حزب الله وسوريا: ارتباط الديني بالسياسي
موقع إنباء الإخباري ـ
ماجدة ريا:
تنشط أذهان الباحثين والكتاب في الفترة الأخيرة وتجتهد لتعبّر عمّا آل إليه الحال في واقع الأزمة السورية.
والخلط ما بين السياسة والدين عند البعض ممن لا يعون مدى الإرتباط بينهما يجعل الرؤية لديهم مشوشّة وغير واضحة، فيرسمون الحدود التي يريدون، ويجترحون ما يدّعون أنه واقع أو حقيقة.
ولكن ما يقولونه لا يعدو كونه وجهة نظر تعبّر عن رؤيتهم للأمور. ويمكن اعتبار هذه الرؤية قاصرة، لا لأنها تتعارض مع عقيدة ما، ولكن لأنّها عندما تتحدّث عن فئة ما، تتحدّث بسطحية، لأنّها لم تتمكّن من لمس الحقيقة عند هذه الفئة. وفي الواقع فإن هذه المجموعة من الباحثين والكتّاب لا تلام على ذلك، لأن ما عند هذه الفئة لا يمكن أن يصل إليه إلاّ من وفّقه الله لذلك.
فمع كل الدراسات التي أجريت في أمريكا والكيان الصهيوني، لفهم حقيقة عقيدة حزب الله، لم يتوصل الباحثون هناك إلى ما يريدون، وما زالت الأمور بالنسبة إليهم في غاية الغموض، ولن يتمكنّوا أبداً من فهم طبيعة السر الإلهي لإنتصار المقاومة في عدوان تموز 2006. ليس هم وحدهم، وإنما هذا الأمر يبقى بعيداً عن متناول الكثيرين ممن يشربون من نبع لا يأتلف مع روحية وطبيعة هؤلاء الناس المقاومين.
فبعض المنظّرين، ينظرون إلى أن المقاومة قد أخطأت بالذهاب إلى سوريا، سواء من أجل حماية اللبنانيين المتواجدين في القصير وريفها (القرى السورية الحدودية)، أو حتى في الدفاع عن مقام السيدة زينب عليها السلام، ويعتبرون أن حزب الله يفعل ذلك بدافع مذهبي متغطياً بغطاء المقاومة!! ويقولون “من أجل إشعال نار المذهبية يمدّون جسراً مما حدث قبل حوالي 1400 عندما سبيت السيدة زينب (عليها السلام) من قبل يزيد (لعنة الله عليه)”، وتستثيرهم عبارة زينب لن تسبى من جديد! ويستنتجون من ذلك أن الأمر هو بحت ديني لا علاقة له بالمقاومة!
من يفكّرون بهذه الطريقة يرتكبون عدة مغالطات جوهرية نابعة من رؤيتهم ونظرتهم للأمور وفق معيار هو أبعد ما يكون عن الحقيقة، لأن من يعيش عين الحالة ليس كمن ينظّر من خارجها، ومن يريد أن ينظّر من الخارج لا بدّ له من أن يكون قد توصل إلى ما يعيشه هؤلاء لتكون نظرتهم أقرب إلى الحقيقة.
المغالطة الأولى والأساسية هي أن شعبية حزب الله ـ كما يسمونها ـ وقيادته، لا يمدّون جسراً عبر الزّمن، وإنما الزمن لم ينقطع يوماً عن عاشوراء الحسين لكي يعود هؤلاء الناس للإتصال به، فهؤلاء هم امتداد لكربلاء، منذ ذلك الزمن وحتى يومنا. ربما على هؤلاء أن يطّلعوا على قليل من ثقافة هذه الفئة لكي يدركوا أموراً كثيرة ومنها شعار “كل يوم عاشوراء وكل يوم كربلاء”. وهذا الشعار له معانيه ومضامينه، أختصر منها القول بأن هذه الفئة ستواجه أي ظلم وأي عدوان كما واجه الإمام الحسين عليه السلام في عاشوراء.
ولو توسّعوا في ثقافتهم قليلاً لاكتشفوا أن عاشوراء ـ التي كانت قبل 1400 سنة كما يقولون ـ هي مدرسة لكل أحرار العالم على امتداد الزّمن ولا زالت، هي عقيدة مستمرة وباقية حتى تقام دولة الحق على الأرض.
ومن هذا التحليل أدخل إلى المغالطة الثانية التي لا تقلّ أهمّية عن الأولى، وهي أن هذه الفئة لا تفصل السياسة عن الدين، فالقائد العظيم مفجر الثورة الإسلامية المباركة التي ننتمي إليها فكراً ونهجاً وعقيدة،الإمام الخميني العظيم (قدس) يقول ” ديننا عين سياستنا” فلا فصل بين الدين والسياسة. إذاً إذا كانت المقاومة هي السياسة المتّبعة من قبل حزب الله في مواجهة الأعداء فإنها هي عين الدين أيضاً، والشهداء الذين يستشهدون من أجل حماية الأرض والعرض إنّما يفعلون ذلك اقتداء بنهج الإمام الحسين عليه السلام، وهم يدافعون عن الحق في وجه الظلم. ومن هنا أقول: الظلم ليس بالضرورة أن يكون محصوراً بالعدو الصهيوني، وإنما الظلم يمكن أن يأتي من أي اتجاه، من أي فئة باغية.
وهذه فئة تدّعي الإسلام، بغت وتطاولت، وعربدت بكفرها وفجورها، وظلمت واعتدت. والمعتدى عليه أهلنا وناسنا، لبنانيون بحاجة لمعين، فلماذا يلام حزب الله في مد يد العون لهؤلاء؟ أنه يدافع عن أهله وناسه، وليعجب ذلك من أعجب وليرفضه من يرفضه، فحتى القتال ضد العدو الصهيوني كان هنالك من يتذمّر منه.
أما الدفاع عن مقام السيدة زينب عليها السلام، فهو دفاع عن المقدّسات، وهو واجب مقدّس. هؤلاء الزمرة من المتأمركين المتصهينين التكفيريين لا يمكن السكوت على غيّهم وبغيهم عندما يتعلق الأمر بالمقدّسات، حزب الله يردّ الإعتداء، يدافع عن أهله ومقدّساته وهذا ما يجب أن يعرفه الجميع.
هنا المواجهة بين الحق والباطل، هنا واجب الدفاع المقدّس، وليس استثارة لأية نعارات مذهبية، فكثيرون من أهل السنة هم أحبّاؤنا وأهلنا، والأمر ليس مذهبياً أبداً، وأن ما يحدث هو دفاع عن النفس ضد من شحذوا هممهم وخناجرهم لذبح كل من لا يعتقد بمعتقدهم حتى لو كان سنياً!
هؤلاء شحذوا هممهم للإعتداء على القبور والأموات، وعلى كل شيء بهمجية ووحشية، فهم يمثّلون بالجثث، وهذا محرّم بالإسلام، هؤلاء ينبشون القبور ويعتدون على حرمة الأموات، وحزب الله من حقه أن يدافع ضريح السيدة زينب، ولن يسمح للظلم أن يأخذ مجراه، ولو قدّم الشهداء على مذبح الفداء.
لا بدّ لهؤلاء ـ وبعضهم هو بالفعل عدو لإسرائيل، ومع المقاومة من هذه الناحية ـ أن يكونوا أكثر تفهّماً وتعقّلاً في مقاربة هذه الأمور، من أجل وضع الأمور في نصابها، وعدم أخذها إلى أماكن خاطئة، أو كي يسهّلوا على أنفسهم عسر الهضم في التفكير، ولكي تأتي المقولات والتحليلات في مكانها الصحيح، أو لتقارب على الأقل بعضاً من الحقيقة حول ما جرى ويجري في سوريا.