«حرب تشرين»: ربط وقف إطلاق النار بتسوية السلام
صحيفة السفير اللبنانية ـ
ربى الحسيني:
سعى الرئيس الأميركي ريتشارد نيكسون ووزير خارجيته هنري كيسنجر الى الربط بين وقف إطلاق النار خلال «حرب تشرين» والتوصل إلى تسوية بين الأطراف، تكون قادرة على فتح الطريق أمام مباحثات في المستقبل تنقذ واشنطن من أزمات الشرق الأوسط، وهو ما حصل لاحقا، وفتح الطريق أمام اتفاقية «كامب دايفيد».
وبالعودة إلى وثائق وزارة الخارجية الأميركية، التي بدأت «السفير» بنشرها تباعاً، فقد تبين أن وزير الخارجية الأميركي كان دائم الخشية من التلاعب السوفياتي من جهة، ومن احتمال تحرك دول الخليج نحو قطع النفط بعد قرار مد جسر جوي إلى إسرائيل.
تلاعب سوفياتي؟
بدا في 11 تشرين الاول 1973، أن الأميركيين والروس سلموا البريطانيين مسؤولية تحضير مشروع قرار لمجلس الأمن، وإن بطريقة غير مباشرة. وفي حديث مع السفير السوفياتي في واشنطن أناتولي دوبرينين يؤكد كيسنجر للسوفيات «لن يحدث أي شيء في مجلس الأمن من دون التنسيق معكم بشأنه… سنحاول أن نعمل على إيجاد مشروع قرار، وإذا وافقتم عليه، سنطلب من البريطانيين طلب عقد اجتماع».
في البداية، بدا أن الرئيس المصري أنور السادات قد يوافق على وقف لإطلاق نار فوري، ولكنه كان دائماً يشترط موافقة الإسرائيليين على العودة إلى حدود العام 1967. وأراد البريطانيون عرض قرار يتضمن وقف إطلاق نار، يرافقه انتشار لقوة دولية، ولكنهم أيضاً كانوا على ثقة من أن المصريين لن يوافقوا، بعكس كيسنجر، الذي كان يعتمد على معلومات سوفياتية.
وخلال البحث في المبادرة البريطانية، تبرز الوثائق التخوف الدائم لوزير الخارجية من تلاعب السوفيات، إذ يقول في إحداها: «نعتقد أن (السادات) سيوافق، إلا أذا تم خداعنا… وفي تلك الحالة فإنهم سيدفعون ثمن ذلك في علاقتنا، لديهم كل شيء ليخسروه».
ولكن بالنتيجة، رفض المصريون القرار البريطاني، وبالتالي أبلغ كيسنجر حلفاءه في لندن في الـ13 من الشهر أنهم سيبدأون بمد جسر جوي إلى إسرائيل.
لم يتوقع الأميركيون أن يمر قرارهم بمد الجسر الجوي بسهولة. وبالطبع لم يغب عن كيسنجر احتمال أن ترد دول الخليج عبر الضغط بالنفط. وكان قد بدأ فعلياً بالتحضير لخطة بديلة قبل الإعلان عن قرار واشنطن.
من الحرب إلى التسوية
في الـ14 من تشرين الأول، بادر نيكسون بالاتصال بكيسنجر ليسأله عن أي جديد، وأجابه الأخير بأن المصريين شنوا هجوماً موسعاً. وتابع ان «الإسرائيليين ادعوا أنهم دمروا 150 دبابة وخسروا 15 في المقابل. ولكن ذلك لا يثبت أي شيء، وكله يعتمد على ما سيصلون إليه. المعلومة الأخيرة التي وصلتنا، وهي ليست مؤكدة، انهم أصبحوا على بعد 30 كيلومتراً من القناة، وهذه النقطة ستكون نقطة لانطلاق هجومهم». ومن هنا يبدو واضحاً أنه يتحدث عن بداية ما عرف لاحقاً بـ«الثغرة»، حين تمكن الجيش الإسرائيلي من تطويق الجيش الثالث الميداني المصري.
أراد نيكسون من «حرب تشرين» التوصل إلى تسوية في الشرق الأوسط، وبعدما عرض عليه وزير خارجيته الوضع الميداني، أجابه باختصار ان «النقطة الأساسية هي من يفوز بهذه المعركة. المسألة ليست مسألة أرض، وهذا ما تعلمناه من الحربين العالميتين الأولى والثانية، بل انها مسألة هل تفوز على العدو… أعتقد أن على الإسرائيليين السماح للمصريين بالتقدم وقتلهم».
ولكن كيسنجر ربط بين المعارك على الأرض ورفض المصريين للمبادرة البريطانية، إذ رأى احتمالين: الأول أن يوقع الإسرائيليون بالمصريين، وفي هذه الحالة فإن المعركة منتهية، أما «الاحتمال الثاني فهو أن الإسرائيليين فعلاً في مشكلة… ولهذا السبب لم تمر مبـــادرة الســلام البارحة، حيث أن المصـــريين لم يكونــوا علــى استعــداد (لقبــول المــبادرة) حــتــى يشــنوا هجومــــهم».
ووفقاً لوزيرالخارجية، فإن القضية الأساسية «منذ البارحة، هي أننا بدأنا مبادرة وقف إطلاق نار، وعودة إلى خطوط ما قبل الحرب، وفي حال هزم الإسرائيليون المصريين، سيتحول ذلك إلى موقع جيد حيث اننا سنكون قادرين على فرض وقف إطلاق نار بسيط، ومن الممكن أن يقبل المصريون بذلك قبل أن يدخل الإسرائيليون إلى سوريا. ولكن المصريين يطلبون اليوم العودة إلى حدود العام 1967، ولأن ذلك خارج الطرح أصلاً، ولأنه سيعتبر خسارة كبيرة كنتيجة لتلك الحرب، يجب التوصل إليه كنتيجة لمباحثات ما بعد الحرب. وبالتالي، ما نحاول فعله اليوم هو أني تكلمت مع دوبرينين لمحاولة معرفة إن كان من الممكن إيجاد صيغة تربط بين وقف إطلاق النار وتسوية سلام».
ويؤكد نيكسون على هذه النقطة، فهو يعتقد أنه يجب الذهاب إلى الروس بحل ديبلوماسي، لأنه «إذا اكتفينا بوقف إطلاق النار، فإنهم سيعتقدون أن الإسرائيليين لن يتوقفوا، ونحن سندعمهم، كما نفعل دائماً… ولذلك، علينا أن نضغط على الإسرائيليين عندما ينتهي كل هذا، وعلى الروس أن يعلموا ذلك. علينا أن نضغط عليهم بقوة. ولكن لا أعلم كيف من الممكن أن يمر ذلك، فنحن قلنا لهم من قبل إننا سنضغط عليهم، ولم نفعل». أما الحل بالنسبة لكيسنجر، فكان محاولة إيجاد صيغة قرار لا يعترف بوضوح بحدود الـ67، ولكن يبقي الباب مفتوحاً أمامها، ربما قرار شبيه بقرار مجلس الأمن 242 الذي يتحدث عن انسحاب، وهو أمر وافق عليه الجميع.
ولأن نيكسون كان يبحث عن التوصل إلى التسوية نتيجة تلك الحرب، فإنه أكد لوزير خارجيته على ضرورة الإشارة إلى أن الدعم العسكري المقدم إلى إسرائيل ليس هدفه استمرار الحرب، وإنما العكس بل «الحفاظ على التوازن… ولأنه فقط من خلال التوازن من الممكن التوصل إلى تسوية».