خبير: عهد الانتصارات الصهيونية والحروب الخاطفة ولَّى وحرب 2012 جسدت للمقاومة الدروس المستفادة
صحيفة فلسطين:
“المفاجأة كانت أكبر من التوقعات الصهيونية التي راهنت أن تكون المقاومة الفلسطينية (هربت) صواريخ يصل مداها إلى 30 كيلو متر، أما أن تكون تلك الصواريخ محلية، وأن يتجاوز مداها الـ70 كيلو متر، ويهدد “الجبهة الداخلية” التي هي بمثابة خط أحمر لدولة الاحتلال .. هذا بنظر الاحتلال محال!!
اللواء يوسف الشرقاوي الخبير في الشئون الأمنية والعسكرية، قيَّم أداء المقاومة الفلسطينية في الحربين الأخيرتين، مؤكداً أن حرب 2012 جسدت الدروس التي استفادتها المقاومة من حرب 2008-2009م، والتفاصيل في السياق التالي:
يقول الشرقاوي:”في الحرب الأولى كان هدف الكيان إسقاط حكم حماس وضرب المقاومة، أما الحرب الثانية سجلت للمقاومة أداء أفضل، حيث أدخلت في بنك أهدافها مدنا في العمق مثل (تل أبيب) والقدس المحتلتين وذلك للمرة الأولى”.
وشرح أن تحسن أداء المقاومة لم يكن على الصعيد العسكري فحسب، بل كان على الصعيد الإداري أيضا والإعلامي حيث أجادت اللعب في ميدان الحرب النفسية، مما يفسر تطويرها لإيجابيات الحرب السابقة وتقليصها للسلبيات.
نظامية وعصابات:
ونصح المقاومة في غزة أن تسير على خطى المقاومة اللبنانية، التي زاوجت بين الحرب النظامية وحرب العصابات، وأن تزاوج بين القصف الصاروخي والدفاع البري، لافتاً إلى أن الأول (جيد) تمكن من تعديل ميزان الرعب بين المقاومة والعدو الصهيوني، بينما يبقى الدفاع البري يحتاج بذل مزيدٍ من الجهد.
وقال:” هذا يتوجب تدريب جيد على مدى طويل حتى يتقنه المقاتلون، أيضا يحتاج إلى معدات حديثة تفاجئ العدو”، مشيراً إلى أهمية عنصر المفاجأة الذي خدم المقاومة بشكل كبير في حرب 2012 .
وأوضح أن الاحتلال الصهيوني يتعامل مع قطاع غزة هذا الشريط الضيق ذو الكثافة السكانية، كهدف مساحي، كما تتعامل المقاومة معه، من ذات الوجه، لذا يحسب لها أنها استطاعت أن تربك الجبهة الداخلية (اللحم الحي) للعدو.
وأكد أن (نقطة الضعف) الكبيرة في حق الاحتلال أن المقاومة أثبتت فشل ما تغنى به، ألا وهي منظومة “القبة الحديدية” والتي في أفضل حالاتها لا تعترض أكثر مما يزيد عن 19-20% من صواريخ المقاومة.
ولفت إلى أن المقاومة اضطرت الاحتلال بعد انتهاء المعركة للإعلان عن نيته “ادخال نظام (مقلاع داود) وأن بطارية واحدة منه تستطيع أن تحمي الداخل المحتل كله”، مؤكداُ أن هذا درب من الخيال.
وأفاد أن المقاومة استطاعت أن تخترق أرشيف الجيش الصهيوني، وتوجه التهديدات لخمسة آلاف ضابط إسرائيلي، وهو ما اعترفت به الصحافة الصهيونية، مما يدلل على أن الحرب الالكترونية بين المقاومة المتواضعة والاحتلال الذي يمتلك جيشاً من أفضل ستة جيوش في العالم؛ (مستعرة).
حرب على الجواسيس:
“حرب الأيام الثمانية” تخللها تصفية المقاومة الفلسطينية عدداً من جواسيس الاحتلال في مفترق عام بغزة، كيف أثر ذلك على سير هذه الحرب؟ هو ما أجاب عنه الشرقاوي قائلاً:”ردع الجواسيس أنا معه اقتداء بالثورة الجزائرية لكن أعتقد أن المحاكمات أفضل حتى لا ندخل في إطار العشوائية”.
واستطرد: “(إسرائيل) تعتمد على العملاء في تصحيح بنك الأهداف، فلولاهم لما تمكن من تحديد مكان الشهيد الجعبري في هذه السيارة بالتحديد”، موضحاً أن الرواية الصهيونية التي تقول إنهم كانوا يتابعونه عبر أجهزة الكترونية، مبالغ فيها.
بعد الحرب:
أما عن قراءته لبداية ونهاية الحربين، قال:”أمريكا و(إسرائيل) عندهما حرب أهم من غزة وهي سوريا وتدمير الجيش السوري، فكان من مصلحتهما إنهاء الصراع مع غزة بسرعة”.
وتابع:”أرى إصراراً على جر حماس للإطار السياسي العربي لتحقيق هدف بعيد المدى وهو إنهاء المقاومة”، معتبراً أن الإطار الرسمي العربي هو (مقتل) لحماس كما قتل منظمة التحرير من قبل.
وما تلا هذه الحرب من استقالة وزير الجيش أيهود باراك وإعلانه اعتزال السياسة، وتقديم لائحة اتهام طويلة ضد وزير الخارجية أفيغدور ليبرمان، في حين احتفلت غزة بالنصر قال: “إن (إسرائيل) تقيم الحروب وهي حريصة على المصلحة الإسرائيلية واستمرار الوجود الإسرائيلي، لذا صُعقت من ضرب عاصمتها بعد 64 سنة من قيامها”.
وفي معرض رده على سؤال، هل تتوقع حربا على غزة في ظل المنافسة بين الأحزاب الإسرائيلية على الانتخابات البرلمانية المقبلة، قال:”(إسرائيل) لا تسقط الحرب من حساباتها، وعندما ترى أن المقاومة قادرة على إيذائها تقوم بتجنبها، لا سيما وأن أمريكا تنصح (إسرائيل) بألا تخسر جنودا في المنطقة العربية بل تترك العرب ليقتلوا أنفسهم وهو ما نسميه بـ”الحرب النظيفة”.
ولم يستبعد أن يكون احتمال توتر الحدود الشمالية في ظل أحداث سوريا، عزز صمود التهدئة بين غزة و(إسرائيل)، لاسيما وأن الأداء العسكري الإسرائيلي تراجع ولم تعد (إسرائيل) قادرة على خوض حروب طويلة المدى .
واستطرد:”كانت تعتمد إستراتيجية الحرب الخاطفة لأيام، ثم تنقلها إلى أرض الغير، لتحييد الجبهة الداخلية، أما الآن فهي تُضرب في العمق، ناهيك عن أن (إسرائيل) تستطيع أن تبدأ الحرب لكن لا تستطيع إنهاءها، كمان أن جبهتها الداخلية منتهكة، وهو خوفها الأكبر”.
وأضاف:” عهد الحروب الخاطفة ولّى، كما أن عهد الانتصارات الصهيونية ولىَّ، حيث أصبح جيشها الذي لا يقهر يمرغ أنفه في الشمال من حزب الله والجنوب من المقاومة الفلسطينية، التي أنهت أسطورة الجيش الذي لا يقهر”.