حماقة القطيعة مع سورية
وكالة أخبار الشرق الجديد ـ
غالب قنديل:
تصر وزارات ومؤسسات عديدة يتقدمها مجلس الوزراء اللبناني على القطيعة مع الجمهورية العربية السورية على الرغم من كثافة التداخلات القائمة والمستجدة بين البلدين وحيث تقضي أبسط الأعراف اتصالات بين المسؤولين على جانبي الحدود وتنسيقا وثيقا وصيانة المصالح المشتركة وتذليل العقبات التي تهددها وكذلك لصد التهديدات المشتركة وسعيا لبلورة توجهات متقاربة إذا تعذر التفاهم او التطابق في أي من الملفات ولكن شيئا من ذلك لا يحصل لأن بعض القوى والجهات اللبنانية تلبي طلبات عربية واجنبية بممارسة نهج عدائي في التعامل مع سورية وهي نفسها أطراف أطنبت في مدح الشقيقة لسنوات خلت بدوافع مصلحية وانتهازية ثم انقلبت بفعل ارتباطها الخارجي الذي قد يعود فيوحي إليها بانقلاب جديد وما زال الرأي العام اللبناني منشغلا أصلا بمعلومات الوزير نهاد المشنوق عن زيارة الرئيس الحريري الأخيرة إلى العاصمة السورية بطلب سعودي.
تحويل لبنان إلى حلقة في سلسلة تطويق سورية ومحاصرتها ماليا وتجاريا بأي ذريعة كانت عمل سيء فيه الكثير من الأذى للبنانيين والامتناع عن التنسيق مع الحكومة السورية أوالتواصل معها للتشاور في أي إجراء او تدبير حدودي قبل اتخاذه فيه الكثير من الغل والحقد والكيد السياسي وهو أبعد ما يكون عن التجسيد المزعوم لمصالح لبنان وشعبه والذرائع المتداولة جميعها ساقطة فالانتقال إلى القطيعة يستدرج ردودا مرة ومضرة خبرها لبنان وذاق طعمها منذ امد بعيد وفي كل مرة تخيل مسؤول لبناني ان بإمكانه المضي في استعداء سورية والظفر بمكاسب سياسية محليا وإقليميا جاءت النتيجة عكسية بالتمام.
قضية المواسم الزراعية وروزنامة التصدير بين البلدين مزمنة وهي تعمل في الاتجاهين سلبا وإيجابا ومن الضروري التذكير بما كان يحدث في السنوات الأخيرة عندما اتخذت السلطات السورية إجراءات منعت بموجبها استيراد بعض المنتجات الزراعية اللبنانية وامتنع بعض المسؤولين الحكوميين عن التواصل مع نظرائهم وتولت ذلك نقابات وجمعيات المزارعين اللبنانيين وتجاوبت دمشق مع الطلبات اللبنانية دون اعتبار للسلبية الحكومية اللبنانية وللضرر الذي تحمله الاقتصاد السوري وكانت التلبية غير مشروطة.
ليس من الشطارة السياسية تسجيل موقف عدائي يستدر رضا الخارج وخلق مناخ من الاحتقان والاختناق في العلاقات مع الدولة السورية ومع الشعب السوري في زمن المحنة فجميع التدابير التي استهدفت سورية ألحقت الأذى بلبنان وحرمته من فرص كثيرة مالية ومصرفية واقتصادية بينما يكتفي بعض المسؤولين بتلقي التعليمات الغربية والتقيد بها والتباهي بالابتسامات الصفراء لموفدي الإغاثة الذين يريدون التأكد من بقاء النازحين السوريين على الأرض اللبنانية بدلا من السفر إلى الغرب او من العودة إلى وطنهم استثناء قناتي إطفاء الحرائق واتصالات الطواريء اللتين يؤمنهما مدير عام الأمن العام اللواء عباس ابراهيم وامين عام المجلس الأعلى نصري خوري واحيانا لقاءات وزير الخارجية جبران باسيل وبعض المسؤولين الآخرين بالسفير علي عبد الكريم .
إن نهج إدارة الظهر للسلطات السورية حماقة مبرمة يمارسها بعض المسؤولين اللبنانيين غير آبهين بالنتائج المؤذية التي تلحق بلبنان والتصريحات النارية الحاقدة التي صدرت مؤخرا عن زعامات لبنانية كالحريري وجنبلاط وجعجع فيها تصميم على التهور والتورط في مشروع مهزوم يدرك كبار مدبريه ومخططيه انه يترنح في الفشل وشرعوا يعترفون بذلك.
في زمن الكوارث التي عاشها لبنان وتأثر بها كانت القرارات الحكومية السورية المتخذة دائما تعطي صفة تفضيلية للمنتجات اللبنانية وقد كسرت الروزنامات والجداول السورية بدافع التضامن مع الشعب اللبناني والمزارعين اللبنانيين وينبغي تذكير المسؤولين القابعين خلف أقنعة احقادهم ان الحمضيات اللبنانية والموز اللبناني والخضار اللبنانية أعطيت تسهيلات خاصة في سورية لسنوات طويلة منذ الاجتياح الصهيوني عام 1982 لحمايتها من منافسة البضائع الصهيونية التي ادخلت بكميات إغراقية وشارك في ترويجها داخليا وبأسعار منافسة سياسيون واحزاب وتنظيمات وإدارات امر واقع وسماسرة يعرفون انفسهم ويعرفهم اللبنانيون وللأسف فإن هزيمة إسرائيل وهروبها لم يمنعا أولئك من تبوأ مواقع قيادية وتسلم مسؤوليات عامة بفعل آلة النظام الطائفي اللبناني البائس والعفن.
يهرول مؤخرا إلى سورية الموفدون والوسطاء من جميع دول الغرب بما في ذلك الولايات المتحدة ويمتنع المسؤولون اللبنانيون عن أي مبادرة رغم سعة التشابكات المصلحية والوجودية وتتصاعد نبرة العداء في المشهد الإعلامي بينما يهلوس بعض الساسة والمستثمرين اللبنانيين بأنهم يتوقعون حصصا لشركاتهم في ورشة إعمار سورية وهي على الأرجح واجهات لبنانية محتملة لجهات غربية وخليجية وتركية وربما أكثر من ذلك بعد موجات التطبيع السارية فهل زرع الكراهية والتصرفات العدائية من جانب واحد وانقطاع التواصل الطبيعي في ظروف استنثنائية هي أفعال تخدم أي غاية او مصلحة لبنانية مفترضة ؟ إن أي قطيعة مع الشقيقة سورية هي حماقة لبنانية متمادية تنطلق من إدارة الظهر لعبر التاريخ ودروس التجارب.