حين يعترف الكيان بعنصريته
صحيفة الوطن السورية-
تحسين الحلبي:
اعتادت الحركة الصهيونية على استخدام مبدأ «أفضل أشكال الدفاع هي اللجوء إلى الهجوم»، ولذلك اتصف خطابها الفكري والسياسي، باتهام أي دولة أو مجتمع يقيم فيها اليهود، وهم بالطبع سيكونون أقلية بالنسبة لعدد السكان، بـ«معاداة السامية» في أي وقت يرونه مناسبا لخدمة مصلحتهم داخل ذلك البلد أو لمصلحة تهجير اليهود إلى فلسطين المحتلة، وذلك منذ نشوء الكيان الإسرائيلي وما بعده.
ولكي يروجوا هذا الاتهام واستخدامه للابتزاز، وجدنا بموجب الأرقام الغربية، أن نخبهم المالية والأكاديمية في الغرب وأميركا، اتجهت نحو السيطرة على وسائل الإعلام لكي يجري استخدامها لتطبيق هذه السياسة، وبهذا الشكل تحول الكيان إلى قاعدة أخرى لهذه السياسة إلى جانب مراكز جمعيات ومنظمات الضغط اليهودية الصهيونية المدنية في أوروبا وأميركا، فأصبحت الدعاية الصهيونية وأكاذيبها تتمتع بترويج سياساتها على مستوى رسمي بين الكيان ودول العالم، إضافة إلى مستوى الصحافة والإعلام والسينما ودور منظمات الضغط واستخدام وسائل التواصل الاجتماعي.
وجد كل يهودي سواء أكان يؤمن بالصهيونية أم لا تهمه إسرائيل، في هذه السياسة أداة ومنبراً لتوسيع مصالحه الشخصية أو الطائفية، وهنا تكمن قيمة توظيف إسرائيل لليهود في سياسة الابتزاز بفضل سياسة اتهام الآخرين بالعنصرية الموجهة ضد اليهود أي بـ«معاداة السامية» برغم أن يهود العالم يعدون من أصحاب النفوذ في معظم الدول وبمجالات مالية وإعلامية وسياسية وبمجال الخدمات الأمنية والعسكرية، وهذا ما يجري في واقع الأمر في حين أن الإسرائيليين يعدون من أجرأ اليهود في إعلان وتأكيد عنصريتهم وممارستها داخل الكيان الإسرائيلي ضد الفلسطينيين وضد بعض الفئات اليهودية أيضاً.
في استطلاع للرأي أعده «معهد الديمقراطية الإسرائيلي» يوم الأحد الماضي وهو منظمة تعد نفسها غير حكومية وهدفها المعلن هو المحافظة على وحدة وتماسك المجتمع الإسرائيلي، تبين أن 50 بالمئة من الإسرائيليين يطالبون بشدة بعدم إعطاء الفلسطينيين في الأراضي المحتلة منذ عام 1948 حقوقاً متساوية معهم، وهذه أوضح عنصرية معلنة، في حين أن نسبة أخرى ترى ضرورة تقييد ما يمكن منحه من حقوق لهم، ويرى 80 بالمئة من الإسرائيليين أنهم لوحدهم يقررون ويحددون أي تسوية مع الفلسطينيين في الأراضي الفلسطينية المحتلة منذ عام 1967 ويرى 70 بالمئة من الإسرائيليين أن المنظمات غير الحكومية الخاصة بحقوق الإنسان تولد الأضرار على إسرائيل.
يبدو أن هذه العنصرية المعلنة والصارخة لا يريد الغرب أن يعترف بوجودها عند كيان يزعم الغرب كله أنه الكيان «الديمقراطي الوحيد» في منطقة الشرق الأوسط، بل ولا يتحدث الغرب عن هذه العنصرية خوفاً من أن تشن المنظمات الصهيونية حملة لاتهامه بـ«معاداة السامية»، لكن الأسباب الأخرى التي تجعل تجاهل الغرب والولايات المتحدة لهذه الحقيقة هي المصالح الإستراتيجية التي يمنحها وجود إسرائيل في هذه المنطقة التي تتصارع وتتنافس من أجلها القوى الاستعمارية منذ القرن التاسع عشر حتى هذا الوقت، ويخطئ من يعتقد أن الكيان الإسرائيلي بدأت تقل حاجة واشنطن وأوروبا لدوره ووظيفته التي أعدته بريطانيا من أجلها ثم ورثته الولايات المتحدة منها بموافقتها طالما أنه يخدم مصالح القوتين الامبرياليتين الأنغلو ساكسونيتين، وقلما تخلت واشنطن عن مستعمرة أو كيان تابع لها طواعية حتى لو تضاءلت أو انتهت قيمته لأنها لا تتركه فارغاً مخافة ملئه من قوة أخرى، فهي تخلت عن حليفتها فيتنام الجنوبية عام 1975 بعد أن هزمها الفيتناميون بقوة المقاومة، ولم تسحب معظم قواتها من العراق عام 2012 إلا بعد مقاومة عراقية واسعة أجبرتها على هذا القرار، ولم تتخل عن شاه إيران ووجودها العسكري والاستخباراتي في إيران عام 1979 إلا بعد انتصار ثورة الشعب الإيراني بقيادة الأمام الخميني، ولم تتخل عن كوبا إلا بعد انتصار ثورة كوبا على الوجود الأميركي، وبرغم أن الكيان لا يوجد فيه قاعدة عسكرية للقوات الأميركية لأنه هو كله قاعدتها، إلا أن واشنطن تستخدمه أيضاً «مخزناً لأسلحتها وذخائرها» في المنطقة، فقد ذكرت صحيفة «نيويورك تايمز» الأميركية قبل يومين أن واشنطن نقلت من الكيان الإسرائيلي ذخائر مدفعية أميركية عيار 155 مم إلى أوروبا لكي يجري نقلها لأوكرانيا واستخدامها في الحرب ضد روسيا.
في النهاية يدرك الغرب الرسمي الحكومي كله، أن الكيان الإسرائيلي يمارس أشكالاً متنوعة من العنصرية، لكنه يتجاهل هذه الحقيقة بسبب ارتباط مصالحه مع تل أبيب، ولذلك لا حل إلا بالعمل الدؤوب على فضح هذا الكيان في الساحة العالمية ومقاومته في الأراضي المحتلة من قبل الشعب الفلسطيني وشعوب المنطقة.