حزب الله يواجه الخطر.. بمدّ اليد
صحيفة السفير اللبنانية ـ
عماد مرمل:
مع تصاعد الخطر التكفيري وتمدده، وجد “حزب الله” ضرورة لتعديل خطابه وأولوياته، انسجاما مع طبيعة هذه المرحلة المفصلية، والتهديد الوجودي الذي تنطوي عليه.
وإذا كان الحزب يواجه قاطعي الرؤوس بالقوة العسكرية خارج الحدود، فهو قرر ان يرد في الداخل.. بمد اليد.
وبالرغم من ان خصومه ينظرون اليه باعتباره حزباً حديدياً يفتقر الى المرونة في حركته، إلا انه ثبت في التجربة ان لديه قدرة على التكيف مع الاحداث ومحاكاة متطلباتها، بأسرع مما يفعله كثيرون من الذين يملكون حجما أقل، ووزنا أخف، ودورا أضعف، وحسابات أسهل.
وانطلاقا من ضرورات الاستجابة لخصوصية المرحلة الحالية التي وسمها “داعش” بطابعه وتحدياته، أبدى الحزب في الآونة الاخيرة انفتاحا على خصومه في الداخل سعيا الى إيجاد مساحة مشتركة، ولو ضيقة، تكون قاعدة انطلاق لمواجهة الخطر الداهم الذي لا يميز بين “8 و14 آذار”.
وعلى هذا الاساس، كان الخطاب العابر للاصطفافات التقليدية الذي ألقاه الامين العام للحزب السيد حسن نصرالله في ذكرى الانتصار في حرب تموز، ثم تلاه موقف لافت للانتباه من الشيخ نعيم قاسم تضمن مدا لليد الى فريق “14 آذار”، واستعدادا للحوار والاتفاقات والالتزامات.. كل ذلك، تحت سقف تغليب أولوية التصدي للتهديد التكفيري على الخلافات الداخلية التي تصبح ثانوية امام المنعطفات المصيرية.
حصل ذلك، قبل زيارة نائب وزير الخارجية الايراني حسين أمير عبد اللهيان الى السعودية ولقائه “الايجابي والمثمر” مع وزير الخارجية الامير سعود الفيصل، وهو تطور يؤشر الى تحسن في المناخ الإقليمي، ربما يعزز الاشارات الايجابية المرسلة من الحزب ويمهد الطريق امام إمكانية التجاوب معها، إذا صدر الضوء الاخضر من المكان الذي يتحكم بجزء رئيسي من “الاشارات المرورية” في لبنان.
وهناك في لبنان من يتطلع الى ان ينعكس الانفراج الموضعي في علاقة ايران – السعودية وتحسسهما بخطورة ظاهرة “داعش”، شيئا من الحلحلة في الازمة الداخلية وفي العلاقات المقطوعة بين الاطراف المتخاصمة، وتحديدا بين الحزب و”المستقبل”، مع الاشارة الى ان المعلومات التي وصلت الى متابعين في بيروت تفيد بأن الرياض تقارب الملفات الاقليمية باعتبارها مترابطة، وهذا يعني ان التسوية في العراق حول رئاسة الحكومة، قد يكون لها مردودها على لبنان، عملا بمفهوم “الاوعية المتصلة”، وإن يكن البعض ينصح بعدم الاستعجال في التفاؤل ورفع سقف التوقعات، لان الهوة أوسع من أن تردمها زيارة.
ويؤكد المطلعون على الاجواء الداخلية في “حزب الله” ان الدعوة الى الحوار والتفاهم التي أطلقتها قياداته تباعا، إنما هي موجهة بالدرجة الاولى الى تيار المستقبل الذي يشكل رأس الحربة لفريق “14 آذار”، لافتين الانتباه الى ان الارتباط العضوي لهذا التيار بالقرار السعودي يجعل استجابته مرهونة بتوجهات الرياض التي يؤمل في ان تكون قد أصبحت أكثر واقعية وإيجابية بعد استئناف الحوار مع طهران.
ويرى هؤلاء ان الحزب حاول، منذ تفاقم ظاهرة الارهاب التكفيري، ان يصيغ مسارا محليا متفلتا من الايقاع الخارجي، لافتين الانتباه الى ان الحزب بادر الى رسم توجهه السياسي الانفتاحي قبل ان يحصل اللقاء السعودي – الايراني، بل إن المناخ الاقليمي كان متأزما عندما بدأ الحزب بدعوة الآخرين الى ملاقاته في منتصف الطريق لمواجهة الخطر المشترك، “وهذا دليل إضافي على استقلاليته وعلى ان ايران وسوريا لا تمليان عليه خياراته، والاصح انه في علاقته مع هذين الحليفين يؤثر أكثر مما يتأثر.”
ويعتقد الحزب ان هناك إمكانية لإيجاد أرضية تلاق مع “المستقبل” على قاعدة الاولويات الآتية: مواجهة التكفيريين، الالتفاف حول الجيش، ضبط الخطاب التحريضي والابتعاد عن التعبئة المذهبية، مع قابلية البناء على هذه القواسم المشتركة للخوض لاحقا في الملفات الخلافية العالقة.
ووفق مقاربة الحزب – نقلا عن العارفين – انه لم يعد من الجائز استمرار الحال في الداخل على المنوال الراهن، وكأن “داعش” لم يقتحم المشهد، ومن لا يلتقط خطورة ما يجري في المنطقة امتدادا حتى لبنان، وبالتالي لا يتصرف وفق ما تمليه حساسية اللحظة وحراجتها، إنما يعاني من قصور سياسي فادح.