حكومة ماي الجديدة: هل يصمد سلاح البريكسيت امام جموح التحولات السياسية؟
موقع النبأ التحليلي:
تمكنت الحكومة البريطانية المحافظة برئاسة تيريزا ماي التي أضعفتها الانتخابات التشريعية، وكما نقلت بعض المصادر، من نيل الثقة في البرلمان بفارق بسيط بفضل دعم المحافظين المتشددين في الحزب الوحدوي الإيرلندي الشمالي. حيث تبنى نواب مجلس العموم البرنامج التشريعي لماي بتأييد 323 صوتا مقابل رفض 309، أي بأكثرية ضعيفة من 14 صوتا. ولم يعد حزب المحافظين يملك سوى 317 مقعدا من أصل 650 في مجلس العموم. لكنه اعتمد على أصوات النواب العشرة في الحزب الوحدوي في إيرلندا الشمالية لتفادي الأسوأ.
هذا التصويت المهم جاء بعد ان أبرمت ماي اتفاق مثير للجدل مع الحزب الإيرلندي الشمالي، لقاء تمويل إضافي بقيمة مليار جنيه استرليني، بعد أن فقد حزب المحافظين الذي تتزعمه أغلبيته البرلمانية في الانتخابات العامة التي جرت في وقت سابق. ويرى بعض المراقبين ان ماي، ستواجه الكثير من الصعوبات والتحديات وهو ما قد يجبرها تقديم تنازلات كبيرة، كما انها لن تكون في منأى من تمرد في صفوفها خصوصا حول بريكسيت، الملف الذي يثير انقساما بين مؤيدي الاتحاد الأوروبي ومعارضيه ويمكن أن يقوّض هذا الملف الكبير خارطة الطريق الحكومية. فالمقترحات الأولى لماي حول مستقبل المواطنين الأوروبيين في بريطانيا، لم تلق ترحيبا كبيرا من قبل بروكسل وتحمل على الاعتقاد بأن المحادثات في الأسابيع القادمة ستكون صعبة.
من جهة اخرى قال دومينيك كامينجز، رئيس حملة التصويت على خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبى (بريكست)، أن خروج بريطانيا من الاتحاد قد يكون أمرًا خاطئًا.. واصفًا الاستفتاء “بالفكرة الحمقاء” التى نُفذت قبل تجربة أفكار أخرى لاستعادة كسب صلاحيات من التكتل الأوروبى. وجاءت تصريحات كامينجز خلال تدوينة له عبر حسابه على موقع التواصل الاجتماعى “توتير”.
وحذر كامينجز- في تدوينته التي نقلتها صحيفة “إندبندنت” البريطانية على موقعها الإلكتروني- من أن البريكسيت فى طريقه لإحداث “انهيار مؤكد” دون الوصول لتغيرات كبيرة في الحكومة البريطانية تسمح لها بإجراء مفاوضات مثمرة.
وتعليقا على تصريحات كامينجز، قال تيم فارون زعيم الحزب الليبرالى الديمقراطى: “إن كامينجز كشف المستور”.. متهما مؤيدى “بركسيت” بخداع وتضليل الشعب البريطاني. . ومشددا في الوقت نفسه، على ضرورة إطلاع الأخير على الرأي القاطع بخصوص اتفاق بريكسيت النهائي.يوأوضحت “إندبندنت” أن هذه التصريحات جاءت وسط مواجهات جديدة ظهرت داخل أروقة مجلس الوزراء البريطاني حول شروط “بريكسيت”، حيث استغل بعض الوزراء ضعف رئيسة الوزراء البريطانية تيريزا ماي، لبحث سبل مختلفة فيما يتعلق بخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبى.
حكومة ماي
وفي هذا الشأن تصدت ماي التي تواجه احتجاجات حتى داخل معسكرها للدعوات المطالبة باستقالتها منذ النتائج السيئة التي حققتها في الانتخابات التشريعية المبكرة في الثامن من حزيران/يونيو. وقد دعت إلى انتخابات مبكرة واثقة من الفوز فيها لكنها خسرت غالبيتها المطلقة في مجلس العموم. إلا أن وسائل الإعلام لا تزال تطلق التكهنات حول عدد الأشهر أو حتى الأسابيع المتبقية لماي في منصبها.
ولم يعد حزب المحافظين يملك سوى 317 مقعدا من أصل 650 في مجلس العموم. لكنه اعتمد على أصوات النواب العشرة في الحزب الوحدوي في إيرلندا الشمالية لتفادي الأسوأ. وأبرمت ماي الاتفاق مع الحزب الإيرلندي الشمالي، لقاء تمويل إضافي. وأعرب زعيم حزب العمال المعارض جيريمي كوربن قبل التصويت عن استعداده لتشكيل حكومة إذا لم تحصل ماي على ثقة المجلس، بعد أن بات لديه 262 مقعدا.
ورفض النواب مشروع تعديل قدمه العمال ضد إجراءات التقشف ومشروعا آخر طالب بإبقاء البلاد في السوق الأوروبية الموحدة والاتحاد الجمركي. وفي مؤشر على الصعوبات المقبلة أمام ماي، أعلنت الحكومة أنها ستمول تكاليف الإجهاض في بريطانيا للنساء الوافدات من إيرلندا الشمالية، من أجل تفادي إخضاع هذه المسألة لتصويت النواب، علما أن الحزب الوحدوي يرفض الاجهاض.
وتشهد الحكومة البريطانية انقساما واضحا بين وزير المالية فيليب هاموند من جهة وبين الداعين إلى خروج البلاد من الاتحاد الأوروبي من جهة أخرى، وفي مقدمتهم وزير الخارجية بوريس جونسون ووزير شؤون بريكست ديفيد ديفيس. ويسود نتيجة ذلك تباعد في المواقف، كما حصل عندما أصر هاموند على الحاجة الملحة لفترة انتقالية بعد بريكسيت بينما اعتبر ديفيس أن ذلك ليس ضروريا. وشددت متحدثة باسم ماي أن “الجميع على الخط نفسه”. وعلق تشارلز غرانت مدير مركز الاصلاح الأوروبي بأن “الموقف البريطاني إزاء بريكسيت ينطوي على تباين واضح، بغض النظر عما يقوله ماي وديفيس علنا”.بحسب فرانس برس.
وتابع المحلل أنه من الافضل لماي أن تصغي لوزير ماليتها وأيضا للمحافظين الأسكتلنديين الذين يفضلون بريكست “مرنا”. وقال: “الحل الأبسط هو أن تستمر على النهج الذي يطالب به اليمين المتشدد إزاء بريكسيت، لكن لن يكون بإمكانها الاستمرار فيه على الأمد الطويل. وما لم تعد تقديم طرح نحو خروج ’مرن‘ فمصيرها محسوم”.
وتمكنت ماي من إحباط محاولة من حزب العمال المعارض لهزيمتها في تصويت على رواتب القطاع العام ، وقال وزير الأعمال جريج كلارك قبل التصويت “هذه… هي الطريقة التي نعتزم انتهاجها في الحكم. التصرف بطريقتنا وتوفير وظائف جيدة ودفع رواتب جيدة للناس والاستثمار في المستقبل من خلال العمل مع الشركات… تنفيذ إرادة الشعب البريطاني بالانسحاب من الاتحاد الأوروبي بطريقة منظمة ومنطقية”. وتابع قائلا “نصوت ليس فقط على برنامج تشريعي لكن على نهج أساسي لمستقبل هذا البلد”.
ولم يمر التصويت دون صعوبات. إذ اقترحت أحزاب معارضة طرح تعديلات اختبرت هدوء مؤيدي ماي واضطرت الحكومة لتقديم تنازل بشأن حقوق الإجهاض لتجنب الفشل في تمرير برنامج السياسات. وطلبت المعارضة تعديلات أخرى تحدت موقف ماي من انسحاب بريطانيا من الاتحاد الأوروبي وطلبت بقاء البلاد في السوق الموحدة للتكتل وفيما يخص التقشف انتقدت المعارضة سياسة ماي بعدم الاستثمار في الاقتصاد. لكن المقترحين قوبلا بالرفض.
لكن التصويت يظهر حجم الصعوبة التي ستواجهها ماي للدفع بتشريعات مطلوبة لتخفيف وطأة انسحاب بريطانيا من الاتحاد الأوروبي ويوضح ضيق المساحة المتاحة لها للتحرك فيما يتسابق مشرعون من حزبها ليحلوا محلها. وقال زعيم حزب العمال جيريمي كوربين إن الحكومة المحافظة “تتعثر” وعليها أن تنصاع لإرادة الناخبين الذين أرادوا وضع حد لتخفيضات في الإنفاق العام قال البعض إنها السبب في حريق أودى بحياة 80 شخصا على الأقل في غرب لندن وزاد الضغوط على الشرطة وهي تكافح هجمات ينفذها متشددون.
وقال في بيان “ليس لدى تيريزا ماي تفويض لمواصلة خفض الإنفاق على مدارسنا ومستشفياتنا وعلى الشرطة وخدمات عامة أخرى ضرورية أو لتنفيذ سياسات اقتصادية يائسة خلال الانسحاب من الاتحاد الأوروبي. سيحارب حزب العمال تلك السياسات على الدوام”. وتابع قائلا “حزب العمال فاز بالتأييد في كل منطقة في بريطانيا من أجل نهجنا الذي يعطي أولوية للوظائف خلال الانسحاب من الاتحاد الأوروبي وسياساتنا التي ستنقل الثروة والسلطة والفرص من يد قلة قليلة إلى أيدي كثيرين”.
صفقة مقابل الدعم
في السياق ذاته أبرمت رئيسة الوزراء البريطانية تيريزا ماي اتفاقا لدعم حكومة الأقلية التي تقودها بالموافقة على تمويل إضافي لأيرلندا الشمالية مقابل الحصول على دعم أكبر حزب بروتستانتي في الإقليم. وامتدت المحادثات لأكثر من أسبوعين بعد أن خسرت ماي أغلبيتها في البرلمان بمقامرة فاشلة على انتخابات مبكرة أجريت ووافقت ماي على زيادة الإنفاق على الإقليم بمقدار مليار جنيه استرليني (1.3 مليار دولار) على مدى عامين ووافقت على زيادة المعاشات سنويا بواقع 2.5 في المئة على الأقل.
وقالت ماي في بيان “أرحب بهذا الاتفاق الذي سيمكننا من العمل معا لصالح المملكة المتحدة برمتها ويعطينا اليقين المطلوب مع بدء الخروج من الاتحاد الأوروبي ويساعدنا في بناء مجتمع أكثر قوة وعدالة في الداخل”. وأبدى زعماء اسكتلندا وويلز غضبهم من الاتفاق وقالوا إنه سيضعف، ولن يقوي، العلاقات التي تربط المملكة المتحدة “بإغداق الأموال” على منطقة على حساب مناطق أخرى. وقال رئيس وزراء ويلز كاروين جونز من حزب العمال “اتفاق اليوم يمثل محاولة صريحة لإبقاء رئيسة وزراء ضعيفة وحكومة متعثرة في السلطة”.
وقالت رئيسة وزراء اسكتلندا نيكولا ستيرجن “بإبرام هذا الاتفاق الوضيع المخزي أظهر المحافظون أنهم لا يتورعون عن فعل أي شيء للبقاء في السلطة”. وقال جيري آدامز رئيس حزب شين فين الكاثوليكي الأيرلندي إن الاتفاق يمثل “شيكا على بياض” لانسحاب بريطانيا من الاتحاد الأوروبي يهدد السلام في أيرلندا الشمالية. وسيظل الاتفاق مع الحزب الديمقراطي الوحدوي ساريا حتى نهاية ولاية البرلمان الحالي في 2022. بحسب رويترز.
وشكك زعيم حزب العمال المعارض جيريمي كوربين في الكيفية التي وفرت بها الحكومة مليار جنيه إسترليني في ظل خططها لخفض الإنفاق التي قال إنها يتعين إلغاؤها الآن ليس فقط في أيرلندا الشمالية لكن في كل أنحاء المملكة المتحدة.
تمويل التطرف
الى جانب ذلك ذكرت صحيفة “ذي غارديان” وكما نقلت بعض المصادر أن رئيسة الوزراء البريطانية، تيريزا ماي، لم تقرر بعد بشأن نشر تقرير وصلها العام الماضي حول تمويل “التطرف” في المملكة المتحدة، فيما عزت السبب وراء عدم كشف نتائجه إلى توجيهه انتقادات للسعودية، بحسب تصريحات نائبة في البرلمان. وتوضح الصحيفة أنه ماي سعت منذ بداية رئاستها إلى تعميق علاقات المملكة المتحدة مع دول الخليج، ما “ترك علامات استفهام”، وفق ما تقول زعيمة حزب الخضر، كارولين لوكاس.
وقامت ماي بزيارة الرياض في إحدى رحلاتها الأولى، مباشرة بعد شروع بريطانيا رسمياً بإجراءات الخروج من الاتحاد الأوروبي، في مارس/آذار الماضي، ما يعتبر خطوة رمزية لها دلالتها الكبيرة، بحسب ما ذكرت الصحيفة. وتضيف لوكاس في تصريحها للصحيفة البريطانية، “إن التأخير في نشر تحقيقات وزارة الداخلية -التي يعتقد أنها تركز على المملكة العربية السعودية- يترك علامات استفهام حول ما إذا كان قرار نشر التقرير يتأثر بعلاقاتنا الدبلوماسية”.
وكان من المقرر أن يصدر التقرير، الذي طلبه رئيس الوزراء البريطاني السابق ديفيد كاميرون، في يناير/ كانون الثاني من العام الماضي، إلا أنّ ماي تحتفظ به منذ ستة أشهر على الأقل كون السعودية أحد أهم المستوردين للأسلحة المصنوعة في المملكة المتحدة، وذلك وفق الصحيفة. وأصبح مصير التقرير قضية مثيرة للجدل في الأيام الأخيرة من الانتخابات العامة، بعد الهجمات الإرهابية في مانشستر وجسر لندن.
من جانبه، ندّد زعيم حزب العمال جيريمي كوربين بعدم مطالبة الحكومة السعودية بضرورة الحديث عن معالجة ما أسماه “التطرف الإسلامي”. وفي ردِّها الكتابي على لوكاس ، قالت كل من وزارة الداخلية والحكومة، إن رئيسة الوزراء مسؤولة شخصياً عن اتخاذ القرار فيما إذا كان سيتم نشر التقرير أم لا. وأضافت وزيرة الداخلية سارة نيوتن: “إن عملية مراجعة ملف تمويل التطرف الإسلامي في المملكة المتحدة كانت بتكليف من رئيس الوزراء السابق، وقُدم التقرير إلى وزير الداخلية ورئيس الوزراء في عام 2016”. وتابعت: “وقد مكنت عملية المراجعة من تحسين فهم الحكومة لطبيعة وحجم ومصادر تمويل التطرف الإسلامي في المملكة المتحدة، ويعود قرار نشر التقرير لرئيس الوزراء نفسه”.
وقدَّمت لوكاس سؤالها البرلماني حول مصير عملية المراجعة، إلى رئيسة الوزراء، التي ردت على السؤال لتؤكد أن الوزراء ما زالوا “يتشاورون حول ما يمكن نشره، وسوف يقدمون تقريراً إلى البرلمان مع تحديث في الوقت المناسب”. ووصفت لوكاس هذا التأخير بـ”المدهش”، وقالت إنه يتعين على الحكومة الكشف عن فحوى الاستشارة التي حالت دون نشر التقرير، وما إذا كان ذلك تم لأسباب دبلوماسية. وأضافت “أن التقرير يوجد الآن بين يدي الحكومة، لكنها ترفض نشره أو تقديم أي سبب لتكتمها المستمر عليه”.
وقالت لوكاس، إن الهجمات الإرهابية التي وقعت في جسر لندن وميدان مانشستر جعلت الناس “يطرحون أسئلة مشروعة حول الطرق المؤدية إلى التطرف، وأن تمويل الإرهاب له دور محوري في ذلك”. وأضافت: “إنني أحثُّ تيريزا ماي على الكشف فوراً عن مصدر النصيحة التي يلتزمون بها، فيما إذا كان سيتم نشر هذا التقرير أم لا، وبذل كل ما في وسعهم لوضع الحقائق في متناول الرأي العام إذا كان ذلك آمناً”.