حزب الله… إلى العراق أيضا؟
سُئلَ فيلسوف الثورة والدولة في كل العصور، فلاديمير لينين، حول مقولة رفيقه القياديّ الشيوعيّ البلشفيّ، لونا تشارسكي، إن «ديني هو الاشتراكية»!
أوضح القائد ما يلي: إذا كان القائل شيوعياً، فهذا يعني أنه ينتقل من الاشتراكية إلى الدين، وإذا كان القائلُ رجلَ دين، فهذا يعني أنه ينتقل من الدين إلى الاشتراكية!
عبر تاريخه، مرّ حزب الله ــــ لبنان، في أربع مراحل: من حزب ديني يقاوم، ولكنه مشوب بكل الأعراض المَرضية لأي حزب ديني من التعصب والصدام مع القوى المدنية، ومنطلقاً من أسّ البلاء لأي حركة اسلام مسيّسة، أي السعي إلى فرض نموذج شرعي وثقافي على المجتمع؛ في تلك المرحلة، كان الحزب يرى العالم فسطاطين دينيين، حتى أنه دعم انفصال البوسنيين الرجعيين ضد يوغوسلافيا المعادية للإمبريالية، فقط لأن البوسنيين مسلمون! في المرحلة الثانية التي تبلورت خلال التسعينيات، انتقل الحزب إلى حركة مقاومة لتحرير الأراضي اللبنانية من الاحتلال الإسرائيلي، أي أنه، مع احتفاظه بالدوافع الدينية، انتقل، واقعياً، من حقل الشريعة إلى حقل المقاومة. وعلى كل ما يمكن أن نسجّله على فترة التفاهم مع المشروع النيوليبرالي الحريري، فإن أفضل ما في هذه الفترة أن حزب الله تبنى مقولة المسيح العلمانية «دع ما لقيصر لقيصر، وما لله لله».
في المرحلة الثالثة، منذ انتصاره في حرب 2006 على الآلة العسكرية الإسرائيلية، انتقل الحزب إلى قوّة ردع وطنية وقومية؛ بقي يُسمى «حزب الله»، ولكنه تحوّل، واقعياً، إلى حزب الاستقلال اللبناني، الحزب الذي يحمي الأرض والسيادة والثروات ويمنع العدوان ويسمح بحركة التقدم؛ جاء ذلك النصر تتويجاً عسكرياً لانتقال سياسي نحو العلمنة الوطنية من خلال وثيقة التفاهم مع التيار الوطني الحر؛ فعندما يشطب أي حزب ديني من استراتيجيته، هدف فرض الشريعة على الدولة، يكون قد تحول من الديني إلى الوطني.
في المرحلة الرابعة، تحوّل حزب الله، بمشاركته المجيدة في الدفاع عن النظام القومي العلماني السوري، من قوة وطنية لبنانية إلى قوة إقليمية، وعلى وجه الدقة إلى قوة مشرقية؛ وفي مصهر القتال في سوريا، طوّر الحزب أدواته الفكرية التحليلية السياسية، فأصبح يرى إلى العلاقات الدولية من منظور فسطاطين، إنما ليس على أساس ديني، وإنما على أساس العداء للإمبريالية؛ العداء للإمبريالية؛ وليس للآخر الديني أو المذهبي، صار محورُ التحالفات؛ والذين وقفوا إلى جانب الانفصال البوسني الرجعي منذ ربع قرن، ضد الصرب الأرثوذكس، أصبحوا الآن في الجبهة الروسية الأرثوذكسية في أوكرانيا! ولا ريب؛ فحزب الله هو عضو في تحالف دولي يمتد من بكين إلى موسكو إلى طهران إلى بغداد إلى دمشق إلى لبنان الذي ما يزال قسم من أبنائه يرفض أن يحصل بلدهم الصغير على هذا الموقع الكبير!
ولكننا، بالأساس، كنا نقصد الحديث عن حزب الله والعراق؛ وقد أسهبنا في التمهيد ــــ إنما أقلّ مما ينبغي ــــ وسأضع، الآن، النقاط على الحروف:
لا يحتاج حزب الله أن يذهب… إلى العراق، إلا، ربما، في الحدود اللازمة؛ فحزب الله موجود فعلا في هذا البلد، وله من الحضور والنفوذ والقوة المعنوية، الكثير؛ ووجوده ينبغي أن يرتفع إلى مستواه كقوة إقليمية مشرقية لا تميّز ولا تنحاز، ديدنها المقاومة وخط المقاومة، محلياً وعربياً ودولياً.
ــــ حزب الله مؤهل للتدخّل الكثيف في العراق، إنما بمبادرة سياسية، ومن طراز جديد:
ــــ فالحزب الذي يفاوض تيار المستقبل، وحتى حزب الكتائب، في لبنان، يستطيع أن يفاوض، ويدفع «التحالف الوطني العراقي» إلى التفاوض مع البعثيين والتيارات والتعبيرات السياسية العربية السنية؛ ولا أقصد بالضرورة الجلوس إلى عزة الدوري، بل الحوار مع الكتلة الاجتماعية السياسية للنظام السابق؛ يبدأ ذلك من طرف الحكومة العراقية بالإعلان عن تجميد وإلغاء القانون الأميركي المعيب القائل باجتثاث البعث، وبالإفراج عن المعتقلين السياسيين، ووقف ما يسمى العملية السياسية القائمة على المحاصصة الطائفية وتهميش القوى الوطنية الديموقراطية واليسارية، نحو عقد مؤتمر وطني تأسيسي شامل، وكتابة دستور جديد يلفظ المحاصصة والطائفية والفدرلة، ويفتح الطريق لإعادة بناء الدولة الوطنية العراقية، في النظام السياسي والتنمية والدور؛ النصر في العراق هو جوهرة انتصار حلف المقاومة؛ وهو انتصار ممكن، فقط،سياسياً؛ كل البنادق نحو الإرهاب والتكفير والانفصال الكردي ـــ الصهيوني.
صحيفة الأخبار اللبنانية – ناهض حتر