حاصر حصاره
صحيفة الوطن العمانية ـ
زهير ماجد:
كانوا سبعين شخصا على متن سفينة قادمين لتحرير كوبا، لكن الأمواج العاتية حطمت سفينتهم فمات من مات ولم يبق سوى تسعة اشخاص بينهم فيدل كاسترو وتشي جيفارا.. دب اليأس فجأة في قلوبهم لكنهم جلسوا يتأملون المشهد وكيفية العودة إلى تحرير كوبا فلم يكن امامهم غير الخيال الذي نجحوا في ترتيبه وهو الذي اعادهم إلى ما كانوا عليه وتمكنوا من تحرير بلادهم وقيادتها منذ العام 1961.
لكن الأمور لم تكن سهلة عندما قررت الولايات المتحدة فرض حصار شديد على كوبا .. أكثر من خمسين عاما عاشتها تلك الجزيرة معتمدة على نفسها حتى قيل انها حاصرت الحصار الاميركي لها وتمكنت منه وأقفلت أبوابه، بل انها انتفعت من قوة الضغط الاميركي عليها وهي الجزيرة التي لا تبعد عن أول شاطئ اميركي لها سوى تسعين كيلومترا كما يقال.
بعد كل هذا التاريخ تتجه الجمعية العامة للامم المتحدة إلى مداولة قرار يطالب بفك الحصار الاميركي عن الجزيرة الكوبية التي امتد بها الأمل لتصبح نموذجا للتغلب على الحصارات وقيادة قوة عمل ذاتي يعتمد أولا واخيرا على عقول وسواعد أبناء الوطن.
لعل الاميركي اكتشف المعجزة الكوبية التي عمرت طويلا في مقاومة ما فرضه عليها، ومع ذلك لجأ منذ السبعينيات إلى فرض حصار آخر على سوريا كان منه النفع الذي عاشته سوية حين تمكنت من محاصرة الحصار بإنجاز كبير كانت نتائجه ان لا ديون عليها. لكن الحصار الأميركي تمدد ايضا باتجاه إيران، وكأنه لم يتعلم بعد ان قوانين الحصار مدرسة للتغلب على الحصار، وخصوصا عند الشعوب والأمم التي يعرف عنها بأنها ذات خيال محكوم بالواقعية: نأكل مما نزرع، ونلبس مما نصنع، ونرتبط مع العالم الخارجي بما يمكن من ارتباط .. يقول كاتب من أحد البلدان التي حاصرها الاميركي بأنه وصل إلى نظرية تقول بأن لا امكانية لمجاراة الولايات المتحدة بالتقدم التكنولوجي، لهذا جاء الاعتماد على الامكانات الطبيعية المتوفرة عند الشعوب، تكنولوجيا مقابل الطبيعة، فكان ان انتصرت الثانية، ولا بد بالتالي من الاستغناء عن التكنولوجيا اذا ما كانت لها اهداف سامة واستعمارية.
قلت ذات مرة لسؤول كوبي جرى حوار بيننا وبينه ان أفضل ما عاشته كوبا هو الحصار الذي حماها وجعلها مقاومة حقيقية لأي تدخل خارجي، مما دفعها إلى الاعتماد على الذات في كل شيء فصارت نموذجا، ثم أكملت: الافضل لكم ان يظل الحصار كي لا تخرب بلادكم بعودة الايادي اللاعبة بها وبتسميم اجوائها الاجتماعية والانسانية.
اليوم يقول العالم للأميركي: كفى. حاصرت كوبا فحاصرتك، وها هي سليمة معافاة لم نسمع لها صوت أنين خلال كل حصارك في الخمسين عاما التي مضت فاتعظ مع الآخرين.