حرب متعددة الجبهات.. كابوس يؤرق “إسرائيل”؟!
موقع قناة الميادين-
شرحبيل الغريب:
تدرك “إسرائيل” أكثر من غيرها أن محور المقاومة أصبح يحاصرها كالطوق على العنق من كل الجبهات، وأن الإخفاقات والاهتزازات التي ضربت البنية العسكرية، فيها مع الأزمات السياسية المتتالية ستؤثّر وتنعكس سلباً على منظومة “الجيش” الإسرائيلي.
تتكشف يوماً بعد آخر إخفاقات جديدة في جيش الاحتلال الإسرائيلي عبر تقارير تصدر من مسؤولين عسكريين إسرائيليين، تعكس حال الترهل في المؤسسة العسكرية الإسرائيلية من الداخل، وإصابتها بخلل بنيوي يفوق قدرتها على احتمال أي حرب متعدّدة الساحات مع جبهات محور المقاومة في حال اندلعت مستقبلاً.
ليست المرة الأولى التي يكشف فيها مفوض شكاوى جنود الاحتلال الإسرائيلي السابق اللواء يتسحاق بريك عن إخفاقات في الجيش الإسرائيلي، إذ سبق أن كشف عن عدم جاهزية وحدات سلاح البرية وقوات الاحتياط لخوض أي حرب برية مع المقاومة الفلسطينية والاعتراف بسقوط استراتيجية الحرب البرية الإسرائيلية عند الوقوف على أهم استخلاصات نتائج الحرب على قطاع غزة عام 2014.
يكشف ايتسحاق بريك مجدداً في تقرير نشر في صحيفة “هآرتس” الإسرائيلية قبل أيام عن معضلة جديدة تعانيها قواعد سلاح الجو الإسرائيلية، التي أصبحت غير مهيأة لتصعيد عسكري واسع متعدد الجبهات، بل وتشكل نقطة ضعف وخاصرة رخوة لدى “إسرائيل”، وهدفاً استراتيجياً لأي جهة قد تهاجم “تل أبيب” برؤوس حربية ثقيلة أو طائرات مسيّرة من دون طيار، والاعتراف بحالة غياب العمل اللوجستي المنظم في سلاح الجو الإسرائيلي خلال سنين مضت، وما ترتّب عليها من إعاقة فعالية مثل هذه القواعد.
يعلّل ايتسحاق بريك عجز الجيش الإسرائيلي وعدم قدرته على الدفاع عن قواعده الجوية العسكرية، إلى نقص القوى البشرية وتفتت معظم الكتائب المخصصة لضمان ديمومة العمل فيها، وغياب العقيدة الموحّدة والتدريبات المنتظمة وعمليات التجنيد والتأهيل لدى الجنود، والفجوة الآخذة في الاتساع بين القيادتين العليا والميدانية لجيش الاحتلال، التي تعوّق ردم قوة الثغرات التي سترتد سلباً على سلاح الجو الإسرائيلي في أي مواجهة مقبلة.
ما كشفه بريك عن إصابة قواعد سلاح الجو الإسرائيلي بحالة الشلل الكامل في أي حرب مقبلة، نابع من اطّلاع كافٍ على حقائق ما يدور في “إسرائيل” بعد الحروب التي خاضتها في المنطقة، وقواعد الاشتباك والردع القائمة على جبهتي لبنان وقطاع غزة، وما تعدّه “إسرائيل” تهديداً إيرانياً لها، ويمكن قراءته في ثلاثة سياقات رئيسة:
السياق الأول: الإخفاقات الكبيرة التي كشفت فشل “الجيش” الإسرائيلي وتقديراته العسكرية خلال جولات المواجهة مع المقاومة الفلسطينية خلال معركتي العصف المأكول عام 2014، وسيف القدس أيار/مايو 2021، وصواريخ المقاومة المتطورة التي استخدمت أول مرة في الــ11 يوماً، التي أثبتت فشل منظومة القبة الحديدة الإسرائيلية فشلاً ذريعاً، وأكّدت عجز “إسرائيل”، وعدم قدرتها على المواجهة على جبهة واحدة، فضلاً عن نجاح المقاومة الفلسطينية وقدرتها على توجيه صواريخها بدقة بالغة كانت قواعد سلاح الجوي الإسرائيلي المحاذية لقطاع غزة أهدافاً رئيسة لها.
السياق الثاني: إدراك “إسرائيل” الكبير لجهة تنامي قدرات المقاومتين اللبنانية والفلسطينية معاً من حيث القوة والقدرة الصاروخية، واستخدام سلاح الطائرات المسيرة، سواء على جبهة قطاع غزة، أو القدرات التي يمتلكها حزب الله، وخصوصاً ما يتعلّق منها بالصواريخ الدقيقة وسلاح الطائرات المسيّرة التي تحدّثت عنها “إسرائيل” مرارًا، أن المقاومة اللبنانية تمتلك أسطولاً من الطائرات المسيّرة، وأصبحت تشكل مصدر تهديد وقلق كبيرين لـ”إسرائيل” أكثر منه في أي وقت مضى.
السياق الثالث: خشية “إسرائيل” من حيازة إيران القنبلة النووية، وما يزيد من حالة الخوف والقلق من استهدافها مباشرةً في أي حرب شاملة، خصوصاً أن “إسرائيل” تصنّف التهديد الإيراني بالتهديد النووي القادر على القضاء عليها وإنهاء وجودها كدولة وليس ضرب قواعد سلاح الجو فيها.
اللواء بريك ليس شخصية عادية في “إسرائيل”، واعترافاته وتحذيراته تنطلق من كونه شغل منصب مفوض تلقّي الشكاوى في الجيش مدة 10 سنين، ويندرج تحت مهامه إجراء لقاءات مع أفراد من جميع مستويات الجيش الإسرائيلي وقطاعاته، والاستماع إلى شكواهم وملاحظاتهم، ويرى نفسه الأكثر اطلاعاً على تفاصيل وحقائق الوضع الداخلي في “الجيش” الإسرائيلي.
يقر ايتسحاق بريك في اعترافاته السابقة بأن صواريخ المقاومة الفلسطينية التي استخدمت في المواجهة العسكرية في شهر أيار/مايو 2021، استطاعت شل نصف “إسرائيل” وحيّدت القبة الحديدية، وأن استخدام صواريخ ثقيلة بهذا القدر الهائل كاد يهيّئ المشهد لحرب شاملة، وأن نتائج هذه المواجهة ليست إلا فشلاً عسكرياً خطراً كشف عن الإخفاقات العسكرية الكبيرة في استعداد الجيش الإسرائيلي.
التحذير الأخطر الذي يسجّله اللواء بريك، ويحذّر منه، هو أن ما جرى في المواجهة العسكرية بين “إسرائيل” والمقاومة الفلسطينية قبل عام، ما هو إلا “نزهة قياساً على حرب متعدّدة الجبهات يشارك فيها حزب الله وسوريا وأذرع إيران في المنطقة، وستكون نهايتها مأساوية على نحو لا يمكن تخيله على إسرائيل، أمام قبة حديدية تشكل ذراً للرماد في العيون، لن تكون ذات جدوى أمام 250 ألف صاروخ قد توجه إلى إسرائيل من جبهات عدة”.
واقع “إسرائيل” في السنوات الأخيرة يؤسّس لمفاهيم جديدة، أبرزها أن الصورة التي تقدّمها إلى العالم أنها “الدولة القوية” لم تعد تنطلي على أحد، أمام قوة إيران ومحورها كعامل خارجي مهم، والعوامل الداخلية كحالة الصراعات غير المسبوقة وتصاعد وتيرة التطرّف والتفكك والأزمات المتعددة على المستويات كافة يجعلها تتهيّأ لمرحلة التحطّم من الداخل على الرغم من قوتها.
“إسرائيل” تدرك أكثر من غيرها أن محور المقاومة أصبح يحاصرها كالطوق على العنق من كل الجبهات، وأن الإخفاقات والاهتزازات التي ضربت البنية العسكرية فيها مع حالة اللااستقرار السياسي والأزمات السياسية المتتالية ستؤثر وتنعكس سلباً على منظومة “الجيش” الإسرائيلي، الذي سيعاني جراء التهديدات الخارجية وحالة الانهيار التدريجي الداخلي بسبب أزمة مرتقبة تتمثّل في عدم إقرار ميزانية الجيش الجديدة وحالة التفكّك والترهل، التي يقر بها ألوية عسكريون إسرائيليون أمثال ايتسحاق بريك، في وقت أصبحت تحلم فيه “إسرائيل” بمنظومة ليزر تحيط بها من كل اتجاه، وهي تستشعر خطراً داهماً عليها، وهذا يفسر أنها تعيش فعلياً هواجس الحرب متعددة الجبهات.