حلف الناتو، وحروب أميركا بالكفوف البيضاء
موقع قناة المنار-
أمين أبوراشد:
قبل أن يُصاب العالم بالذُعر نتيجة تداعيات “العقوبات” الإقتصادية الأميركية على روسيا، والتي كانت آخرها منذ ساعات، عبر حظر استيراد المشتقات النفطية الروسية، نستذكر انذار الروسيين لاوروبا حول مصادر الطاقة بعد ازمة القرم عام 2014. وها هي أوروبا ومعها العالم اليوم، أمام مُعضلة تداعيات المعارك في أوكرانيا، التي شاءت لها أميركا الإنضمام الى الناتو لتكون الخنجر في الخاصرة الروسية، في حربٍ تُخاض لهذا السبب الرئيسي على الأرض الأوكرانية بأسلوب “الكفوف البيضاء”.
ولقد سبق للرئيس الأميركي الأسبق باراك أوباما أن أعلن، على خلفية سحب القوات الأميركية من الشرق الأوسط، أن أميركا سوف تُحافظ على مصالحها عبر سواها، دون إدخال اليد الأميركية بحروب مباشرة، واستخدم يومذاك عبارة “الحرب بالكفوف البيضاء”. وليس صعباً على أميركا تغذية حروب الآخرين على أرضهم، وأن تنفض يديها من جرائمها، ولعل أصدق توصيف للسياسة الخارجية الأميركية جاء على لسان الرئيس بوتين منذ أيام عندما تساءل: “أميركا قادرة على رؤية بقعة مياه على سطح المريخ، ولم تستطع رصد أرتال داعش في بلدان الشرق الأوسط؟”.
وكي لا نتناول الموضوع من منطلق حصري عربي، في معاناتنا مع عدوان أميركا المتمادي في الشرق الأوسط، سواء عبر حروبها بالأيادي السوداء ونعتمد العراق وسوريا مثالاً، أو حروبها بالكفوف البيضاء كما يحصل الآن في اليمن، نأخذ الأمور بالمنظار الصيني، عندما نشرت وزارة الخارجية الصينية منذ أيام لائحة بالدول التي كانت عُرضةً للحروب الأميركية منذ خمسينيات القرن الماضي وحتى اليوم، إضافة الى رأي بعض دول الناتو الأوروبية وفي طليعتها فرنسا، من جدوى البقاء في الناتو، لدرجة أن المعركة الرئاسية الفرنسية دخلت في المزايدات حول هذا الأمر بالذات، بحيث أعلنت المُنافِسَة الرئيسية للرئيس ماكرون، مارين لوبان، عن عزمها العمل على انسحاب فرنسا من هذا الحلف لأنه لا يضمن أمن فرنسا، بل هو ضمانة مصالح أميركا في أوروبا وليس أكثر.
مارين لوبان تتحدث بإسم اليمين المتطرِّف الذي سادت أفكاره أوروبا في السنوات الأخيرة، منذ أزمة تدفُّق المُهاجرين، وازداد الإنغلاق الذاتي مع بدء جائحة كورونا، بحيث أن كل دولة طالبت بإقفال حدودها بوجه القادمين من دول أخرى، والرئيس الفرنسي أعلن بدوره النقمة على حلف الناتو في العام 2019، خلال الإحتفال الذي أُقِيم في لندن بالذكرى السبعين لقيام هذا الحلف، واتًّهِم ماكرون يومذاك بالإبن المُشاكس للناتو، نتيجة مواقفه في تقييم جدوى بقاء أوروبا في هذا الحلف، الذي اعتبره أنه دخل في “الموت السريري”، وسط تنامي السخط الشعبي الأوروبي، على النفقات التي تتحمَّلها الدول الأوروبية في تمويل حلف لا تعتبره ضمانة لأمنها، فيما كان الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب يُطالِب بزيادة مساهمات الدول الأوروبية الأعضاء في التمويل.
وكائناً ما كانت نتائج المعارك في أوكرانيا، فقد ثبُت على المستوى الشعبي الأوروبي، أن الإستياء من قرارات الناتو، نابعٌ من كون هذه القرارات ترتبط بأمن الدول الأوروبية الذاتي وهي ليست أوروبية ذاتية، وأن أي رئيس أميركي لا يجرؤ على ضغط أي زرّ نووي في أية حرب، بينما يجرؤ في كل لحظة على ضغط زرّ القرار بالنيابة عن أوروبا في أية مواجهة مجنونة، طالما الأنظمة السياسية في القارة العجوز لم تحزِم أمرها السيادي وعاجزة عن قول “لا” لأميركا، في حلفٍ أراد لأوكرانيا أن تكون عدواً مجانياً للجار الروسي نتيجة الغطرسة الأميركية، فيما عجِز هذا الحلف عن جمع أوروبا ضمن سياسة حدودية موحَّدة خلال أزمة المهاجرين…