جلد الدب
موقع سلاب نيوز الإخباري ـ
العميد المتقاعد الياس فرحات:
يحكى ان ثلاثة صيادين اتفقوا على الذهاب في رحلة صيد في منطقة جبلية، وبينما هم في اعالي الجبل شاهد احدهم دبا ابيض بعيدا، فنظر اليه بالمنظار وتبين انه دب كبير الحجم كثيف الشعر وجلده من الصنف الثمين.شاهد رفيقاه الدب واعجبا به وقرر الجميع اصطياده.كان عليهم رسم خطة ينتقل فيها كل واحد الى مكان بحيث يقترب الدب من احدهم فيطلق النار عليه ويرديه.توزع الثلاثة الامكنة المتباعدة واتفقوا على الذهاب كل واحد الى مكانه وقبل الانطلاق سأل احدهم :بالطبع سيكون الدب من نصيبنا جميعا، لكن اخرا خالفه الرأي وقال اذا انا قتلت الدب فان لي الحق بجلده.تصاعد الخلاف بين الثلاثة حول جلد الدب، فارتفعت اصواتهم وشهروا السلاح على بعضهم البعض، وبينما هم منهمكون في خلافهم سمعوا صوتا وضجيجا فاذا بالدب يهاجمهم وتفرقوا في جميع الاتجاهات وفشلت رحلة الصيد بسبب الخلاف على جلد الدب.
هذه الحكاية اتذكرها دائما عندما استمع الى احاديث المعارضة السورية باطيافها الديموقراطية والاخوانية والمتشددة وغيرها،هذا يتحدث عن نظام ديموقراطي بعد سقوط النظام الحالي فيتصدى له اخر ليتحدث عن نظام اسلامي ليعلن اخرون انهم يسعون الى بناء دولة الخلافة.افرطوا جميعا في الاعتقاد بسقوط النظام وابتدعوا تعابير منها ان النظام اصبح من الماضي، وانه على وشك السقوط او بحكم المنتهي.ولعل اغرب التعابير هم ما قاله دبلوماسي اميركي ان النظام السوري هو رجل ميت ويمشي! .A dead man walking
لكن الملفت هو قيام بعض المحللين السياسيين في مراكز الدراسات الغربية منذ اكثرمن سنة ببحث مرحلة ما بعد الاسد واعطوها مصطلحا سياسيا هو Asad Post لكنهم عندما طال امد انتظارهم، ومن اجل المحافظة على منهجيتهم، انتقلوا الى استعمال تعبير نقطة اللا عودة اي Tipping Pointاي انهم اصبحوا على مشارف مرحلة ما بعد الاسد.وبينما تنهمك المعارضة وداعموها بالتنظير لمرحلة ما بعد الاسد، طالعتنا وزيرة الخارجية الاميركية بموقف عنيف ضد المعارضة الممثلة بالمجلس الوطني، فاذا بهذه المعارضة تنصاع للكلام وتنتظر ما بعده، فكان الذهاب الى قطر وتشكيل ائتلاف المعارضة ثم جاءت الاوامر بالتوجه الى القاهرة.كيف حصل ذلك؟ ولماذا؟ لم يسأل المعارضون.لكن احدهم في القاهرة شكل حكومة انتقالية(هيثم المالح)، واعلن اخر انه مرشح قوي(رياض سيف ) وقبل تلقي جرعة الدعم الدولية في مراكش تجدد الخلاف حول الحكومة ! كثر المرشحون واختلف المؤتمرون وانتهى المؤتمر بتوصيات تشدد على ان رحيل النظام بات وشيكا واغفل الجميع الحكومة الانتقالية، والسبب الارجح لذلك هوان انتقالا اخر يجري ما وراء البحار في واشنطن وتحديدا في وزارة الخارجية وهو الذي يتحكم بالحديث عن “الانتقال” في مراكش اوغيرها.
لم يصبر بعض المعارضين فاعلنوا تطبيق الشريعة الاسلامية(هكذا يسمونها فهي شريعتهم وهي قطعا ليست اسلامية) فاستنكر اخرون.مل بعض المعارضين من الجيش السوري الحر فقرروا تغيير القيادة.تمسكت “القيادة” بقيادتها ثم غابت عن السمع والنظر(رياض الاسعد ومصطفى الشيخ) الى ان ذهبت الى غير رجعة، لتبرز قيادة عسكرية جديدة (العكيدي ) قالت انها ستوحد كل القوى في اطارها.بينما كانت هذه القيادة تحضر نفسها لتوحيد البندقية برزت جبهة النصرة وهيمنت على باقي مسلحي المعارضة، وبانت عليها علائم الدعم السياسي والمالي.فجأة حدث تطور دراماتيكي. اصبح الجناح الاقوى في المعارضة المسلحة، جبهة النصرة، على لائحة الارهاب الاميركية اي بمعنى اخر القيادة السياسية للمعارضة تحظى بدعم اميركا ومائة دولة اما القيادة العسكرية فقد وضعتها اميركا على لائحة الارهاب !
بينما كان الجدل يدور حول الحكومة وممن تتشكل؟ وما هي ذراعها المسلحة؟ تصاعد الحديث في مراكز الدراسات الغربية عن المرحلة الانتقالية والحكومة الانتقالية ثم عن انتقال سلس للسلطة.اذا كان الانتقال في الفيزياء يكون بين نقطة واخرى فكيف يكون هذا الانتقال؟ اين هي نقطة المبتدأ واين نقطة المقصد؟ وكيف يحصل الانتقال؟ انهمك الباحثون في دراسة هذه المرحلة الافتراضية التي اسموها Transitional وبنوا عليها مشاريع سياسية.
وبالتوازي مع الحديث عن المرحلة الانتقالية برز فجأة كلام هيلاري كلينتون عن الاسلحة الكيماوية وخطرها واتهام النظام بالاستعداد لاستعمالها ضد شعبه.لكن هذه الاتهامات لم تلق رواجا، وبشكل مفاجىء عادت الولايات المتحدة واعلنت انها انما تخشى وقوع الاسلحة الكيماوية بايدي شريرة، وهذا يعني، بالقياس، ان ايدي النظام التي تمسك بالاسلحة، اذا وجدت، هي ايدي خيرة اوعلى الاقل غير شريرة. كما اعلنت اسرائيل ايضا انها تريد ان تتدخل فقط من اجل حماية الاسلحة الكيماوية.حمايتها ممن؟ من المعارضة السورية المسلحة؟
لكن اطرف ما قيل عن الاسلحة الكيماوية هو تصريح امين عام حلف الاطلسي راسموسن ان الحلف قرر نشر صواريخ باتريوت لحماية تركيا من خطر الصواريخ السورية التي تحمل رؤوسا كيماوية.لكن راسموسن اضاف بالقول ان النظام السوري على وشك السقوط.كم كان بليغا صمت المعارضة في الموضوع الكيماوي ولو صدرعن بعضها ترداد للاتهام الاميركي ثم صمت بعد النفي.
كل هذه الخلافات والاختلافات والنزاعات بين المعارضات من دول ومنظمات زادت من حال الضياع عند المعارضين وجمهورهم، الذي بدأ وبشكل واضح بالتخلي عنهم، ولم يعد يصدق كل اطروحاتهم ونظرياتهم ووعودهم ومواعيدهم. انهم مجموعة الصيادين الذين ما ان رأوا الدب وجلده حتى طمعوا بصيده ثم اختلفوا على الجلد. يبدواليوم ان المعارضة السورية ستلقى مصير الصيادين الثلاثة، فيهجم عليهم الدب ويفرون الى اصقاع الارض.
ملاحظة :الدب هو من النوع السوري الروسي.