حرب «الخطف» في سوريا.. وليدة الفلتان الأمني وانتشار السلاح
مع ازدياد العنف الحاصل على الأرض السورية ، ظهرت متلازمة رافقت الصراع بكل أحداثه ، ظاهرةٌ لم تأخذ حقها في الإعلام مع تسارع العمليات العسكرية تارةً وتزايد نشاط وإرهاب الحركات المتطرفة والمجازر الحاصلة تارةً أخرى ،وبالرغم من إن ضخامة الحدث هي من يجب أن تضع هذه الظاهرة في واجهة نشرات الأخبار، لكن السوريون في الداخل يعرفونها جيداً، فيما يجهل حقائقها من هم خارج سوريا !.
إنها ظاهرة الخطف، ظاهرةٌ نمت مترافقةً مع الفلتان الأمني وانتشار السلاح بشكل واسع بالرغم من أنها لم تكن مألوفةً من قبل ولا نراها فعلاً إلا في الأفلام الهوليودية، لتتحول بعدها لظاهرة وعمل وكسب ماديٍ كبير وتوترٍ وإرهاقٍ وقلق ومطالب خيالية في الكثير من الأحيان .
مسلسل طالت حلقاته، وقصص يندى لها الجبين عن تهديدات وتنفيذ أحكام وقصاص لأفرادٍ لم يستطع ذووهم دفع ما ترتب عليهم كفدية أو دية لحياة الضحية “المختطف .
إن لم يطل الموت كل بيوت سوريا، فالخطف أكمل المهمة وطال من لم يصله «الموت» أو «الإصابة» ، أبٌ أو ابن ، أخٌ أو خالٌ أو عم . ليتحول بعدها إلى النساء والأطفال والشيوخ . كل هذا أرسى ظلاله بآلية التنقل بين المدن والحذر الشديد من المناطق التي شهدت حالات مماثلة من اختطافات وغيرها من الحوادث .
آلاف حالات الخطف الفردي والجماعي ولذرائع الخطف لا تنته من ابتزازٍ لسرقة لتمويل مجموعة مسلحة للثأر الشخصي وأخيراً لأجل الخطف المضاد .
في مجتمع يوصف بالمحافظ وبلدٍ تطوّقه عدد من التقاليد والأعراف ، تعدّ المرأة هنا أيقونةً لا يمكن المساس بها، وتعد شرفاً وعرضاً للعائلة بشكل عام، ولايمكن الاعتداء عليها بكلمة، فماذا إذا اختطفن ؟.
قبل عامٍ تقريباً وفي مثالٍ حي لا أكثر لحوادث الاختطاف الجماعية، تآمر أحد سائقي الحافلات التي تتبع لشركة “س” في مدينة إدلب، مع إحدى المجموعات المسلحة بغية اختطاف عدد من المواطنين المدنيين في ريف إدلب ومن قرى معينة وذلك لإخضاع تلك القرى للمجموعات المسلحة، لم يكن هذا المخطط بالأمر السهل، لكن للمصادفة أن هذا السائق في إحدى رحلاته قد كُلّف بنقل عدد من النساء من إحدى القرى المستهدفة، وبالفعل قام بمهمته، حيث دخل إلى القرية وخرج منها بكنزٍ ثمين ! ليتجه بعدها لمكانٍ مختلف عن مكان الرحلة ويأخذهن للاحتجاز ، لتبدأ بعدها عمليات تفاوض مع المجموعات ، إلا أن كل المفاوضات باءت بالفشل.
ومن لايجد من يعيد له حقه فما عليه إلا المعاملة بالمثل والوقوع بالمحظور؛ أي “الاختطاف المضاد” .
وبالفعل وبعمل وصف بال”جنوني” توقف عدد من أبناء القرية التي تم اختطاف النساء منها على الطريق الدولي وبدأوا بخطف كل من يمر أمامهم دون استثناء أحد من الحافلات أو السيارات أو الأفراد ، ليصل عدد المخطوفين في يوم واحد لأكثر من خمسمئة شخص .
ذلك العمل كان رداً عنيفاً على المجموعة الخاطفة والتي بدأ أهالي بالضغط عليهم بغية الإفراج عن النساء، وبالفعل وفي منتصف الليل تم الإفراج عن جميع النساء دفعة واحدة ، ليتم بعدها ترك المخطوفين ال”500″ أيضاً .
تلك الحوادث وغيرها الكثير جعلت القيادة السورية تصدر مرسوماً رئاسياً يجرّم خطف الأشخاص لأي سببٍ كان ويترتب على من يقوم بذك بأقسى العقوبات التي تتراوح بين الحكم بالسجن المؤبد مع الأشغال الشاقة وانتهاءاً بالإعدام في حال توفى المختطف .
فُتِح ملف الخطف من جديد وعاد بقوّة هذه المرة وكان ذلك بعد خطفِ مجموعة مسلحة تدعى “أحرار القلمون” لعدد من الراهبات من كنيسة دير ماتقلا في بلدة معلولا بريف دمشق لينقلن إلى مكان مجهول، ويظهر بعدها شريطٌ مصور “للراهبات” على القناة التي تعد منبراً للمجموعات المسلحة تطمئن فيه الراهبات كل من يسأل عنهن وأنهن يعاملن أفضل معاملة وأنهن أُُخرجن من الدير خوفاً من خطر القصف . ونظراً لرمزيتهن الدينية ، أصبحت قضية اختطافهن قضيةً عالمية وانتشرت بشكل كبير وواسع، وتحرّكٌ على أعلى المستويات المحلية والدولية للإفراج عنهن .
في وجهٍ من وجوه القضية شابهت حادثة الاختطاف هذه حادثتا الاختطاف المتعلقتان بالحجاج اللبنانيين الذين كانوا قادمين من العراق ، والسياح الإيرانيين الذين كانوا متجهين إلى مدينة دمشق عبر مطار دمشق الدولي، حيث لم تحل أي من القضيتين إلا عبر عدد من الوسطاء وتدخل مباشر من الدول الداعمة للخاطفين والممولة لهم وتبادل لم تعلن عن تفاصيلة الحكومة السورية ، لكنه كان تبادلاً مباشراً بكل معنى الكلمة.
أما الوجه الآخر من القضية فشابه حادثة مماثلة، لم تأخذ حقها من التغطية الإعلامية. ثلاثةٌ وستون أمرة وخمسة عشرة طفلاً تحت رحمة المسلحين في مكان مجهولٍ من مدينة حلب .
القصة بدأت تحديداً قبل ثلاثة أشهرٍ، في نقطة تفصل ريف حلب الغربي عن ريف إدلب الشمالي، حاجز يتبع للجيش الحر يوقف حافلة تقل عشرات النساء والأطفال متجةً جنوباً نحو دمشق ، تفتيش دقيق للأسماء ليكتشف المسلحون أن تلك النساء وهؤلاء الأطفال من إحدى الأقليات المحارَبة في سوريا، ليتم بعدها تحت إحدى الذرائع سوقهن من إدلب إلى حلب عبر الأرياف ويتم احتجازهن مبدئياً – حسب الأنباء الواردة– في مقر الهيئة الشرعية في منطقة بستان القصر .
عشرات الاتصالات والمكالمات الهاتفية ، ووسطاء بين الطرفين ، وطلبات تعجيزية؛ مئة ألف دولارٍ أمريكي، والإفراج عن مجرمٍ سابق كان أحد قادة المجموعات المسلحة والآن هو قابع في أحد سجون الأمن السوري .
بعد أسابيع من الشد والجذب توقفت المباحثات في طريق مسدود ليظهر مقطعٌ مصورٌ للمجموعة الخاطفة وتدعى “جماعة الحسبة” وعلى ما يبدو أنها تتبع لجبهة النصرة، وبعد بيان مكتوب مليء بالتهديد والوعيد تظهر المختطفات وهن يطالبن القيادة السورية وغيرها بالتدخل للإفراج عنهن كما تطمئن أسرهن أنهن بخير ويعاملن معامةً حسنة .
عائلات النساء الأسرى لم تقف مكتوفة الأيدي بعد طول مدة الاحتجاز، حيث تم اختطاف حافلة في إحدى الأماكن ونقلهم إلى مكان مجهول بنية الاختطاف المضاد والتبادل بين الأسرى الجدد والنساء المحتجزات لدى المجموعات المسلحة ليختلط كما المثل الشعبي “الحابل بالنابل” ، لكن العملية للأسف باءت بالفشل؛ تشبّث المسلحون بمطالهم ومضى أسبوع دون أي تحرّك يذكر ، ما استدعى الإفراج عن حافلة المدنيين الذين لا ذنب لهم في تلك القصة –لا من قريب ولا من بعيد – بالكامل دون أي مطلبٍ أو إيذاءٍ لأحد .
حوادث الاختطاف مهما صغرت أو كبرت فإنها يجب أن تعتبر جريمة حرب ، ربما تطول مدة مكوث الراهبات لدى المسلحين وربما يقصر وربما تلك النساء يعدن غداً إلى منازلهن وربما لا يعودون أبداً . تلك القصص وغيرها لن تمحى بسهولة من ذاكرة السوريين إن حلّت أو لم تحل .
وفي النهاية يجب محاربة هذه الظاهرة المتفشية وهذه المسؤولية لا تقع فقط على عاتق الحكومة بل يجب مساندتها من قبل المكونات الأهلية للمجتمع المدني والنشطاء الحقوقيين لاجتثاث هذه الظاهرة وماينتج عنها من آثار كارثية على الوطن ومستقبله .
تامر صندوق – موقع سلاب نيوز