حرستا، جارة «دوما»: شبكة أنفاق مفخخة
أمتار قليلة تفصلها عنها وتتصل بها، جارة المعقل الأهم والأخطر في ريف العاصمة السورية وقلب الغوطة الشرقية، «دوما»، إنها حرستا التي يعتبرها المسلحون رأس حربة لهم في الهجوم وخط دفاع متقدم يمتلأ بالجماعات المسلحة التي يعلن العديد منها ولاءه لـ«جبهة النصرة» و«تنظيم القاعدة»، هنا في هذه المنطقة، خسارة أي متر تعني الكثير للمسلحين، ولهذا السبب نرى احياناً أن عملياتهم وردة فعلهم، فيها، تتخذ شكلاً عنيفاً وغير مسبوق، ما يفسر عملية تفجير مبنى إدارة المركبات الأخير.
تقع حرستا شمال شرق العاصمة السورية، دمشق، وهي إحد مناطق الغوطة الشرقية، التي اعتمد الجيش السوري خلال الأشهر الماضية فيها، سياسه محاصرة المسلحين، في الأماكن التي يتحصنون فيها، تقطيعها، تنفيذ عمليات نوعية في مناطق مختلفة منها، حصار المناطق يعني فصل المناطق عن بعضها وعزلها، والأهم قطع طرق الامداد اللوجستي عن المسلحين، ومن ثم تنفيذ عمليات اقتحام احياناً أو التفاف من حيث لا يتوقعون أحياناً أخرى، كالبحارية ودير سلمان وقبلها العتيبة وحران العواميد.
عملت المجموعات المسلحة في حرستا كما في مناطق كثيرة من الريف الدمشقي وضواحي العاصمة، على تحصين مراكزها وتأمينها بالعديد من الأنفاق، وهي بالتحديد تعتمد عليها في حرستا أكثر من أي منطقة أخرى، ولهذه الأنفاق حكايات منها ما كُشف النقاب عنه بعد سيطرة الجيش عليه، ومنها ما يزال في إطار التكهن والروايات المغلفة بطابع «أسطوري» من خلال تصويرها بأنها شبكة كاملة من الأنفاق الطويلة في امتدادها، والواسعة المجهزة بكافة مستلزمات الإنارة والتهوئة، والغرف المخصصة للقناصة والمقاتلين، والمفخخة بأطنان من المتفجرات.
حرستا أيضاً من المناطق المكتظة سكانياً، وهي من الضواحي التي تجمع بين المناطق السكنية والصناعية، ويسكنها خليط من الطبقات الوسطى والشعبية، وبسبب اكتظاظ المناطق التي يسيطر عليها المسلحون كانت عمليات الجيش السوري فيها دقيقة ومدروسة، حيث كان المسلحون يستخدمون المدنيين كدروع بشرية خلال عمليات اقتحام وتقدم الجيش، وهذا ما أخر وأبطأ سرعة وحداته في تلك المنطقة، وكان الجيش في كل مرة يوقف عملياته بإنتظار اخلاء المدنيين، الأمر الذي سمح لقواته بالتقدم بشكل كبير في بعض الأحياء، مثل حيي الحدائق والعجمي.
المصادر العسكرية تؤكد السيطرة على مساحة كبيرة من حرستا إن للجهة الجنوبية أو الشمالية الغربية منها، وتؤمن وحدات من الجيش طريق الأوتوستراد الدولي الذي يمر بجانبها، فيما تحكم الجماعات المسلحة السيطرة على منطقتين اساسيتين وتتحصن بداخلًها، هما منطقة الثانوية وحي السيل، وهو الأخطر، وهاتان المنطقتان ترتبطتان بدوما عبر البساتين، الأمر الذي لا زال يؤمن خط إمداد المسلحين ومؤازرتهم بشكل متواصل، ومن ذاك المحور تحديداً (حي السيل) لا يزال رصاص القنص يستهدف اتوستراد دمشق – حمص الدولي.
اعتمدت المجموعات المسلحة في حرستا أسلوباً ممنهجاً في التدمير والحرق، خاصة حيث يتواجد مسلحو «النصرة»، لإخفاء أي دليل على وجودهم، يحرقون جثثهم، يحرقون الأماكن والمنازل التي تواجدوا فيها، مقراتهم، وحتى المساجد والمدارس، هكذا لاحظنا بأم العين بعد جولة سريعة على المناطق التي سيطر عليها الجيش مؤخراً في حرستا.
ويبدو أن سيطرة الجيش على تلك الشوارع والأحياء، وبعد سلسلة من العمليات المكثفة والمركزة التي نفذتها وحداته في عده مناطق في ريف دمشق الجنوبي، وعدة بلدات في عمق الغوطة الشرقية، قد أصابت المسلحين في معنوياتهم وأعصابهم، فقام مسلحون تابعون لما يسمى «لواء درع العاصمة» يتفخيخ وتفجير أحد مباني إدارة المركبات في حرستا بعد قيامهم بحفر نفق في أسفله، مما أدى إلى انهيار المبنى المكون من سبع طوابق بالكامل وسقوط عدد كبير من الشهداء والجرحى في صفوف عناصر الجيش الذي كانوا يتمركزون بداخله.
العملية العسكرية في الغوطة الشرقية، كما في كافة أرجاء الريف الدمشقي، لا حدود لها ولا خرائط نهائية، الجيش يصر بحسب المصادر العسكرية على تطهير المنطقة بكاملها، وهو لذلك يعتمد سياسة متبدلة بحسب الحاجة الميدانية، انجز القسم الأكبر من عمليات في المنطقة الشرقية والجنوبية من الغوطة الشرقية، ويتمهل في عملياته في شمالها، لكن ذلك لا يعني أنها عصية على قواته، بل يفضل المصدر العسكري أن يعبر عن ذلك بالقول «الأرض لنا، الآن وغداً، وأرواح المدنيين والعسكريين فقط هي ما يحدد سرعة تحركنا أو تأخره».
المصدر: موقع سلاب نيوز