حرب مياه غير معلنة على سورية
صحيفة البعث السورية-
د. معن منيف سليمان:
تواصل تركيا حربها غير المعلنة على الشعب العربي في سورية من خلال قطعها لمياه نهر الفرات، وحبس حصة سورية والعراق من مياه النهر، من خلال بناء السدود الضخمة على أراضيها وتعبئتها من مياه نهر الفرات، ما يؤثّر على كافة جوانب الحياة الاقتصادية والزراعية والخدمية، وما يعنيه هذا الشيء من عطش وجوع، حيث يتخذ النظام التركي مواقف عدائية فيما يتعلّق بحصة المياه، ولا يلتزم بالقانون الدولي فيما يتعلّق بحصص المياه لدول المصبّ، ومنها سورية والعراق، ويستغل مياه النهر لتمرير مصالحه السياسية عادّاً أن نهري الفرات ودجلة أنهار تركية.
وقد أكد السيد الرئيس بشار الأسد، قبل أيام خلال مؤتمر صحفي مشترك، في دمشق، مع رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني: “إن بعض دول الجوار تورّطت بشكل مباشر في دعم الإرهاب، إما لأسباب توسعية أو لأسباب عقائدية متخلفة، إضافة للتحدي الأكبر وهو سرقة حصة سورية والعراق من مياه نهري دجلة والفرات وما يعنيه هذا الشيء من عطش وجوع”.
وفي هذا السياق أيضاً قال رائد العزاوي، رئيس مركز الأمصار للدراسات الإستراتيجية في العراق: “إن هناك مشكلة حقيقية تقوم تركيا بافتعالها في علاقتها مع العراق وسورية، ومنها موضوع المياه، حيث تتخذ تركيا مواقف عدائية فيما يتعلّق بحصة المياه، ولا تريد أن تلجأ إلى القانون الدولي فيما يتعلّق بحصص المياه لدول المصب، ومنها سورية والعراق.. وإنه يجب على العراق وسورية القيام بجهود مشتركة تجاه تركيا لإعادة حصصها من مياه الفرات”.
وأدّى تراجع منسوب المياه في نهر الفرات إلى خروج مساحات كبيرة من الأراضي الزراعية عن الخدمة ما يهدّد سبل معيشة نسبة كبيرة من أبناء العراق وشمالي وشرقي سورية الذين يعتمدون على الزراعة، حيث توقف العديد من محطات ضخ المياه الخاصة بالشرب أو الري في العديد من المناطق بسبب ابتعاد مجرى النهر عنها.
وعلى الرغم من كلّ الأدلة القاطعة على تعمّد سرقة المياه، فإن مصادر تركية نفت لـ”وكالة أنباء تركيا” قطع تركيا للمياه بشكل متعمّد أو بناء على أبعاد سياسية، مؤكّدة أن ما جرى هو نقص حادّ في هطول الأمطار نتج عنه جفاف شديد ضرب الأراضي التركية قبل السورية.
وفضلاً عن ذلك، تتحكّم الفصائل الإرهابية المسلّحة الموالية لأنقرة في شمالي سورية بـ”محطة علوك” في ريف مدينة رأس العين التابعة لمحافظة الحسكة التي تغذّي مدينة الحسكة وريفها بمياه الشرب. وباتت توقِف الضخّ بين الحين والآخر، ولمدد زمنية طويلة، تتجاوز بضعة أشهر أحياناً، ما يؤدّي لحدوث أزمة شحّ المياه في مدينة الحسكة وريفها، وسط معاناة الأهالي لإيجاد البديل.
ولهذا التخفيض، والتحكّم بمصادر المياه، شأن في انعدام مياه الشرب في الكثير من مناطق شمال شرقيّ سورية، وانتشار الأمراض بين الأهالي، إضافةً إلى تضرّر الثروات الزراعية والحيوانية، والتأثير السلبيّ على قطاع الكهرباء.
إن مناطق شمال شرقي سورية تعيش اليوم في كارثة حقيقية ذات ثلاثة أوجه، ويشكّل شحّ الماء رأس حربتها، وحبس تركيا لمياه نهر الفرات بين الفينة والأخرى، ومنع وصول الكمية المتفق عليها لسورية ينذر بتفاقم هذه الكوارث، والهجرة المتزايدة من المنطقة وخاصة باتجاه الدول الأوروبية هي إحدى تجليات هذه الحالة، ما يعيد إلى الأذهان أزمة اللاجئين على حدود اليونان، إضافة إلى الخشية من أن تكون هذه الإجراءات سبيلاً لتفريغ المنطقة من سكانها.
كما إن قطع تركيا لمياه الفرات هو تعدٍّ على كافة القوانين والمواثيق والاتفاقيات الدولية، حيث يستمرّ الاحتلال التركي بممارسة سياساته العدوانية على سورية. ولذلك يجب على النظام التركي إعادة النظر في سياساته تجاه دول الجوار والالتزام بمعاهدات تقاسم المياه مع سورية والعراق من أجل التوزيع العادل للثروة المائية. وعلى الأمم المتحدة والمجتمع الدولي الضغط الفاعل على الحكومة التركية للالتزام بقواعد تقاسم المياه والنظر في حاجة المجتمعات في سورية والعراق، وعدم تهديد حياة سكانها الهشة أصلاً، خاصة وأن البلاد مقبلة على موسم طويل من الجفاف.