء بل ربما يسوء وضعها أكثر.
على الجميع المشاركة بالقضاء على الإرهاب والترويع والخيانة ـ كل فرد دون استثناء ـ فهذه عملية تطهير للوطن بكامله من مرض التكفير ومرض الإساءة للمجتمع الشامي من شراذم أتت من أنحاء الأرض تصب جاهليتها وغوغائيتها الأفغانية والشيشانية والوهابية والخونجية والسلفية التكفيرية على أرض الشام لتمزيق الشام وإضعاف الشام وتقديم الشام في قصعة للمشروع الصهيوأمريكي وكلابه وذئابه.
من يقول إنه يريد خلافة إسلامية أعود لتذكيره أن الخلافة لا تقوم دون العاصمة المقدسة مكة والمدينة، ومن الأصدق الشروع فيها من العاصمة لتنطلق راية الخلافة التي تريدون ..!! وإن كانت عودة الخلافة العثمانية فهذا مشروع إستعمار سلجوقي وليس مشروع خلافة إسلامية … ثم كيف يدَّعي الإسلام والعمل على إقامة خلافته شراذم الخلق ومرضى مُدَّعون التأسلم وفيهم أمراض الكون بدءاً من التكفير والإدمان والجرائم والسرقة والإغتصاب والقتل الجزاف دون مبررات..!! وغير ذلك؟
والفضيحة الكبرى التي عميت أبصار الخلائق عنها أنه كيف يساعد هؤلاء أعداء الإسلام والوحدة والخلافة؟ كيف يقبلون مساعدة الصهيوأمريكي لهم وكلنا يعلم أن هؤلاء لا يسعون لوحدة العرب ولا المسلمين لأنهم ببساطة سيشكلون لهم معضلة ومشكلة كبيرة، فهم في الأصل يحاربون الإسلام والمسلمين والعروبة والعرب. وكم من حروبهم ضد المسلمين والعرب شاهدة ماثلة أمام الجميع، من تمزيق السودان إلى محاولات تمزيق العراق ومحاولات تمزيق ليبيا ومحاولة تمزيق مصر كما مزقوا البوسنة والهرسك، ويقال إن المشروع سيمزق حتى تركيا والسعودية وإيران دون تمييز وتفرقة ما بين سني وشيعي. هذا لايهم أصحاب المشروع الصهيوأمريكي. المهم عندهم إضعاف الأمة، وقد استخدموا هؤلاء ـ أصحاب اللحى الإجرامية ـ في ذلك.
لقد كان السعي حثيثاً لتهديم الشخصية العربية، وخاصة في حلف المقاومة، بعدما نجحوا في تمزيق الشخصية العربية في العديد من الدول، ولم يبقَ على أصحاب المشروع سوى الشخصية المقاومة. ولهذا كان السعي لضرب حلف المقاومة في ظهرها وسندها وصلة وصلها في الشام، فكان الدس والتسلل منذ سنوات مضت لزرع وشحن النفوس وترتيب الأرضية للأحداث القادمة، وشراء الأنفس والذمم، وتأجيج نزعة التكفير والشحناء والبغضاء بين أبناء النسيج الواحد. والغالبية ـ أو أصحاب الشأن ـ غافلون أو تم شراء ذممهم أو مغيبون، حتى وقع ما وقع، وكما نشاهد نسمع ونعيش.
وأعود للقول: لن ينصلح حال الشام حتى تنصلح النفوس من الداخل ويحب الإنسان لأخيه الإنسان ما يحبه لنفسه، ويكون الناس صفاً واحداً كالبنيان المرصوص، ينكرون المنكر ويأمرون بالمعروف بينهم، ولا يقبلون بمنكر يفرّقهم ويشتتهم ويضعفهم ويجلب عليهم الشؤم والحرب والقتل والجرائم بكل أشكالها وأنواعها.
فخراب الشام لا يكون إلا إذا ساعد أهلها على ذلك، وعندما نقول أهلها فهذا يعني الجميع دون تمييز، والشام بحدودها الطبيعية سوريا الكبرى…
إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم …صدق الله العلي العظيم
مقال رائع يختصر بوضوح وحنكه ودقه لما جرى وسيجري
ابدعت انس الطراونه ، مقال في غاية الروعه لك كل الدعم والثناء