حرب الأفكار: المعركة القادمة
موقع العهد الإخباري-
إيهاب شوقي:
بعد معركة “سيف القدس” والحرج البالغ الذي سببته للعدو الصهيوني، تسارعت خطوات التطبيع، وزار وزير الخارجية الصهيوني الامارات لافتتاح السفارة الإسرائيلية في أبو ظبي، ومكتب القنصلية في دبي.
وبعد رد حزب الله على الخرق الصهيوني لقواعد الاشتباك، وقصف مواقع العدو في مزارع شبعا المحتلة، وقعت “إسرائيل” والبحرين، على مذكرة تفاهم بشأن تعزيز التعاون بينهما ضد إيران وتم الإعلان عن تسارع الاستعدادات لافتتاح السفارة البحرينية في فلسطين المحتلة، وبالتزامن معها، تم الإعلان عن زيارة لوزير الخارجية الصهيوني يائير لبيد إلى المملكة المغربية، في سياق استئناف العلاقات الدبلوماسية بين الرباط والعدو، وسيقوم خلالها بافتتاح مكتب الاتصال الإسرائيلي بشكل رسمي، فيما يرتقب أن يقوم وزير الخارجية المغربي بزيارة رسمية قريبًا إلى “تل أبيب” من أجل افتتاح مكتب الاتصال المغربي.
وتزامنًا مع ذلك، كشف موقع “اكسيوس” الأمريكي، نقلًا عن مسؤولين إسرائيليين، أن مدير وكالة المخابرات المركزية الأمريكية بيل بيرنز سيزور “إسرائيل” يوم الثلاثاء للمرة الأولى منذ توليه منصبه لإجراء محادثات من المتوقع أن تركز على إيران، ومن المتوقع أيضًا أن يلتقي بمسؤولين في السلطة الفلسطينية في رام الله.
فكيف إذًا يمكن تفسير هذه المعادلة والتي تقول باختصار: كلما تنامت المقاومة ووضعت العدو في مأزق، كلما اتجه العدو نحو التطبيع ومحاولة تعميقه؟ وهل من رابط لهذه المعادلة مع زيارة مدير وكالة المخابرات المركزية الامريكية للكيان؟
ربما عنوان مذكرة التفاهم الأخيرة بين العدو والبحرين يفسر لنا هذه المعادلة، ويفسر، ولو جزئيا ارتباط الزيارة بالنوايا والممارسات الصهيونية.
فقد أعلن العدو والبحرين عن توقيع مذكرة تفاهم للتعاون فيما أطلق عليه “مكافحة إيران في حرب الأفكار”، وهنا يكمن بيت القصيد، حيث الاستدعاء لأطروحة أمريكية منذ عهد وزير الحرب الأمريكي الأسبق “دونالد رامسفيلد”، وقام بالتنظير لها الكاتب الأمريكي “توماس فريدمان”.
وهنا نحن بحاجة لبعض التفصيل وفقا للمعلومات حول هذه الأطروحة الأمريكية، ويمكن إيجاز ذلك كما يلي:
1- حرب الأفكار هي أطروحة أمريكية، جاءت في سياق ما أطلقت عليه أمريكا “مواجهة الإرهاب”، بعد أن أدرك الأمريكيون ضرورة تجديد النظر في سياساتهم، بعد أن ظهرت لديهم الشكوك في إمكانية الفوز السريع والحاسم في هذه المعركة.
أي أنها بديل أمريكي للمواجهة العسكرية بعد تعثر الحسم العسكري والكلفة البالغة التي أيقنت أمريكا أنها ستدفعها في مواجهة تنظيمات مسلحة، وبالأحرى الشك في إمكانية النصر.
2- الأطروحة عبر عنها عسكريا، وزير الحرب الأمريكي الأسبق، دونالد رامسفيلد حينما دعا في أكتوبر 2003م، إلى تشكيل وكالة جديدة تساعد على مواجهة ما أسماه حرب الأفكار الخاصة بالإرهاب الدولي.
وجاء ذلك في سياق حاجة الإدارة الأمريكية ووزارة الحرب إلى إعادة تنظيم للتعامل بشكل أكثر فاعلية مع تهديدات القرن الحادي والعشرين، واعتبر أنه من أجل الفوز بالحرب ضد “الإرهاب” فلا بد من الانتصار في حرب الأفكار، ويقصد بهذه الحرب معركة الفكر مع أولئك الذين تجندهم “الشبكات الإرهابية” في كافة أنحاء العالم وفق التصنيف الأميركي.
وعلل رامسفيلد ذلك بأنه في مقابل كل “إرهابي” يعتقله التحالف حسب قوله أو يقتله أو يردعه أو يثنيه، هناك آخرون يتدربون، لذلك لا بد من خوض حرب الأفكار لمنع الجيل الجديد من الإرهابيين من تنظيم صفوفه.
وتسربت وقتها مذكرة داخلية تساءل فيها رامسفيلد (هل نحن سائرون إلى النصر أو الهزيمة في حرب الإرهاب؟) وتشكلت قناعة لدى رامسفيلد بإعطاء دور أكبر لوزارة الخارجية في مكافحة الإرهاب.
3- الأطروحة قام بالتنظير لها فكريا توماس فريدمان، الذي نشر مجموعة مقالات حاول فيها شرح وتحليل المفهوم وزرع الثقة والأمل بالفوز في هذه المعركة، ومن خلال تنظيره، فقد قال إن المعركة مرت بثلاثة أطوار تاريخية:
الطور الأول الذي انتصر فيه الغرب على النازيين في النصف الأول من القرن العشرين، وفي الطور الثاني انتصر فيه الغرب أيضاً على الشيوعيين في النصف الثاني من القرن العشرين، وبقيت أمام الغرب معركة الطور الثالث وهي مع الأصوليين، والتي بدأت مع بداية القرن الواحد والعشرين.
وأوضح فريدمان أن طبيعة المهمة في حرب الأفكار ينبغي أن تكون في داخل المجتمعات الإسلامية نفسها، وبإشراك المعتدلين في هذه المعركة، حيث يقول إن الأكثر أهمية هو إيجاد سبل لجعل المجتمعات التي يأتي منها هؤلاء الأصوليون هي التي تردعهم أولاً، فهي- أي هذه المجتمعات- الوحيدة التي تعرف أناسها، وهي الوحيدة أيضاً حسب تقدير فريدمان القادرة على كبح متطرفيها.
هنا يمكن أن تتضح الصورة، وتتضح طبيعة مهمة التطبيع، وملامح زيارة مدير المخابرات المركزية لكيان العدو، أو على الأقل ملامح بعض بنود زيارته.
فالولايات المتحدة والعدو الإسرائيلي يعتبران محور المقاومة أصوليا، ويروجان أنه محور إرهابي، ويحاولان الترويج عبر دعاياتهم ودعايات ذيولهم العربية، أن حركات المقاومة في سلة واحدة مع تنظيمات “داعش” و”القاعدة” وغيرهما من التنظيمات التكفيرية، وأن الجميع يوضع تحت عنوان “الإرهاب”.
وبالتالي فإن حرب الأفكار هي الصيغة الملائمة، وربما الوحيدة، لمواجهة المقاومة بعد تنامي قوى المقاومة وصمود المحور بكامله والذي تمثل في فشل سياسات الحصار والضغط الاقصى على إيران، وفشل الحرب الكونية على سوريا، وفشل الحرب باليمن، وفشل تغيير المعادلات مع المقاومة في لبنان، وفشل السيطرة على العراق، وفشل فرض الأمر الواقع في فلسطين، وتوفر قناعة لدى الامريكي والصهيوني أن الحرب العسكرية تنطوي على مجازفات وجودية.
وبالتالي فإن هذه الحرب هي الأقل كلفة، وتتوفر لديهم إمكانات لها، تتمثل في قابلية الخيانة والانبطاح غير المسبوق لأنظمة عربية، يطلق عليها (المعتدلون) وفقا لأدبيات حرب الأفكار!
أي أن المتوقع في الأيام القادمة، هو التوسع في التعاون مع (المعتدلين) لتكثيف الحرب الدعائية على المقاومة، والحيلولة دون تنامي ثقافة المقاومة، والعمل على تشكيل بيئة لافظة لثقافة المقاومة، بهدف خلق مزيد من العزلة والوقيعة بين المجتمعات، بل ومحاولة العبث بالبيئة الحاضنة للمقاومة.
ولا شك أن من أبرز مهام وكالة المخابرات المركزية الأمريكية، رعاية ماكينات الدعاية وتجنيد العملاء والإشراف على الحروب القذرة.
هنا نحن أمام خبرين، أولهما سار، وهو النجاح العسكري للمقاومة وانتصار المحور في معركة الإرادة، وثانيهما، مزعج، حيث تكثيف الوقيعة والدعايات وهو ما يستدعي جهدا وصبرا لا يقل في عنائه وصعوبته عن جهد وصبر المعارك العسكرية.