خامه يار… إلى اللقاء
صحيفة الديار اللبنانية-
رنا الساحلي:
كلمة الوداع هي إحتضار لأرواح …
لربما كلمة الى اللقاء يكون وقعها أقل وجعاً….
لربما كانت تجربتنا معاً في العمل قصيرة، لكنها كانت مليئة بالأفكار والجهد والعطاء والفكر …
هي إنسجام لفكرنا وأهدافنا الرسالية التي تربينا عليها …
الدكتور عباس خامه يار المستشار الثقافي الايراني، كان كالطير الذي حضر الينا من بلاد الجمهورية الاسلامية، حيث الحب والعطاء والفكر والفن والجمال والأناقة .
في تلك البلاد تستطيع أن ترى كل شيئ وكل ما قد يخطر ببالك، فالادب الرفيع والاذواق المختلفة والحياة الجميلة تنطبع بأبهى ما وهبه الاله على تلك الارض فالطبيعة هناك تشبه اهلها بجمالها ووفائها وحبها …
هي ترنيمة الروح وعزف على أوتار القلب حيث الصفاء الذي يشبه الكثيرين ومنهم الدكتور عباس الذي كان كالمكوك الذي لا يهدأ …فهنا أمسية شعرية وهناك جلسة أدبية وهناك حوار منفتح الآفاق بين كافة الطوائف.
جسر العبور الى الآخر كجسر الطبيعة في طهران يشع املاً ونوراً ومعرفةً، معرفةُ الآخر وإن اختلفت اللغة فلا بُدّ للثقافة أن تلتقي في كثير من المجالات.
هو الطائر الذي حمل معه عطر النرجس من بلاده ولون الزعفران ليلوّن لنا الكثير من الخطوط الإبداعية…
خلال فترة تواجده في لبنان وضمن مهمته الثقافية التي يشهدُ كل من عَرفه أنه ترك بصمةً ثقافيةً من خلال كتاباته التي انتشرت في كثير من المواقع والصحف اللبنانية،كما عرفته النوادي الثقافية حيث حمل هموم الأمة جمعاء. وقرّب في وجهات النظر ليكون بطاقة سفر وتجوال بين كافة الأفكار المختلفة.
وقد وقع أخيراً خلال معرض بيروت للكتاب لعام ٢٠٢٢ كتاب «جرح وزيتون ،أعيان وازمان» وكأنه أراد مسك وختام ما يقدّمه خلال مسيرته الثقافية في لبنان سلام الزيتون الذي يُعرف ويشتهر به لبنان هذه الأرض الخصبة التي تقدّم شهداءها ملامح عز وفخر،وان كان الجرحُ عميقاً.
البصمة الثقافية التي تركها الدكتور خامه يار تندرجُ ايضاً ضمن أسبوع ثقافي أقامه في لبنان برعاية وزير الثقافة اللبناني القاضي محمد وسام المرتضى الذي تماهى وما قدّمته ايادٍ فنية ساحرة من الجمهورية الإسلامية الإيرانية ، فهنا في معرض «طلوع» يأخذك الإبداع نحو عبق التراث تشتم به عطر حكايا معتّقة بماء الذهب وزخرفات النحاس التي قدمتها أياد فنية موهوبة صقلت هياكل صامتة وجعلتها تحدّثك عن حضارة عريقة تعود لآلاف السنين الغابرة، المفعمة بالعطاء والتميز التاريخي العريق ،فيما الخطوط القرآنية ورسم انيق بماء الذهب الفريد من نوعه، يجعلكَ تنبهر بالدقة والتقنية العالية، التي يتميز بها هؤلاء الفنانون.
فيما تؤكد زاوية أخرى عن مدى صبر ومزاج الشعب الايراني من خلال فن حياكة السجاد التي يتقنها ببراعة عدد كبير منهم حيث يعرف العالم بمجمله السجاد العجمي الذي يتميز بحكايا منقوشة تؤرخ دهراً وعزاً لملوك عاصروا ايران. فيما تختلف النقشات حسب كل منطقة فمنها التبريزي والقمي والاصفهاني.
وتأخذك الفسيفساء الى فن متقن ملون يشتهر باللون الفيروزي كما للخشب صبره الخاص الذي تشتم منه عبق الطبيعة وكأنك تريد الغوص في خبايا الخشب العتيق حيث لون الطبيعة الاخاذة، وتبقى الخطوط الانيقة عالماً سحرياً يسرق كل حروف اللغات العربية والفارسية. لتقف حاملاً ترانيم أجراس العودة والحنين نحو الحبر المعتق بشذى أوراق البردى.
غادرنا اول أمس الدكتور خامه يار عائداً الى وطنه ليبدأ رحلة جديدة يغوصُ في عالمٍ ثقافيٍ آخر ومهام أخرى.لكنه استطاع ان يتجذّر في لبنان كأرزه ، أحبه كوطن ثان وعرف ثقافته وتقاليده وصروح العلم ودور الثقافة فيه.
هو الذي عمل في إذاعة صوت المستضعفين بالثمانينات وغاص في العالم الإعلامي،ليعود مستشاراً ثقافياً ضمن كادر سفارة الجمهورية الإسلامية الإيرانية.
غادرنا وشوق لبنان عالقٌ بين رئتيه فهو الذي تنفّس حباً وعشق ثقافة لبناننا لذلك لن نقول وداعاً بل الى لقاءات قريبة تعود فيها حاملاً الكثير من خيوط الحرير التي تنسجها، كأولئك الفنانين الذين يحيكون آلاف القصص العتيقة لرسم سجادة عجمية تحمل تاريخاً عظيماً….