ثمة كبير يصنع الإرهاب وصغار يؤدون واجبه
صحيفة الوطن العمانية ـ
رأي الوطن:
لم يعد في سوريا من معارك صعبة، هنالك معارك مؤجلة إلى حين يأتي أوانها .. لا أحد يملي على القيادة العسكرية السورية ما تراه، وما تخطط له وكيف تقود، وما هي الأولويات في معاركها. المهم في الأمر أن نار الجيش تحرق تاريخًا إرهابيًّا مقيتًا، وليس من عائق أمامها .. كل الطرق تؤدي إلى النهايات السعيدة التي يستعيد فيها الجيش أرضًا زرعها الإرهاب طولًا وعرضًا، يعيدها للوطن حيث ينتقل إلى مكان آخر من أجل أمكنة لها ذات الملامح.
هل يدري الأميركي الذي تنسيه قوته الزائدة، أن تخريبه سوريا لن يسقط أبدًا وطنًا مسيجًا بهذا النوع من الجيوش ولا أقول جيشًا فقط، التي تحولت إلى قوى عاتية يحسب لها ألف حساب في المستقبل؟ ربما قوته الفائضة، تظلل نظرته الحقيقية إلى سوريا التي خربها ليعيدها كما قال أحدهم ذات يوم إلى قرن متخلف، وكذلك قال رامسفيلد يوم اجتاحت قواته العراق إنه سيعيده إلى عصور متخلفة، إنه إنما يسهم اليوم في إعادة صياغة الوطن السوري على قواعد وطنية وقومية مستلهمة من روح الشهادة التي يبدعها السوريون، ومن عبق الدم الذي يعيد غسل الأرض. هنالك سوريا جديدة تولد من رحم المعاناة، وهنالك أفق مفتوح المدى على المستقبل السوري، عندما يتوقف القتال سيكون الأمر لأصحاب الأمر وهم الشعب والجيش والدولة. وسيكون ما بعد هذا الأمر، هو لورشة العمل التي ستبني سوريا الحديثة، وكل حجر ممهور بالعطاء الجديد.
ربما قد لا يكفي أن يكون لكل حجر اسم شهيد، فعداد الشهداء يكبر، لكنه يعبد الطريق إلى حرية مثلى. دائمًا الحرب كارثية على الشعوب، لكنها أحيانًا مطهر ضروري لتنظيف المجتمع من آفاته، ومن أوساخه ومن تراكمات ماضيه، كي يعاد بناؤه على قواعد أسلم وأكثر حقيقة وروعة.
تسلم سوريا يسلم العرب .. هي اختصار لأمة تخاف على قلبها .. تربح سوريا في حماة وفي محيطها، هي واقع سيحصل، هي قصة انتقال من نصر إلى آخر سيظل مكتوبًا على جبين الوطن السوري. قصة نزال دائم، لن تكون حلفايا آخره، كما سيكون غدًا في حلب، وبعدها في دير الزور والرقة وفي أمكنة الصبر الذي يعيشه سوريون اشتاقوا إلى وطنهم، كما تشتاق الجذور للماء.
منذ رصاصاتها الأولى، اكتشف السوريون الكذبة بأن هنالك إرهابًا معتدلًا وآخر حقيقيًّا .. لم تنتبه سوريا إلى أي من هذه المصطلحات، حاربت الإرهاب باعتباره الصفة الوحيدة التي تنطبق عليه .. وكم من مرة حذر الرئيس بشار الأسد العالم منه .. لكن حقائقه كانت تظهر تباعًا بأن ثمة من يصنعه ويزيد في صناعته حتى كان مولوده الجديد ما يسمى “داعش” إحدى ثمراته. أشارت سوريا إلى اسم صانعه منذ البدايات ولم يلتفت أحد، كانت القوة الفائضة تعمي الإعلام وبعض الإعلاميين، بل كان الخوف ينسيهم أحيانًا أن الإرهاب له صانع كبير ومجموعة من الصناع الصغار، لكن الكل صانع في النهاية.
صحيح أن سوريا خسرت منذ اندلاع الأزمة ما يقارب 140 مليار دولار، لكن مكسبها الأكبر أنها تعيد تأسيس وطن على قواعد مثالية إلى أبد الدهر .. لا تقاس الأوطان فقط بالماديات، هنالك ما هو أرقى وأعم، إنه السحر الوطني والقومي حين يخرج إلى الحياة مصنوعًا بالثروة الجديدة، سوريا الجديدة الخارجة من عبق تاريخها الثابت.