جريمة إلكترونية على ساحة “التيكتوك” اللبناني: قضية خطيرة والحاجة شديدة للتثقيف والوعي
موقع العهد الإخباري-
سارة عليان:
هزّت المجتمع اللبناني فضيحة مدوية زفتها وسائل إعلام لبنانية للرأي العام منذ أيام قليلة، حيث تحدثت وسائل إعلامية عن جريمة إلكترونية خطيرة جدًا، وتحديدًا عن اعتداءات جنسيّة تعرّض لها عدد كبير من الأطفال القصّر في لبنان، وكان تطبيق “تيكتوك” هذه المرة هو أداة هذه الجريمة التي تعدّت بخطورتها مَحاذير الخصوصية والأمان لبيانات المستخدمين، ووصلت إلى ما هو أبعد من ذلك في المفهوم الأخلاقي والاجتماعي والقانوني.
الجريمة الأخيرة تُضمّ إلى سجل جرائم المعلوماتية التي ازدادت بشكل ملحوظ في الآونة الأخيرة في لبنان، لا سيما في ظلّ الانهيار الاقتصادي والأمني الذي تشهده البلاد منذ سنوات، الأمر الذي يستدعي تسليط الضوء على حقيقة ما يعيشه المجتمع اللبناني من مخاطر وظواهر كارثية في عالم التواصل الاجتماعي لا سيما على صعيد الأطفال والمراهقين، وعن دور المعنيين في المجتمع في التصدي لها.
القضية “كبيرة جدًا وخطرة”
تشير تفاصيل القضية الأخيرة، بحسب مصادر إعلامية مطلعة، أنه تم يوم الثلاثاء الماضي توقيف أحد أشهر “الـتيك توكر” في لبنان وهو يملك صالونًا لتصفيف شعر الرجال “بتهمة استدراج الأطفال واغتصابهم، بعدما فضحه “تيك توكر” شهيرٌ آخر كان أوقف قبله بساعات”.
وبحسب المعلومات المتداولة، فإنّ “أهالي 8 أطفال قاموا بالادّعاء على رئيس العصابة، وهناك 30 طفلًا تعرّضوا للاغتصاب”. وذكرت المعلومات أنّ “التيك توكر” يستغلّ شهرته عبر مواقع التواصل الاجتماعي لاستدراج الأطفال، كونه يملك صالونًا للحلاقة، ويتواصل معهم ويوهمهم بتصوير مشاهد على “السوشيال ميديا” وهو يقوم بقصّ شعرهم، وبعد تصوير المَشاهد في الصالون، يدعو ضحاياه إلى حفلة في أحد الشاليهات، وهناك يقوم بالاعتداء عليهم”.
المصادر الأمنية أشارت بدورها إلى أن القضية “كبيرة جدًا وخطرة”، وأن عدد الضحايا كبير لكن لا يوجد رقم محدّد نظرًا لكون الضحايا جميعهم من القصّر، وفي سياق متصل كانت المديريّة العامّة لقوى الأمن الداخلي – شعبة العلاقات العامّة قد أصدرت بيانًا نهار الأربعاء أوضحت فيه أنه تم توقيف 6 أشخاص في بيروت وجبل لبنان والشمال لهم علاقة بالحادثة، من بينهم 3 قُصَّر ذائعي الصّيت على تطبيق” تيك توك”، وهم من جنسيّات لبنانيّة، وسوريّة، وتركيّة.
“تيكتوك” في المقدمة
ضمن إطار تسليط الضوء على المخاطر المرتبطة بمواقع التواصل الاجتماعي لا سيما على الأطفال والمراهقين، والإجراءات المطلوبة للحد من تداعياتها، تواصل موقع العهد مع مديرة دائرة التثقيف النفسي في الهيئة الصحية الإسلامية، الدكتورة زينب قاسم، والتي شرحت الآثار السلبية لهذه المواقع على الأطفال والمراهقين، والتدابير المطلوبة لمواجهتها والحد منها.
الدكتورة قاسم أشارت إلى أن “جميع مواقع التواصل الاجتماعي لها تأثيرات سلبية وسيئة في هذا المجال، إلا أن تطبيق “تيكتوك” يأتي في الصف الأول منها من حيث الانتشار وعدد المستخدمين له. وقد أظهرت دراسة أجريت في الصين أن 80% من مستخدمي “تيكتوك” هم دون الـ35 عامًا، و30% أعمارهم أقل من 10 سنوات”، وأضافت “يعود السبب في ذلك إلى تنوع المحتوى الموجود وسهولة وسرعة استخدامه مما شكل عامل جذب للأطفال للإدمان عليه، فضلًا عن تغيّر أسلوب الحياة والعادات وسهولة وصول الأطفال للهواتف الذكية وبالتالي لمواقع التواصل الاجتماعي، مما خلق حالة من الشكوى والتذمر المتكرّر لدى الأهالي لتعلق أطفالهم بهذه الهواتف”.
التأثيرات سلبية وسيئة جدًا
بالحديث عن المخاطر الناجمة عن ذلك، أوضحت الدكتورة زينب أن “الآثار كبيرة على الطفل والمراهق، إذ تساهم وسائل التواصل الاجتماعي في عزل الطفل دون أي رقابة، علمًا أنه في هذا العمر يكون بحاجة للرعاية والمتابعة الدائمة، فيصبح محتواها هو مصدر المعلومات بالنسبة لديه، والتي غالبًا ما تكون خاطئة، لذلك تراه يحمل أفكارًا لا تشبه أفكار عائلته، وأحد الأمثلة على ذلك فكرة الشذوذ الجنسي التي روّجت لها هذه المواقع مستخدمةً أساليب مغرية وجميلة في التسويق لهذه الأفكار لا سيما عند الأطفال”.
ووفقًا لها، فإن المخاطر تشمل أيضًا “إصابة الطفل بعزلة اجتماعية وعدم القدرة على إنشاء علاقات مع المحيطين به، فضلًا عن ظهور عوارض لديه مثل العدوانية ونوبات الغضب بسبب تراجع مهاراته الاجتماعية، كما أن نظرة الطفل إلى ذاته تتغيّر، ويدخل في حالة من القلق والاكتئاب نتيجة لجوئه لمقارنة حياته بمظاهر حياة أخرى مزيّفة، مما يسبب لديه نظرة دونية عن الذات وكرهًا للواقع الذي يعيش فيه”.
وعن أبرز المخاطر التي قد يتعرض لها الطفل أيضًا، ترى الدكتورة أن “فضوله قد يدفعه للدخول إلى مواقع غير مسموحة كالمواقع الإباحية، دون أن يلجأ لمناقشة هذا الفضول بطريقة علمية مع والديه، خاصةً وأن المواقع تسهل هذا الشيء من خلال التلميحات والإيحاءات، وفي الكثير من الأحيان يكون الطفل عرضة للاستغلال لأن عملية استدراجه تكون سهلة وصولًا لقيامه بأشياء غير محمودة، وهنا نشير إلى الواقعة التي حصلت مؤخرًا في لبنان في قضية التحرش الجنسي، والجدير بالذكر أن نسبة المحتالين مرتفعة على هذه المواقع لأنهم في الحقيقة قادرون على تزييف هويتهم”.
دور الأهل هو الأساس
الدكتورة زينب تحدثت أيضًا عن دور الأهل في مواجهة هذه السلبيات، واعتبرت أن “الأهل هم الأساس، لأن العائلة التي تضع قوانين وضوابط داخل البيت تسهّل التعامل بين أفرادها وتنظم حياتهم – وبالطبع ليس المقصود هنا قمعها – ومن ضمنها الضوابط المتعلّقة باستخدام الهاتف ضمن حدود معينة وفي أماكن محدّدة، والمطلوب أيضًا أن يكون الأهل قدوة لأبنائهم في هذا الأمر”.
وفي السياق نفسه، أكدت على “ضرورة وجود تطبيقات إلكترونية لمراقبة ما يتصفحه الأبناء ولحمايتهم من المواقع المضلّلة والمشبوهة، فضلًا عن أهمية إقامة حوار يومي معهم ومناقشة تفاصيلهم اليومية ونشاطاتهم، كما أن السعي لتقليل استهلاك الطفل للهاتف لا بد أن يكون له بدائل وأفكار مفيدة، كاكتشاف المواهب الموجودة لديه وتعزيزها ليستعيض بها عن استخدام الهاتف، ويتم ذلك أيضًا عبر تنسيبه لنوادٍ تساعده على تنمية مهاراته، وأخيرًا تعزيز الحس الاجتماعي للطفل عبر اصطحابه لزيارة العائلة والأصدقاء بهدف تطوير العلاقات الاجتماعية لديه”.
أهمية التثقيف وتطبيق القانون
على مستوى التثقيف والوعي المطلوب في هذه القضية، تجد الدكتورة زينب أن “من الضروري جدًا أن تكثف المؤسسات التربوية والإعلامية والجمعيات، موضوع التثقيف حول هذه المخاطر، ولعلّ الحادثة الأخيرة هي خير دليل على قلّة المعرفة لدى الطفل في كيفية التصرف في حال تعرضه لابتزاز إلكتروني، وعلى وجود ضعف لدى الأهل في رصد هذه المواقف، لا سيما وأن هناك علامات نفسية وجسدية تظهر لدى الطفل في حال تعرضه للابتزاز والتحرش، كما أن ردة فعل أحد الأهالي كانت غير مسؤولة، وعملية الوعي تتم بالطبع عبر ضخ كميات كبيرة من أشكال التثقيف عبر إقامة الورش التدريبية والندوات وتخصيص فواصل إعلامية وإعلانات بهذا الشأن لتصبح المعلومات متوفرة لدى كافة طبقات المجتمع”.
من الناحية القانونية، أكدت الدكتورة “وجود تشريعات قانونية تجرّم الأشخاص الذين يقومون بعمليات ابتزاز وتنمر إلكتروني وغيرها، ولكن من المهم جدًا أن يتعرف الناس على هذه القوانين لأن وضع القوانين لا يكفي، بل يجب إعلام الناس بها وتشجيعهم على تطبيقها”.