حمقى وإستغفال في مؤتمر «السلام والاسترداد»
صحيفة الوطن السورية-
أحمد ضيف الله:
فوجئ العراقيون بإنعقاد مؤتمر تحت اسم «السلام والاسترداد» في أحد فنادق أربيل بإقليم كردستان في الـ24 من أيلول 2021، تحدث فيه عبر الفيديو تشيمي بيريز الذي يرأس مؤسسة والده شيمون بيريز. وقال جوزيف برود منظم المؤتمر ومؤسس مركز اتصالات السلام ومقره نيويورك، وهو أميركي من أصول عراقية يهودية لوكالة «فرانس برس»: إن «نحو 300 مشارك من السنّة والشيعة تجمعوا في أربيل عاصمة كردستان من ست محافظات، هي بغداد والموصل وصلاح الدين والأنبار وديالى وبابل»، بينهم شيوخ عشائر ومثقفون وكتاب.
أبرز المشاركين في هذا المؤتمر، وسام عبد إبراهيم حردان العيثاوي رئيس صحوة العراق، وابنه علي، وعبد الله عطا الله أحمد صالح الجغيفي، وفلاح حسن الندا نجل شيخ عشير البو ناصر، التي ينتمي إليها صدام حسين، إضافة إلى بعض الضباط والبعثيين من تشكيلات صدام، طالبوا حسب بيان لهم، الانضمام «إلى اتفاقيات إبراهيم» أي اتفاقيات «أبراهام».
المؤتمر المشبوه، واجه بعد بضع ساعات من انعقاده، موجة استنكار وسخط ورفض، من أحزاب وقوى نيابية ورجال دين، سنّة وشيعة، وعشائر وشعراء وكتاب وصحفيين ومنظمات مجتمع مدني باختلاف توجهاتها، وفعاليات شعبية مختلفة من كل المحافظات والمدن العراقية، إضافة إلى الرئاسات الثلاث: الجمهورية ومجلسي الوزراء والنواب، كما شهدت عدة محافظات ومدن عراقية احتجاجات منددة بالمؤتمر، وقد شكلت هذه المواقف واحدة من المناسبات النادرة التي وحدت وجمعت العراقيين بمختلف أطيافهم ومرجعياتهم على موقف واحد وهو رفض ما جرى بهذا المؤتمر، والتأكيد على قدسية القضية الفلسطينية بالنسبة لهم، و«موقف العراق الثابت والداعم للقضية الفلسطينية»، محذرين المسؤولين في إقليم كردستان من «خطورة اللعب بالنار»، معتبرين «ما حدث في أربيل هو جريمة وخيانة عظمى لقضية الإسلام والعرب والمسلمين»، وبأن «كل الذين أعدوا وشاركوا في هذا الاجتماع خونة”، لا يمثلون أهالي وسكان المدن العراقية، معلنين «رفض العراق القاطع لمسألة التطبيع مع إسرائيل».
الغريب والعجيب، أن أغلب المشاركين بعد موجة الإدانات والسخط تلك، بينوا في بيانات وتصريحات أغلبها فيديوي، أنهم تعرضوا للخديعة، وتفاجؤوا بفحوى المؤتمر، وبأن أغلبهم غادر المؤتمر أثناء إلقاء الكلمات، بعد أن فهموا أن المؤتمر لا علاقة له بالدعوة الموجهة لهم، محملين وسام الحردان كامل المسؤولية، لأنه أفهمهم أن المؤتمر هو لمناقشة إقامة إقليم الأنبار، وزيادة رواتب الصحوات، مقدمين الاعتذار لعشائرهم والشعب العراقي.
المضحك، أن وسام الحردان، الذي تلا نص البيان الختامي، أصدر بياناً في الـ25 من أيلول 2021، ذكر فيه أن «البيان الذي قرأته كُتِب لي دون معرفتي بمضمونه، ولكني تفاجأت بزج الكيان الصهيوني وعملية التطبيع يتضمنها البيان»، مستنكراً «مضمون البيان الختامي وما ورد فيه جملة وتفصيلاً، وأتبرأ أمام شعبي وأبناء محافظتي العزيزة وأبناء عشيرتي من ذلك البيان»، و«أعتذر لكم يا أبناء شعبي العزيز ولكم أيضاً يا أبناء الشعب الفلسطيني وسائر الشعوب الإسلامية والعربية بسبب هذا البيان وحضوري المؤتمر»!
رئاسة إقليم كردستان ووزارة داخليتها، نفوا علمهم بالمؤتمر! مؤكدين أنه «ستتخذ الإجراءات القانونية ضد الأشخاص الذين حرّفوا مسار هذا الاجتماع»، وبأن «الأشخاص الذين قاموا بذلك سيتم استبعادهم ولن يكون لهم موطئ قدم في إقليم كردستان»، بينما قال ريبين سلام عضو الحزب الديمقراطي الكردستاني في حديث صحفي: إن «في أربيل حرية ومساحة واسعة لعقد المؤتمرات والندوات»!
شخصيات وعشائر عراقية بارزة، تقدمت بدعاوى قضائية ضد المشتركين في اجتماع أربيل، وبناء عليه، أصدرت محكمة تحقيق محافظة الأنبار، وكذلك محكمة تحقيق الكرخ الأولى ببغداد في الـ26 من أيلول 2021، مذكرات قبض بحق المشاركين في المؤتمر.
رئيس مجلس القضاء الأعلى العراقي فائق زيدان، كان قد قال خلال مقابلة مع وكالة الأنباء العراقية في الـ8 من تموز 2021 بشأن مسألة التعاون القضائي بين بغداد وإقليم كردستان العراق: إن «الإقليم غير متعاون مع الحكومة الاتحادية بخصوص تسليم المطلوبين والهاربين في الإقليم وهي قضية واقعية»، مؤكداً أن «القضاء في الإقليم ضمن القضاء المركزي الاتحادي العراقي، وأن مذكرات القبض الصادرة من القضاء العراقي يجب أن تنفذ في جميع أنحاء العراق وبضمنها إقليم كردستان».
الأكراد تواطؤوا في دفع عراقيين سذج باتجاه الدعوة للتطبيع مع الكيان الصهيوني، وهم لن يسلموا المطلوبين للقضاء العراقي، بل سيسهلون فرارهم، لتجدهم لاحقاً يسرحون ويمرحون في قطر أو الإمارات أو الأردن، كالفارين والمطلوبين السابقين بتهم إرهابية، أمثال نائب رئيس الجمهورية الأسبق طارق الهاشمي، ووزير المالية الأسبق فالح العيساوي، وآخرين كثر.
القضية الفلسطينية لا يمكن إسقاطها بالتآمر وزحف المطبعين المشبوهين أصلاً وتاريخاً، فهي راسخة في ضمير كل الأجيال العربية والإسلامية، وضمير أحرار العالم، وهي لن تمر باستغفال حمقى، عراقيين كانوا أم عرباً آخرين، فالعراق عصي على التطبيع.