حزب الله يُناقش الراعي في زيارة القدس.. والرئاسة
صحيفة السفير اللبنانية ـ
غراسيا بيطار:
«لا تزر القدس». هي خلاصة الرسالة التي وجهها «حزب الله» الى البطريرك الذي رد: «بل سأزورها». ليس المشهد «صداميا»، ولكن لا شك انه عبارة عن مفهومين مختلفين. الجانبان يؤكدان أن لا تشكيك في النوايا. الأرضية جيدة، ولكن في اللقاء الذي تجاوز الساعة وربع الساعة، عرض كل من وفد المجلس السياسي في «حزب الله» برئاسة رئيس المجلس ابراهيم امين السيد يرافقه عضوا المجلس غالب ابو زينب والحاج مصطفى الحاج علي، والبطريرك الراعي بحضور المطران سمير مظلوم ومسؤول الاعلام في الصرح وليد غياض، وجهة نظره في الزيارة «الجدلية». قدم الحزب قراءته. عرض لمخاطر الزيارة وبأن «اسرائيل تنتظر اي حركة من الجانب اللبناني لكي تستغلها لمصالحها. مجرد الزيارة، حتى لو لم يحصل اي خرق فيها، يمكن لاسرائيل ان تستغلها». وازن امام رأس الكنيسة المارونية بين سلبيات الزيارة والايجابيات ليخلص الى القول بأن «السلبيات اكثر بكثير من الايجابيات، ما يفترض عدم الاقدام عليها.. ولكن الرأي رأيكم في النهاية».
في الميزان البطريركي زوايا مختلفة. لا يريد البطريرك تحميل زيارته اكثر مما تحتمل. أبلغ زائريه بأنه يتلقى كما هائلا من رسائل الترحيب من قلب فلسطين، مسيحيين ومسلمين، وفيها خشية من ان يتراجع عن قرار الزيارة. أخبرهم بانه يريد ان يتفقد اوضاع هؤلاء ويحثهم على البقاء في الارض. «فهذه الزيارة من شأنها ان تدفع كثيرين ممن اخذوا قرار الهجرة الى العدول والتمسك بأرض فلسطين، وهي رعوية بحتة ولا علاقة لها بأي هدف سياسي».
قبل زيارة الحزب الى الصرح وبعدها، ما يزال برنامج الزيارة نفسه: «7 أيام يمضيها البطريرك بين الاردن والاراضي المقدسة على رأس وفد مؤلف من ثلاثة اشخاص فقط». الى يسار البطريرك، في رحلته المقدسية، سيقف بطبيعة الحال نائبه البطريركي العام المطران بولس صياح الخبير في شؤون الاراضي المقدسة التي خدم فيها رعويا طوال 16 عاما. واما الى يمينه، فالمكان محفوظ دائما لـ«ظله» و«يده اليمنى» وليد غياض. ولأن الاخير لا يملك جواز سفر فاتيكانيا سيصار الى اعتماد صيغة «إذن مرور» على جواز سفره اللبناني كي لا يتلوث بالختم الاسرائيلي. أسبوع، في المبدأ، يمضيها الزائرون الثلاثة بين استقبال البابا في الاردن في 24 من الجاري الى زيارة بيت لحم والجليل وما يتخللها من تدشين مكتب لـ«نور سات» والتنشئة المسيحية التي لا يتخلف عنها البطريرك ولقاء مع رعية مار شربل المارونية ليعود بعدها الى لبنان السبت 27 الجاري.
زيارة الحزب لم تقتصر فقط على القدس وانما ايضا على الملف الرئاسي. في هذا الموضوع، لمس الوفد المرارة التي يشعر بها البطريرك من اقتراب الشغور الرئاسي من دون انتخاب رئيس جديد بعد. شرح له الوفد ان «الامور ليست بالسهولة التي يتصورها البعض، ولكن الجهود ستتواصل قبل 25 ايار». وعندما شمل الحديث تيار «المستقبل» وتحدّيه بان الحزب لا يمكن ان يقبل برئيس قوي من مصاف العماد ميشال عون. يأتي رد الحزب: «فليزركونا في الزاوية ويتبنوا ترشيح عون والباقي علينا». من جهته، اكد البطريرك ان التمديد «تهمة ألصقت ببكركي وهي براء منها». مقربون منه يلفتون الى «تركيبة» ثانية تحضر لالصاقها بالبطريرك. تقول: «يجري الحديث عن أرنب يعتزم البطريرك اخراجه الى العلن قبل 25 ايار كحل عجائبي للمعضلة الرئاسية.. وهذا لا يمت الى الواقع بصلة». فكل ما يشدد عليه البطريرك هو «عدم اقفال قصر بعبدا، وهذا لا يعني التمديد وانما التنبيه لكون هذا الباب تحديدا يتم الاستهتار به، على عكس ما يحصل في استحقاق كل من رئاسة المجلس او رئاسة الحكومة. تريد الكنيسة ان نكون في الاستحقاق الرئاسي الى الطاولة وليس على الطاولة». ومن هنا العتب الكنسي الكبير على جنرال الرابية والذي قد يؤدي الى اندلاع الخلاف بين الجانبين. هل سيقوم البطريرك باعلان اسماء النواب المسؤولين عن تطيير النصاب في الجلسات الرئاسية؟ او هل سيعلن الاسم الذي رست عليه استطلاعات بكركي؟ يجيب مقربون من البطريرك: «لنكن واقعيين. مجلس النواب هو في النهاية المسؤول عن انتخاب الرئيس وليس بكركي او اي جهة اخرى. هل نحن في مدرسة لكي تعمد بكركي الى هكذا نوع من العقاب؟ من يريد انزال بكركي الى مثل هذا البازار؟ هل تنجر الكنيسة الى تسويد وجهها مع كل العالم وتلجأ الى مثل هذه الاساليب، وهي تدرك انه في النهاية يجب ان يقف كل طرف عند مسؤولياته الوطنية؟». ويضيفون: «كل ما تريده الكنيسة ان تتم الانتخابات بشكل ديموقراطي وليفز من ينتخبه النواب في المجلس ايا يكن، سواء من الاقطاب الاربعة او من غيرهم. فالرئيس لم يمت فجأة لكي نتصرف بهذه الطريقة وانما مرت ست سنوات. اين كانوا كل المرشحين الى الرئاسة لكي يستعدوا للاستحقاق؟».
بعد اللقاء، أوضح إبراهيم أمين السيد ان الزيارة «للنقاش المباشر، ونحن لنا رؤية ووجهة نظر قدمناها عن الزيارة وهي لن تتغير. الموضوع لا يتعلّق بالخلفيّة أو المنطلقات أو النّوايا، ونحن متّفقون على سلامة النّوايا وعلى المنطلقات الوطنيّة والدّينيّة، ولكنّنا تحدّثنا عن المخاطر والسّلبيّات في تداعيات هذه الزّيارة على مستوى لبنان أو مع الكيان الإسرائيليّ الصّهيونيّ المحتلّ أو في المنطقة.» وفي الموضوع الرئاسي، اشار الى انه: «إذا لم يكن هناك رئيس متّفق عليه ويشكّل شخصيّة لكلّ اللّبنانيّين، وليس شخصيّة تحدّ ويُدخل البلد في أزمات ومشاكل كبرى، فان حزب الله لن يشارك في جلسة الانتخاب». واعتبر انه «ليس هناك في لبنان شيء يُسمّى الدّيموقراطيّة المجرّدة، والخالية من السّياسة. العمليّة الانتخابيّة في لبنان هي عمليّة ديموقراطيّة وسياسيّة معاً. أيْ أنّ هناك مكوّنات سياسيّة في لبنان لها حساباتها السّياسيّة تدخل في الاعتبار عند الانتخابات الرّئاسيّة.» وختم مؤكدا انه لم يتم التحدث مع الراعي باسماء المرشحين، لافتا الى ان الحزب سيعلن عن مرشحه فور اعلان المرشح عن نفسه للانتخابات، آملا ان يتم «الاتفاق بين اللبنانيين غدا لانتخاب رئيس».
وفي إطار آخر، أثنى البطريرك الراعي على دور السّفير السّعوديّ في لبنان علي عواض عسيري وعلى جهوده الحثيثة المشجعة للسيّاح العرب والسّعوديّين على العودة من جديد للسّياحة والإصطياف في لبنان، طالباً منه نقل شكره إلى الملك عبداللّه بن عبد العزيز على المساعدة التي أمر بتقديمها إلى الجيش اللّبنانيّ. كلام الراعي جاء خلال استقباله السّفير العسيري الذي قال بعد اللقاء: «ان السعودية تدعم اي توافق لبناني لبناني بامتياز لانتخاب رئيس للجمهورية، وخصوصا انه يؤمن الأمن والاستقرار والرفاهية للبنان، ولكن ليس من المفيد وليس من المعقول وليس من المقبول ان تتدخل المملكة او اي دولة اخرى في الشؤون اللبنانية. وهذا الاستحقاق يقع على عاتق المسيحيين في الدرجة الاولى، ومسؤوليتهم الكبيرة تجاه بلدهم. هناك شركاء لهم في هذا البلد، ولكنني اعتقد ان هذا الموقع الرئاسي يخص الطائفة المسيحية بالدرجة الاولى، وبالتالي التوافق المسيحي ـ المسيحي اللبناني ـ اللبناني بالشراكة مع كل القوى السياسية، عليه ان ينتج شيئا. لذلك نتمنى ان يتوافق اللبنانيون على شخص قادر ان يواجه التحديات. والسعودية تبارك اي توافق سياسي».
وكان الراعي قد التقى رئيس «الرابطة المارونية» النقيب سمير أبي اللمع، وجرى عرض الأوضاع الراهنة، ولا سـيما الاستحقاق الرئاسي.
وأكّد أبي اللمع أن «الرابطة ستبقي اجتماعاتها مفتوحة، بهدف الضغط لانتخاب رئيس جديد للجمهورية، ضمن المهلة الدستورية».