حزب الله واللعب النظيف
موقع العهد الإخباري-
فيصل الأشمر:
من الواضح للمتابعين دأب حزب الله وحرصه على الوحدة بين كل المسلمين. كذلك يفعل كتّابه وخطباؤه في المناسبات وعلى المنابر. وهذه الوحدة الإسلامية التي هي أحد شعارات الحزب لا أظنها وضعت ضمن أهداف ومبادئ الحزب وضعًا احتفاليًّا أو شعورًا من قيادة الحزب بأن الأقلية الشيعية في بحر العالم الإسلامي السني تحتاج إلى ممارسة تقيةٍ عرف بها الشيعة فيما مضى، ومارسوها في مناسبات الخطر والخوف على الدين والمذهب، وهي لم توضع أيضًا تقرّبًا من دولة عربية أو إسلامية ما في سبيل الحصول على كسب ماديٍّ أو معنويٍّ منها.
الوحدة الإسلامية التي ينادي بها حزب الله هي الوحدة الواجبة شرعًا، يوجبها الإسلام في قرآنه وكلمات رسوله قبل إيجابها من ناحية العقل والمنطق والفكر السليم. وهذه الوحدة قوةٌ للإسلام والمسلمين، وقوةٌ للحق والعدل والإنسانية، كما يجب أن تكون.
وقد كان الاعتقاد بهذه الوحدة الإسلامية من دوافع وقوف حزب الله إلى جانب إخوانه الفلسطينيين في مواجهة الكيان “الإسرائيلي” المؤقت، المعتدي والمغتصب لأرض فلسطين، ودعمه للقضية الفلسطينية بالسياسة والإعلام والسلاح، وهنا استدراكٌ صغير، قبل العودة إلى أصل الموضوع.
إن وقوف حزب الله إلى جانب إخوانه الفلسطينيين بكل الأساليب المتوفرة، وعداء حزب الله للكيان المؤقت، ومناهضة هذا الكيان من قبَل حزب الله، لم يجعل كل يهودي في العالم عدوًّا للحزب، إذ فرّق الحزب تفرقةً منطقيةً واقعيةً أصوليةً بين اليهودي “الإسرائيلي”، أي ذاك المحتل لفلسطين، أيًّا يكن أسلوب احتلاله، وأيًّا يكن أسلوب ممارسته لهذا الاحتلال، من انتسابٍ إلى جيش العدو، أو من تعاطٍ للعمل السياسي أو الثقافي أو الاقتصادي أو غير ذلك من مجالات، أو حتى السكن والإقامة في أرض فلسطينية مغصوبة من أصحابها الفلسطينيين، وبين اليهودي غير الصهيوني وغير “الإسرائيلي”، الذي لا يعترف بالكيان المؤقت ولا يؤمن بدولة الاحتلال ولا يمارس العداء للفلسطينيين. إلى هذه الدرجة يُعمل حزب الله العقل والمنطق وكل ذلك من باب قَولِهِ تَعَالَى: (وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى).
ومع هذه الآية (وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى) عودة للحديث عن الوحدة الإسلامية من وجهة نظر حزب الله، وهي وجهة نظر الإسلام الذي يوجب على جميع المسلمين أن يكونوا إخوة، محرّمًا عليهم مال ودم وعرض بعضهم بعضًا.
تعني الوحدة الإسلامية، من ضمن ما تعنيه، دفاع الدول والشعوب الإسلامية عن بعضها بعضًا، ودفاع الأحزاب والقوى الإسلامية عن هذه الدول والشعوب، من هنا يرى حزب الله، إيمانًا منه بما يراه الإسلام، أن كل الدول الإسلامية واجب عليها الدفاع عن الفلسطينيين ودعمهم بكل الوسائل للتحرر من العدو “الإسرائيلي”، على أساس أن لا قضية أهم وأولى لدى المسلمين من قضية فلسطين.
ولأن بعض الدول الإسلامية، لا سيما العربية منها التي ادعت حمل هم القضية الفلسطينية سياسيًّا وإعلاميًّا، كانت تعمل في الخفاء ضد هذه القضية، حتى وصل ببعضها الأمر إلى عقد اتفاقات “سلام” مع العدو “الإسرائيلي”، وببعضها إلى التطبيع معه، حصل الفراق بين بعض هذه الدول وبين حزب الله، هذا بالإضافة إلى قضايا كانت موضعًا للخلاف بين الطرفين، لا علاقة لها بالقضية الفلسطينية مباشرةً، دون أن يعمد حزب الله إلى التصعيد السياسي والإعلامي مع هذه الدول إلا مع تلك من بينها التي تمادت في الهجوم السياسي والإعلامي ضد حزب الله، ووصلت أحيانًا إلى أكثر من الهجومين السياسي والإعلامي.
ولأن الناس في العادة “على دين ملوكها”، تأثر مواطنو الدول الإسلامية العربية بخطابات زعمائهم المعادية لحزب الله، وأظهر لنا الإعلامان القديم والجديد خليطًا من الكره والتكفير وتزوير الوقائع والحقائق والتاريخ، والشتائم والبذاءات، مما امتلأت به الشاشات ومنصات وسائل التواصل الاجتماعي، وظهرت في هذه الهجمة أهمية عدد الجمهور والمال المنفَق في هذه الحرب الجائرة ضد حزب الله وبيئته.
الاختلاف بين الكيان المؤقت والأنظمة الإسلامية العربية
لم يلجأ جمهور حزب الله، في عمومه، إلى تكفير الأنظمة الإسلامية العربية، لأن “التكفير” موضوع شرعي لا لعب فيه في وسائل الإعلام، حتى “داعش” الإرهابية التي قاتلها حزب الله لبغيها وظلمها لم يعدّ عناصرَها كفّارًا، وتوجّهَ هجوم الحزب توجّهًا سياسيًّا في مواجهة حرب الأنظمة ضده، لأن الفرق كبير بين الحرب مع الكيان المؤقت وبين مواجهة هذه الأنظمة.
فالكيان المؤقت كيان غير شرعي من كل الأوجه؛ قانونيًّا وشرعيًّا ودينيًّا وإنسانيًّا، و”مواطنوه” محتلون أرضًا ليست أرضهم، و”مدنيوه” من إناث وذكور جنود احتياط في جيشه.
أما الأنظمة الإسلامية العربية، فالخلاف معها جهته زعماؤها وأنظمتها السياسية، وهي أنظمة غير محتلة ولا معتدية على شعوبها في الأصل، وإن كان بعضها يحرم بعض شعبه أو كله من حقوقه الدستورية والإنسانية كما يحصل في السعودية والبحرين، أو يعتدي ويقتل مسلمين وعربًا كما تفعل السعودية ومعها الإمارات في اليمن. وهنا لا نرى تدخلًا لحزب الله في شؤون هذه الأنظمة الداخلية، ولا يعادي شعوب هذه الدول، فهم مسلمون عرب كأفراد وجمهور وبيئة حزب الله، ولا يجوز عداؤهم، ولولا حرب أنظمتهم على الحزب لما كان هذا النفور بينهم وبين بيئة الحزب، وقد شهدنا حبهم واعتزازهم بالحزب فيما سبق وإلى اليوم، قبل أن تعلن الأنظمة حربها على حزب الله.
ثم لا ننسى هنا موقف بعض هذه الشعوب من “سلام” وتطبيع دولها مع الكيان المؤقت، ورفضها لهذا الموقف المشين، وتعبيرها على قدر استطاعتها عن اعتراضها على هذا الموقف.
وبعد، إن لاعبي المنتخب السعودي ليسوا مثل اللاعب الخصم ميسي، المعلن الحب والوله بالكيان المؤقت، وبالتأكيد السعوديون أقرب إلى قلوبنا ونفوسنا من الأرجنتينيين وغيرهم لوحدة الدين واللغة والدم والعرق والقضية، أما من يحب ميسي والمنتخب الأرجنتيني أكثر من حبه للمنتخب السعودي، فربما معظم الجمهور معه في هذا الحب الكروي لانه بالنتيجة محب للعبة يعشقها أبناء الكرة الارضية من مشاربهم كافة.