الخليج الإماراتية ـ ثقافة ـ عثمان حسن :
لطالما انتسب النثر العربي، لاسيما شعر المتصوفة إلى قصيدة النثر، وكثيراً ما كان ولا يزال شعراء الحداثة الشعرية العربية يقدمون نماذج رائدة من شعر المتصوفة كقرائن على جودة المكتوب من حيث اللغة، وتلك المنطقة الشفيفة التي تتقن فن القول الشعري الصافي العذب، من حيث قدرته على التأويل والإزاحة، وإحداث خلخلة في بنية النظام الشعري السائد، ذلك النظام الذي تعود الوصف السطحي والمحاكاة الرتيبة من وجهة نظرهم، ليغدو نظاماً متفرداً يقوم على الرمزية العالية، ويفجر من خلال اللغة إشراقات شعرية هي بمثابة بحث في المحسوس، وغير المحسوس، كما أنها بحث في المفكر وغير المفكر به في متون شعرية تقيم بناءها النصي على المتناقضات والمتعارضات وتطلق مخيلة التأمل إلى نهاياته .
في هذا المقام، يحضر ما سبق وكتبه عبده وازن تحت عنوان (هل كان النفري شاعر قصيدة نثر؟) تلك المقالة التي يعود فيها إلى ما سبق واكتشفه آرثر أربري من نصوص للنفري في قسميها “المواقف” و”المخاطبات” ونشرها في عام 1934 من مخطوطات عدة، وعمل الشاعر أدونيس على إخراجها إلى الضوء وأدرجها في قلب مشروعه الشعري الحداثي، ونشرها في مجلة مواقف بوصفها فتحاً يضيء الكتابة العربية الحديثة والكتابة بوجه عام .
المهم في ما طرحه عبده وازن هو تلك المثاقفة التي بلغت ذروتها في استحضار أسماء ومناقشات نقدية وفلسفية كثيرة من منتخبات التنظير العربي والعالمي، من “اللغة المجازية جوهرياً” بحسب أدونيس، والنصوص الرؤيوية التي تقرأ ذهنياً وفكرياً، كما تقرأ بالحدس، والتي تخالف النظرة الرؤيوية لدى رامبو، وتحتاج إلى قراءة فكرية صرف لاستجلاء بعض رموزها وإشاراتها وأحاجيها التي تحتاج إلى الكثير من التأمل .
في السياق نفسه تضيء شعرية النفري على صعوبة ترويضها أو تصنيفها تبعاً لأي مقولات جاهزة بحسب سعيد الغانمي، الذي يرى أن النفري نفسه يرفض هذا التصنيف لأنه “يريد اجتراح لغة تتخطى دائماً مواصفات اللغة المألوفة”، ويصف لغة النفري في أنها “لغة التبشير بما وراء الحرف والمجاز، أي بما وراء اللغة الحقيقية واللغة الاستعارية” .
في سياق آخر، تتم مقارنة شعرية النفري التي تشير إلى مصطلح “اختلاف الأضداد” بما سبق وأشار إليه “باختين” من مصطلح “تكافؤ الأضداد”، كما تتم من خلال النفري استدعاءات وإشارات ومقارنات طالت الشاعر الفرنسي “ستيفان مالارميه” .
ويقر عبده وازن بأنه ليس هناك جواب صريح لديه عن شعرية النفري رغم تمتعها بالايقاع الداخلي للمفردات والجمل ولعبة التكرار، وظهور بعض السجع اللطيف والرقيق، ناهيك عن الجناس المهذب والإيجاز والابتعاد عن شرائك الفصاحة والبلاغة والكلفة والتصنّع .