ثورة الغرافيتي
موقع إنباء الإخباري ـ
تغطية سحر بلوط:
سنتان هو عمر الورود التي أزهرت في ميدان اللؤلؤة مذ سقتها دماء أول شهيد, وردة وجدت في جدران البحرين وطناً أكرم من تراب دنّسه ثقل ركلات رجال الأمن وأشباه الرجال من درع الجزيرة. البحرين اليوم توثّق على خليط من الرمل والحصى ما أنكرته مجالس الأمن ولقاءات الدول الداعمة للحرية بشكل انتقائي، وفي مئتي صفحة خلاصة عامين من المواجهة السلمية لأكثر الأنظمة همجية وإمعاناً في القمع.
في الذكرى الثانية لانطلاقة ثورة البحرين أقامت مرآة البحرين، منبر الثورة الأبرز، احتفالية تكريم للحراك الشعبي جرى فيها توقيع كتاب “جدران 14 فبراير” الذي يوثّق بالصور أرشيف الغرافيتي التي شكلّت صحيفة الثورة الأصدق, فحين عجز الثائرون عن الوصول إلى كافة المنابر, حوّلوا جدران البحرين إلى صحيفة ناطقة باسم الثورة, ناقلة مطالبهم ومعاناتهم وما يتعرّضون له من حملات شرسة لإسكاتهم, واعتقالهم وقمعهم والتنكيل بهم.
افتُتح اللقاء بكلمة للإعلامي غسان جواد مؤسس موقع سلاب نيوز الإلكتروني شدّد فيها على خطورة ازدواجية المعايير في التعاطي مع الثورات العربية, المعايير التي رأت في سلمية الثورة البحرينية انقلاباً خطيراً على السلطة بينما ساندت المتطرفين التكفيريين في سورية. كما أدان التدخّل العسكري ودوره في قمع الشعب البحريني مؤكداً ألّا كرامة عربية دون الاعتراف بحق شعب البحرين في الحرية والتخلّص من الاستعباد الخليفي.
ثم كانت مداخلة للكاتبة والباحثة الأكاديمية السيدة ليلى الرحباني التي أشادت بفكرة الكتاب المؤرخ للثورة مشيرة إلى أهمية كما صعوبة تأريخ ثورة لم تنته بعد, والأهم كون هذه الثورة لا تزال تحافظ على الرقي والأخلاقيات في التعبير عن الرأي ورفض المهانة.
واعتبرت السيدة ليلى سلمية الثورة إنجازاً جليلاً في مواجهة العنف الممنهج الذي مارسته قوات النظام على مدى سنتين استعملت خلالها أبشع وأقذر الطرق الوحشية في مواجهة صرخة قهر أو كلمة أو طلاء على حائط أبكم. كما عرضت ملاحظاتها فيما خص فلسفة اللاعنف في 4 نقاط:
1. لا يمكن أن يكون اللاعنف مطلقاً فحتى غاندي وقف يوماً ليقول إنه يفضّل أن يخاطر باللجوء إلى العنف على الرضوخ، مشيرة إلى إحدى لوحات الغرافيتي التي استشهدت بعاشوراء كنهج مستمر بوجه الظلم.
2. اللاعنف ليس نأياً بالنفس عن المواجهة بل إنه يتطلّب شجاعة وصبراً في مواجهة وحشية النظام وقوات الأمن. فعلى الرغم من كل الإجرام الذي مورس بحقهم ولا يزال, يرفض أحرار البحرين أن يكونوا عبيداً في سلام زائف.
3. اللاعنف استرتيجية غير مؤكدة النتائج, ففرص نجاحها وفشلها متساوية إلا أنها لا تهدف للانتصار فقط بل إلى تغيير الواقع، مؤكدة أن ثورة البحرين، حتى لو لم تستكمل فقد انتصرت.
4. المساواة ميزة المقاومة اللاعنفية، إذ يشارك الجميع فيها. رجالاً ونساء، أطفالاً وشيوخاً فهي ثورة لا تحتاج إلى الذكورة
و في ختام كلمتها، اعتبرت السيدة ليلى الرحباني سلمية الثورة بمثابة نقلة نوعية على المستوى الإنساني وفيها إعادة للأمل إلى الشعوب الثائرة فكل شخص فعّال في الثورة السلمية مهما تواضعت إمكاناته.
بعدها كانت كلمة للنائب السابق، عضو جمعية الوفاق الوطني السيد هادي الموسوي تحدث فيها عن صوت الجدران الذي أخاف مرتزقة آل خليفة فسيّروا الدوريات وأنشأوا وحدة خاصة لطمس الشعارات ما يدل على أهمية سلاح الغرافيتي ودوره في إيصال صوت الثوار إلى الرأي العام خارج البحرين كما داخلها، فكلنا نعلم أن في البحرين جاليات أجنبية تراقب عن كثب ما يحدث في الشوارع والميادين لذلك لجأ الناشطون إلى الكتابة بلغات أجنبية تعبّر بكافة الطرق، الجادة أحياناً والساخرة أحياناً أخرى، عن رفض التسلّط الخليفي كما تنقل معاناة المهمّشين والمعتقلين في المجتمع البحريني.
وختم الموسوي كلمته بالإشارة إلى سعي الثوار إلى نقل الغرافيتي إلى جدران السفارات والإدارات التي تتحكّم في القرار وربما وسمها بشعار “كفى ذلّاً”.
ثم كانت كلمة للسيد وليد نويهض الذي نقل للحضور مشاهداته الخاصة كونه كان من سكّان محيط دوار اللؤلؤة وموظفاً في صحيفة الوسط التي اتهمت في مرحلة سابقة بتلفيق الأخبار، فروى كيف تبدّل المشهد بين ليلة وضحاها في الميدان وتحوّل احتجاج متواضع إلى ثورة فاقت توقّعات النظام تماماً كما صدمت الشارع المعارض.
وعن دور قوات درع الجزيرة قال نويهض إن عدوانية ووحشية هذه القوة أسقطت خيار الحوار وجعلت من إسقاط النظام مطلباً رئيساً للحراك. كما أشار إلى مأزق حالة الإنكار التي وقع فيها النظام رافضاً تقبّل وجود حراك شعبي عام، فما كان أمامه خيار سوى مذهبة الثورة وحصر تهمة التمرّد بالطائفة الشيعية, الأمر الذي أنكرته المسيرات المختلطة التي سار فيها السني والشيعي كتفاً إلى كتف رافضين أسلوب الفتنة . وعلى الرغم من محاولات النظام جرّ الطائفة الشيعية إلى ردّ فعل عبر هدم المساجد واعتقال الرواديد، واجه الشعب حاكمه بروح المواطنية والرقي البحريني المعهود.
في آخر اللقاء جرى عرض لبعض لوحات الغرافيتي. واختتم السيد غسان جواد هذه الاحتفالية بتذكير الحضور بقضية آيات القرمزي, ابنة السبعة عشر عاماً التي هزّت عرش آل خليفة بقصيدة, وهي التي ورد في إفادتها في تقرير بسيوني مشاركة أعضاء من العائلة الحاكمة بتعذيبها خلال فترة اعتقالها.
البحرين، حراك استحقّ لقب “ثورة” وثورة استحقّت احترام الإنسانية، وإنسانية رفضت الركوع إلا لخالقها.