حرب عالمية في الخفاء
صحيفة الديار الأردنية ـ
مروان سوداح:
في الخفاء تتعاظم التكتلات والاستقطابات السياسية والعسكرية، وتدور رحى حرب من نوع آخر غير تلك التي حول سورية، فمن جهة هي حرب بين الحليفين روسيا والصين؛ وبين المعسكر الآخر المناهض لهما وهو يُمثّل الولايات المتحدة الأمريكية وبعض الدول الغرب أوروبية وإسرائيل وما يُسمى بـ”أصدقاء سورية” من جهة أخرى. هذه الحرب تسعى الى تطبيق أجندتها بسرعة جنونية: مُحَاصرة روسيا والصين بإقامة مجموعة من القواعد الصاروخية الضاربة حول البلدين، أي على أراضي الحلفاء التقليديين لأمريكا الذين يرغبون برؤية روسيا دولة صغيرة المساحة ومُفتتة وهالكة، وكذلك الأمر تجاه الصين، بهدف تقصير زمن الضربة الصاروخية النووية الأولى، التي تفترض تدمير النقاط الإستراتيجية العسكرية والمدنية والاقتصادية في هذين البلدين. ومن الضروري التنويه هنا أيضاً الى أن أقامة حزام من الدول العدوة للإتحاد السوفييتي كان ومنذ البدء يستهدف تدمير روسيا السوفييتية والإتحاد السوفييتي، الذي قُضي عليه بعمل مُنظّم وجماعي بين الحلفاء الغربيين وبالتعاون مع المافيا السياسية السرية في الإتحاد السوفييتي أنذاك، إبتداء من بعض رؤساء “الإتحاد”، وليس انتهاء ببعض القادة الصهاينة ومن لف لفهم في الأجهزة القيادية للحزب الشيوعي السوفييتي.
لذا، وفي هذا السياق يمكن أن نفهم لماذا تجري العمليات التالية: 1/ الحرب على سورية والبلدان العربية بهدف: الاستحواذ عليها أمريكياً وإسرائيلياً وتحويلها الى قواعد عسكرية بمواجهة روسيا والصين؛ 2/ المواجهات الباردة والتي لم تتحوّل بَعد الى ساخنة بين الصين واليابان بشأن جزر “دياويو” الصينية التي تريد اليابان إحتلالها وتسليمها للسفن الحربية الأمريكية المنطلقة من أُسترالياً نحو الصين- لتقصير زمن الضربة الأولى للصين وروسيا؛ 3/ تأسيس شبكة أمريكية عالمية مضادة للصواريخ الصينية والروسية تسمى أمريكياً “مشروع الدرع الصاروخي الأمريكي”، الذي من مهامه الرئيسية التصدي للصواريخ الروسية والصينية، وتدمير قواعدها الثابتة والمتحركة داخل أراضي البلدين وخارجهما أيضاً، تمهيداً لتفريغ الصين وروسيا من عناصر قوتهما فاحتلالهما كما يحلمون واهمين.
وفي مواجهة الحشد الأمريكي لإستهداف روسيا والصين، بادرت موسكو وبكين الى مواجهة المُخطّط الأمريكي بتعاون ثنائي وثيق، فوصل وفد روسي برئاسة أمين مجلس الأمن الروسي نيكولاي باتروشيف إلى العاصمة الصينية مؤخراً، ليعقد اجتماعاً تشاورياً “جديداً” حول الأمن الإستراتيجي مع المسؤولين الأمنيين الصينيين، وتعزيز التعاون الأمني المشترك بين الدولتين، خاصة في مواجهة مشروع الدرع الصاروخي الأمريكي، الذي يُراد له أمريكياً ان يكون مقتلاً للصين وروسيا يقضي على الملايين من البشر. لذا فإن إقامة نظام “عالمي” جديد مضاد للصواريخ، هو في الحقيقة نظام “صُنع في أمريكا”، يعمل على محاولة إخضاع روسيا والصين وسيبيريا النفطية و”الغازيَّة” للمشيئة الأمريكية إنقاذاً للإقتصاد الأمريكي المتهاوي، لذا تراهن موسكو وبكين على “تطوير” التعاون الأمني المشترك بينهما و”تكثيفه” ورفع سويته الإستراتيجية فعلياً وميدانياً.
باتروشيف يَرى ومعه بالطبع الكرملين، بأن الإتصالات “المنتظمة” بين قادة روسيا والصين تعطي دفعاً قوياً وحقيقياً “للتعاون الأمني المشترك”، وأن روسيا والصين تريان ضرورة زيادة وتائر التعاون “المشترك” والتنسيق في مختلف المحافل الدولية والاقليمية، فشبكة الصواريخ الأمريكية تُثير قلقاً عميقاً لدى قيادتهما، تماماً كما تُثير الأحداث في مناطق أُخرى من العالم قلقهما.. في إفريقيا الشمالية والشرق الأوسط، وبالأخص في سورية، والمشاكل الأمنية التي تواجه منطقة آسيا والمحيط الهادئ، لذا تبقى روسيا غير راضية عن إنشاء هذا النظام العالمي المضاد للصواريخ، لكونه يعمل على محاصرة الإستراتيجيات الصينية والروسية.
وفي مجال متصل، لا يمكنني النظر الى التمارين والمناورات البحرية الحربية الروسية في مناطق شرقي البحرين الأبيض المتوسط والأسود (بمشاركة وحدات من أربعة أساطيل روسية هي: أسطول الشمال، وأسطول بحر البلطيق، وأسطول البحر الأسود، وأسطول المحيط الهادئ،)، سوى عمليات نشطة تجري ضمن سياق تأكيد القوة العسكرية الروسية في محيط أُلوف الكيلومترات عن موسكو، لضمان أمن روسيا انطلاقاً من مناطق أخرى من العالم، قد لا تكون بعيدة عن أراضيها كثيراً لكنها تمتد من البحر الأسود الى وسط افريقيا والسواحل الغربية للأراضي الأمريكية الشمالية (الاسكا) التي كانت في عهد سابق روسية، وتحوم حولها مدمرات حربية روسية متطورة جداً لم تتمكن التكنولوجيا العسكرية الأمريكية من كشفها.