حاذروا … ساحة التعويض الأمريكوإرهابية
موقع إنباء الإخباري ـ
حسن شقير:
أين كنا ؟ أين نحن؟ وإلى أين يُراد لنا أن نسير ؟
في النصف الثاني من العقد الاول من هذا القرن، دخلت الولايات المتحدة وبشكل علني في عصر التراجع العسكري وحلول الأزمة المالية، وفي خضم هذا العقد أيضاً، فرملت المقاومة مشروع الشرق الاوسط الجديد، وذلك بعد نصر العام ٢٠٠٦ ، رافق كل ذلك ، بدء بعض دول ما يُسمى بالإعتدال العربي ، طلبات الالتحاق بمحور الممانعة، وذلك إبان قمة الكويت في العام ٢٠٠٨، وإعلان الملك السعودي الشهير حول ” المصالحة والمسامحة ” العربية .. سبق ذلك ورافقه مماطلة الغرب في طلب تركيا في الدخول بالإتحاد الأوروبي، مما جعلها أكثر ميلا ً نحو الشرق، وبوجهه الممانع تحديداً ..
بعد كل هذا وذاك، حل ما يسمى زمن الربيع العربي، الأمر الذي خلط الاوراق كلها في المنطقة والعالم، ولتجد أمريكا فيه ضالتها في استثماره واستغلال أحداثه، ومن ثم البناء عليها… لتُعوِّم بعدها هذه الأمبراطورية نفسها من جديد، ولتُزخّم مشاريعها بحذاقة أفضل مما كانت عليه قبل ذلك …
جاءت احداث درعا في سوريا في آذار من العام ٢٠١١ ، كجائزة عظيمة لكل من امريكا والكيان الصهيوني على حد سواء، وذلك كفرصة ذهبية لتفعيل وادارة عجلة الفوضى الخلاقة في المنطقة واذكاء نار الفتنة المذهبية، وذلك باستغلال الارهاب الذي نبت وأنبت فيها، وعمل هؤلاء – من خلاله – على تنميته فيها، وذلك لتمرير مشروع الفرز الديموغرافي والجغرافي، وضرب تعايش المكونات المذهبية في المنطقة، وذلك توصلا ً لإمرار مشروع يهودية الدولة وتماهيه مع أقرانه المفترضة … هذا إضافة إلى جعل سوريا والمنطقة مصفاة للدول الغربية من أجل الخلاص من الإرهابيين ومشاريعهم، هذا فضلا ً عن ايقاظ النزعة اليمينية المتطرفة في الغرب ضد التواجد الاسلامي فيه، وذلك لوقف المد التبشيري الاسلامي في الغرب (الميّال نحو الإلحاد) ، وذلك على أمل الوصول في الأمد البعيد إلى مشروع الفرز الأعظم بين غرب مسيحي وشرق مسلم !!! دون أن ننسى أن مشروع تهجير المسيحيين من الشرق لا يبتعد عن كل ذلك .
قاوم المحور الممانع كل ذلك ، وحوّل تهديد الاستنزاف في سوريا الى فرصة ، وذلك بعد ان اتبع استراتيجية مضادة ، قائمةٌ على تيئيس الاستنزاف في الخيارات والنظريات … إلى أن كادت تباشير النصر تلوح في سماء سوريا …
ولكن، ومنعاً لوصول سوريا – الدولة إلى تلك النتيجة ، قامت داعش – وبتغطية امريكية فاضحة – بفتح الجرح العراقي، وخُلطت الاوراق في سوريا والمنطقة مجدداً…. وبدأ المشروع الأمريكي بإعاقة ما أسماه أوباما بتشكل “نماذج حزب الله” في المنطقة ، وكانت بداية ذلك عبر ضرب الثلاثيات الذهبية بأحزمة استنزافية ..
اتخذ ثلاثي الممانعة (العراق سوريا وايران )، ومعهم حزب الله، قراراً مبرماً بضرورة القضاء على الدواعش، وذلك في محطات ثلاث، حزيران( اتفاق الكرد مع إيران )، تموز (خطاب القسم للرئيس الأسد)، آب (خطاب السيد نصرالله في احتفال ذكرى انتصار حرب تموز ٢٠٠٦) … مما فرض على أميركا لأن تُسارع إلى بناء التحالف الدولي لمحاربة الدواعش، والتي كانت من بين أهدافه (استلحاق أمريكي من أجل تعويم الدواعش، مصادرة أي انتصار عليهم، هذا فضلا ً عن إطالة امد الحرب، وصولا ً للسير بمشاريع التفتيت والتقسيم الكبرى للمنطقة برمتها …)
من جديد اتُخذ القرار الممانع بضرب الاهداف الامريكية الثلاث: لم تغطّ إيران ذاك التحالف الأمريكي، وانفتحت على التغيير السياسي في العراق، ولاقت العشائر العراقية في منتصف الطريق… مانعةً مخطط التقسيم الأمريكي، وتعويم داعش … ولم تتوانَ – في كل محطة انتصار على داعش – عن كشف دورها المحوري فيه ، وذلك لتبيان فضل ايران في الميدان العراقي، وذلك لكي تمنع وتقطع مصادرة أمريكا لأي انتصار مستقبلي على داعش، هذا فضلا عن السير باستراتيجية عسكرية مغايرة لاستراتيجية امريكا، فسرّعت قهقرة الدواعش في العراق، لكي تقطع الطريق على تحقيق امريكا لأهدافها في العراق، وذلك من خلال الاطالة المنشودة أمريكياً لقتال الدواعش ..
السؤال الكبير: إذا ما فشل مشروع أمريكا – من خلال داعش – في العراق ، وكما هو حاصل اليوم ، وبشكل مخالف لما تشتهيه الرياح الأمريكية…. وإذا ما عادت سوريا مجدداً إلى الاقتراب من تحقيق إنجازات ميدانية في مجابهة الإرهاب، وحصر هذا الأخير، ما بين مطرقة الجيش السوري من جهة، وسندان الجيش العراقي من جهة ثانية … فأين يمكن أن يكون التعويض الأمريكي لكل تلك الإحباطات؟ وخصوصاً أن هذه الإمبراطورية لم تعتد على التسليم بفشلها وتقهقر أهدافها ببساطة ..
إنه الميدان اللبناني، وتحديداً تلك الحدود الشاسعة مع سوريا (حوالي ٣٧٥ كم )، والتي تعج في مساحات شاسعة منها بالإرهابيين المتدعشنين (قسراً ورغبة ً، على حد وصف مدير عام الأمن العام اللبناني اللواء عباس ابراهيم مؤخراً)
فلقد تواترت المعلومات مؤخراً بأن هؤلاء الإرهابيين كانوا قد رفضوا، وبشكل قاطع، بعضاً من العروض التي قُدمت لهم، وذلك أثناء التفاوض معهم بخصوص العسكريين المخطوفين لديهم، بأن تفتح لهم سوريا ممراً أمناً إلى البادية، مقابل إطلاقهم لسراح هؤلاء المختطفين !! وذلك على الرغم من قساوة فصل الشتاء عليهم !! الأمر الذي دل على أن مشغلي هؤلاء، المباشرين وغير المباشرين، لديهم مشروع لهؤلاء، لا يُراد له أن يسقط ، قبل أوان حلوله …
لقد حذرنا في العام ٢٠١٢ ، من أن سوريا – الدولة ، تريد لها أمريكا أن تصبح دولة فاشلة ، تزعزع السلم والأمن الدوليين، ولم تسمح سوريا ومعها المحور الممانع بحدوث ذلك، فخابت أوهام هيلاري كلنتون في حتمية تدخل مجلس الأمن الدولي التلقائي … فهل تصبح منطقة الحدود اللبنانية – السورية، ساحةً مفترضة للتعويض الأمريكي والإرهابي على حد سواء؟ وهل يمكن أن تتجسد الأهداف الصهيوأمريكية في تلك المنطقة الحدودية، وذلك من خلال بث الدواعش فيها، ليصبح مشروع تهديد السلم والأمن اللبنانيين هو المطلوب لاستدعاء التحالف إلى هذه المنطقة؟ وهل يعود تعويم حلم بعض السياسيين اللبنانيين فيما خص الحدود اللبنانية مع سوريا ؟
لقد نشرت في 27-09-2013 ، مقالةً عنونتها ب ” داعش والسلم والأمن الدوليين على الحدود ” ، خلصت فيها إلى مجموعة من الإستنتاجات، حول تلاقي المصالح واستغلال داعش عند الحدود اللبنانية – السورية… فهل ستكون هذه الأخيرة، ساحة التعويض الأمريكوإرهابية المستقبلية عمّا فاتهم في العراق وسوريا؟ وهل كان يُفترض بلبنان التريث قبل الدخول في التحالف الدولي؟
الأيام القادمة تمتلك الإجابة … يحق لنا أن نحلل… يحق لنا أن نحذّر.
باحث وكاتب سياسي