حلفاء «داعش».. من يكونون؟
أعلنت المملكة العربية السعودية حشد ثلاثين ألف جندي على حدودها مع العراق تحسباً لاحتمال تقدم «داعش» باتجاه الأراضي السعودية. وكان الاردن قد سبقها وأعلن حشد قواته على الحدود العراقية الاردنية. ايران ايضا أعلنت حشد قوات على الحدود العراقية، وخصوصا مع محافظة ديالى الملتهبة.
في الشمال ينشر اقليم كردستان قوات البيشمركة على الحدود، مع مناطق سيطرة «داعش» في نينوى وكركوك وصلاح الدين، بينما تبدو الحدود العراقية السورية شبه ملغاة، وباتت دولة «داعش» حرة في عبور الحدود من القائم الى البوكمال. لكن الطيران السوري نفذ هجمات جوية على مواقع لـ«داعش» في القائم.
سوريا تحارب «داعش» و«داعش» بدورها تحاربها منذ إنشائها. السعودية تدعم المعارضة السورية المسلحة ضد الحكومة السورية. الاردن لا يخفي تعاونه مع المعارضة المسلحة وتقديم مقارّ التدريب لها. قطر وعلى لسان القرضاوي هاجمت «داعش» وهي تدعم المعارضة السورية. اذاً نحن أمام معركة ثلاثية: ايران وسوريا من جهة أولى، الولايات المتحدة وأوروبا والسعودية و«مجلس التعاون» بما فيها قطر من جهة ثانية، و«داعش» من جهة ثالثة. انها مفارقة حربية عجيبة تحصل لأول مرة في التاريخ. عادة يتحالف اثنان ضد الثالث ويكسبان الحرب. في الحرب العالمية الثانية تحالف الاتحاد السوفياتي مع الحلفاء، أي دول أوروبا الغربية والولايات المتحدة، ضد ألمانيا ودول المحور. انتصر الحلفاء. لو اتخذ الاتحاد السوفياتي موقفا ضد الحلفاء وضد ألمانيا في الوقت نفسه لتغيرت أمور كثيرة.
هل نحن فعلا أمام مواجهة ثلاثية غير مضمونة النتائج؟
نعم تكرّس ذلك برد فعل الرئيس الأميركي أوباما على إعلان «داعش» إقامة الخلافة الاسلامية، فقرر رصد مبلغ 500 مليون دولار لتدريب المعارضة السورية المعتدلة لمحاربة «داعش». أي ان أوباما لا يريد أن يقف مع الحكومة السورية ضد «داعش» بل مع المعارضة. ثم تسربت أنباء من البيت الابيض ان مهلة انتهاء تدريب المعارضة السورية المعتدلة تتجاوز السنة، أي يريد الانتظار لمدة سنة من المرتقب ان تكون حافلة بالمتغيرات، حتى تجهز المعارضة المعتدلة. كل هذا ونرى «داعش» تجتاح مواقع المعارضة شرقي سوريا، ونرى «جبهة النصرة» و«الجيش الحر» في دير الزور والبوكمال يبايعان «داعش». اذا استمر الامر على هذه الوتيرة، تنتهي فترة التدريب وتكون «داعش» قد سيطرت على جميع مراكز «الجيش الحر» فلا تجد العناصر المتدربة موطئ قدم في سوريا، لكي تقاتل باعتدال كما تأمل الولايات المتحدة.
مواجهة ثلاثية غير مقنعة، وخصوصا اذا أضفنا الموقف التركي الاطلسي الملتبس. تركيا ترفض «داعش» وتعارضها لكن «داعش» قبل اجتياح العراق، عقدت اتفاقا مع الحكومة التركية تسمح لها بحراسة ضريح سليمان شاه جد مؤسس الدولة العثمانية وتبديل الحراسات برا عبر المرور على حواجز «داعش»، في الوقت الذي دمرت «داعش» ضريح الصحابي الكبير عمار بن ياسر لأنه ينافي شرع الله، أما سليمان شاه، فقد سمحت ببقائه وحراسته. ومؤخرا أفرجت «داعش» عن أربعين سائقاً تركياً كانوا محتجزين في الموصل فيما قتلت اثني عشر إمام مسجد من العرب السنّة في الموصل لرفضهم المبايعة.
هل هناك فعلا ثلاثة أطراف يتقاتلون؟ قبل اجتياح العراق راجت آراء سياسية تتهم «داعش» بأنها صنيعة النظام السوري من أجل تلطيخ سمعة الثورة السورية، ثم سمعنا انها صنيعة ايران حتى جاء اجتياح العراق وتهديد الامن الايراني القريب فتراجعت هذه الطروحات. لكننا لا نزال نرى ونسمع عن مواجهة بين ثلاثة أعداء، وهذا في السياق التاريخي والواقعي الميداني غير معقول. لا بد ان فريقا يكذب ويراوغ، لكن من هو هذا الفريق؟
لنعرض مواقف الولايات المتحدة ودول «حلف الاطلسي» وحلفائها بما فيها تركيا. انهم يراوغون، لماذا؟ هاكم بعض الوقائع:
– نشرت شبكة CNN الاميركية انه قبل ساعة من وصول الخليفة ابو بكر البغدادي الى مسجد الموصل لإلقاء كلمته، تعطلت الاتصالات الخلوية والهاتفية في منطقة الجامع، فيما أثبتت وقائع المواجهات مع الجيش السوري ان هذا الاخير فشل في اعتراض اتصالات «داعش» والتشويش عليها لان أجهزة اتصالات «داعش» بالغة التطور. وهذا يعني ان دولة كبرى وفرت الاتصالات لداعش والاجهزة. انها قطعا ليست من صنع «داعش».
– البغدادي المطلوب عالميا والذي رصدت الولايات المتحدة 10 ملايين دولار للقبض عليه اتخذ إجراءات أمنية ووصل الى جامع الموصل وألقى خطبة الجمعة وجرى تصويرها وتسجيلها من قبل محترفين، وكل هذا لم تكشفه أجهزة الولايات المتحدة التي أعلنت ان الطائرات من دون طيار الاميركية تجوب سماء العراق للمراقبة.
– من يشاهد الآليات الجديدة مع «داعش» وهي تزيد عن الألف، يحتار كيف وصلت الى شمال سوريا. ومثلها المقاتلون الاجانب كيف وصلوا. كل هؤلاء لم يهبطوا من السماء ولم ينبتوا من الأرض بل جاؤوا عن طريق المرافئ والمطارات التركية، ما يعني اشتراك تركيا بدعم «داعش».
– من يلاحق المعارك بين «داعش» و«النصرة» التي كانت حصيلتها، بحسب مصادر معارضة، سبعة آلاف قتيل، وهذا يعني انه أصيب عدد مضاعف من الجرحى الذين عولجوا في المستشفيات التركية. وهذه ليست مهمة إنسانية تركية، بل قرار سياسي بإخلاء الجرحى الى المستشفيات التركية.
– «داعش» استولت على النفط السوري وتبيعه. لكن لمن تبيعه؟ فالنفط الخام غير صالح للاستعمال المنزلي ولا للسيارات والمحركات. انها تبيعه لمصافي النفط في تركيا، وهي إما ملك الحكومة التركية أو تقع تحت سلطتها.
هذا غيض من فيض الكذب الذي يتدفق من بعض الحكومات والقوى السياسية والفضائيات. «داعش» مدعومة ولها أولياء أمر وممولون، ولها قاعدة لوجستية وعمق عملاني. وليس هناك مواجهة ثلاثية بل ثنائية، وهناك تعاون واضح بين «داعش» والفريق الاميركي التركي يعمل بالمكر والخداع.
صحيفة السفير اللبنانية – الياس فرحات