ثلاثية أسعار الذهب والنفط والدولار
موقع قناة الميادين-
إبراهيم علوش:
يرتفع سعر الذهب، بصفته ملاذاً آمناً، في الأزمات بأنواعها وكلما ازداد ترقب حدوثها، يصبح مفضلاً على بقية الأصول أو العملات، وهو يميل للارتفاع مع ارتفاع معدل الأسعار وانخفاض قيمة العملات وتزايد عدم اليقين حول حالة الاقتصاد.
شهدت أسعار الذهب، منذ بداية شهر تشرين الثاني/نوفمبر الفائت، اتجاهاً عاماً نحو التذبذب صعوداً إلى مستويات يتوقع المحللون أن تكون قياسية خلال عام 2023. وبلغ سعر أونصة الذهب 1866 دولاراً عند إغلاق بورصة نيويورك يوم الجمعة الفائت الساعة 5 مساءً.
بلغ سعر أونصة الذهب مستوىً قياسياً عند 2069 دولاراً في 8/3/2022، عشية العملية الروسية الخاصة في أوكرانيا، ليعود إلى التأرجح هبوطاً إلى 1622 دولاراً للأونصة مع نهايات شهر أيلول/سبتمبر الفائت، أي خلال 6 أشهر، ما أوحى هنيهةً أن سوق الذهب استوعبت الصدمة الأوكرانية وآثارها اقتصادياً وراحت تتجاوزهما، لكن ذلك الانطباع لم يستمر أكثر من شهرٍ، إذ عادت أسعار الذهب إلى التسلق صعوداً إلى مستويات عام الجائحة، 2020.
يرتفع سعر الذهب، بصفته ملاذاً آمناً، في الأزمات بأنواعها وكلما ازداد ترقب حدوثها، يصبح مفضلاً على بقية الأصول أو العملات، وهو يميل إلى الارتفاع مع ارتفاع معدل الأسعار وانخفاض قيمة العملات وتزايد عدم اليقين حول حالة الاقتصاد، ويتابع سعره تالياً طيفٌ واسعٌ من المحللين، لا تجار المعادن الثمينة فحسب.
يرتفع سعر الذهب أحياناً أخرى، بصفته أصولاً، نتيجة مقامرات المضاربين، كما حدث عام 2011 مثلاً، على خلفية التعثر والتعافي من الأزمة المالية الدولية، لكن تلك أشبه بفقاعات سعرية سرعان ما تفقأها أساسيات السوق. أما ما يجري الآن من ارتفاع في سعر الذهب فنذير شؤمٍ، بحسب المحللين، على تفاقم مشكلة الركود التضخمي عالمياً بالتزامن مع توترات جيوسياسية متأججة على ضفتي أوراسيا غرباً وشرقاً من أوكرانيا إلى تايوان.
الركود التضخمي طبعاً هو المزيج الصعب من الركود والتضخم اللذين يدفع كلاهما سعر الذهب إلى الارتفاع. كيف يدفع الانكماش الاقتصادي سعر الذهب إلى الارتفاع؟
ضعف الاقتصاد وتباطؤه وضعف أسواق الأسهم نتيجة ضعف مبيعات الشركات العاملة في الاقتصاد، وضعف إمكانية نموها استثمارياً، واحتمالية إفلاسها حتى.. يجعل الذهب أكثر جاذبيةً للمستثمرين.
كيف يدفع نمو التضخم أكثر من العائد على رأس المال سعر الذهب إلى الارتفاع؟ أما سلسلة رفع أسعار الفائدة التي قام بها الاحتياطي الفدرالي (البنك المركزي الأميركي) لاحتواء التضخم المتصاعد فيفترض أن تجتذب رؤوس الأموال والمدخرات نحو المؤسسات المالية المصرفية وغير المصرفية، أي بعيداً عن الذهب. ولكنّ معدلات التضخم المرتفعة في الولايات المتحدة، والتي بلغت 9.6% سنوياً الشهر الفائت، نزولاً من 9.9% في تشرين الثاني/نوفمبر، بما يقل كثيراً عن معدل الفائدة الأساسي البالغ 4.5%، تعني أن معدل الفائدة لا يعوض الاستثمارات في السندات الحكومية أو حسابات الادخار عن تآكل القوة الشرائية من جراء التضخم، ما يجعل الذهب أكثر أماناً من الدولار الأميركي (وكل عملة مرتبطة به) بالنسبة للمستثمرين وبالنسبة للبنوك المركزية حول العالم.
يعتمد سعر الذهب في المستقبل القريب على الفرق بين عاملين: معدل التضخم من جهة، ومعدل الفائدة من جهةٍ أخرى، فكلما ارتفع الأول مقارنةً بالثاني، ازدادت جاذبية الذهب، والعكس بالعكس. ومن المتوقع في عام 2023 أن يدفع الركود الاقتصادي معدل نمو الأسعار إلى الانخفاض (ما يقلل جاذبية الذهب)، إلّا أن مكوّناً رئيسياً من مكونات زيادة الأسعار، وهو سعر النفط (وحوامل الطاقة عموماً) من المتوقع أن يرتفع، كما سنرى.
صعود الدولار الأميركي وهبوطه في الأشهر الفائتة
كان لافتاً خلال عام الجائحة أن الدولار الأميركي نافس الذهب على صفة “الملاذ الآمن”، فازداد الطلب عليه وارتفعت قيمته، ثم عاد إلى الهبوط تدريجياً مقابل سلة من العملات الرئيسية وصولاً إلى 31/5/2021 حينما عاد إلى الارتفاع بصورةٍ لم يشهدها منذ نحو 20 عاماً، ليحلق نحو 14% مقابل تلك العملات الرئيسية الأخرى مع شهر تشرين الأول/أكتوبر الفائت، على الرغم من طباعة تريليونات الدولارات الأميركية وضخها في الأسواق، وارتفاع معدلات التضخم والدين العام وعجز الميزان التجاري أميركياً، ما يخالف أسس البديهة الاقتصادية.
تبقى تلك الظاهرة علامةً فارقةً في علم المالية الدولية يعدها الأميركيون مؤشراً على “استثنائيتهم”، ويمكن القول إنها مؤشرٌ على مركزية الدولار الأميركي كعملة عالمية وعلى تعامل العالم معه كـ”ملاذ آمن” بناء على الثقة بقوة الولايات المتحدة اقتصاداً ودولة على الأقل مقارنةً بغيرها حتى الآن.
اقرأ أيضاً: ارتفاع الدولار ينقذ الولايات المتحدة على حساب حلفائها والعالم
وتبقى ظاهرة ارتفاع قيمة الدولار الأميركي فوق ما تبرره أساسيات السوق مؤشراً اقتصادياً-سياسياً على الهيمنة الأميركية الماثلة عالمياً بوضوح، وإن كانت تواجه تزعزعاً وانحساراً نسبياً وغيوماً متلبدة في الأفق. وسبق تناول ظاهرة صعود الدولار الأميركي، في حين تدعو أساسيات السوق إلى هبوطه لولا الطلب العالمي عليه، في أكثر من مادة في الميادين نت، منها مثلاً لا حصراً “ارتفاع الدولار ينقذ الولايات المتحدة على حساب حلفائها والعالم” المنشورة في 2/5/2022.
أسهم رفع حزمة أسعار الفائدة الأميركية تدريجياً منذ ربيع العام الفائت في اجتذاب رؤوس الأموال إلى الدولار الأميركي، وأسهم تالياً بارتفاع سعره مقابل العملات الأخرى، كما أشرت في مادة سابقة أيضاً، إلّا أن الرفع المتتالي لأسعار الفائدة الذي واكبه ارتفاع الدولار مقابل العملات الأخرى قبل تشرين الثاني/نوفمبر الفائت ترافق مع انخفاضه مقابل العملات الأخرى بعد تشرين الثاني، في الوقت الذي راح يرتفع فيه سعر الذهب مقابل الدولار مع بداية ذلك الشهر.
هذا يعني أن رفع الاحتياطي الفدرالي بصورةٍ متتالية لسعر الفائدة الأميركية درءاً لخطر التضخم ربما أرسل رسالةً للمستثمرين وللبنوك المركزية حول العالم وكل من يقتني الدولار الأميركي كأصول أن الاحتياطي الفدرالي خائف على الاقتصاد الأميركي، وأن الاقتصاد الأميركي، كضمانةٍ لقوة الدولار، ليس “آمناً” بالمقدار الذي ظنوه، وأنه ربما يكون من الأفضل لهم التحول إلى الذهب، ولا سيما أن معدل نمو الاقتصاد الأميركي، مقاساً بمعدل نمو الناتج المحلي الإجمالي بالأسعار الثابتة، يتوقع أن يبلغ 0.5 بالمئة فحسب عام 2023 أو أقل من 1% بأفضل تقدير، بعد أن بلغ 6% عام 2021، وأقل من 2% عام 2022، أي أن الاقتصاد الأميركي يخطو بثباتٍ في مستنقع الركود.
أضف إلى ذلك أن الخوف من استفحال الركود الاقتصادي أميركياً، كما تشير المواقع الأميركية بناءً على مصادر رسمية نقدية، يتوقع أن يلجم نزوع الاحتياطي الفدرالي إلى تبني سياسة نقدية انكماشية، ما يقلل من جاذبية الدولار الأميركي نسبياً مع تباطؤ ارتفاع أسعار الفائدة.
بناءً عليه، راح الدولار الأميركي يهبط من عليائه مقابل العملات الرئيسية الأخرى، منذ بداية تشرين الثاني/نوفمبر الفائت، فأغلق في بورصة نيويورك يوم الجمعة الفائت عند نحو 104% مقابل سلة نموذجية من العملات الرئيسية الأخرى، بعد أن كان يساوي نحو 114% مقابلها في نهاية تشرين الأول/أكتوبر الفائت، أي أنه فقد نحو 10% من قيمته مقابلها خلال أقل من 10 أسابيع.
هذا مهم كمؤشر على الثقة لا بالدولار الأميركي فحسب، بل بالاقتصاد الأميركي نفسه، ونذكّر طبعاً أن قوة أي عملة في العالم يحكمها قانون العرض والطلب (لا الذهب كما يتوهم البعض)، وما برح الدولار طبعاً أقوى مما كان عليه منذ 20 عاماً، لذلك من السابق لأوانه التنبّؤ بانهياره، إنما أشير إلى أنه على مسارٍ تنازليٍ ثابت، وأنه خسر بالمتوسط 10% مقابل العملات الرئيسية، فيما ارتفع الذهب خلال الفترة ذاتها أكثر من 14%. وتوقعات المحللين هي استمرار الاتجاهين خلال العام الجاري: التصاعدي للذهب، والتنازلي للدولار.
مع ذلك، لا بد من الإشارة إلى أن هبوط الدولار، بالمتوسط، ما يعادل 10% إزاء العملات الرئيسية خلال الأسابيع العشرة الأخيرة يخفي ارتفاعه العام مقابل معظمها وهبوطه مقابل بعضها خلال العام الفائت ككل، إذ إنه ارتفع بالمجمل مقابل اليورو والجنيه الإسترليني والدولار الكندي والأسترالي والنيوزيلندي والين الياباني والروبية الهندية واليوان الصيني إلخ… لكنه انخفض، في عز صعوده، مقابل الروبل الروسي والريال البرازيلي. وكانت تلك علامة فارقة أخرى في المشهد المالي الدولي في عام 2022 تبرِز صعود قوى جديدة بمقدار ما تبرز هيمنة الدولار الأميركي عالمياً.
صعود النفط وهبوطه خلال الأشهر الفائتة
وصل برميل نفط تكساس WTI إلى قعرٍ سعري بلغ نحو 16 دولاراً للبرميل في نيسان/أبريل 2020 في عز الجائحة، لكنه عاد إلى الارتفاع تدريجياً إلى نحو 74 دولاراً للبرميل مع بداية عام 2022، فما أن قرعت طبول الحرب في أوكرانيا حتى شهق إلى أكثر من 120 دولاراً للبرميل بالمتوسط، وبقي يتهادى صعوداً وهبوطاً فوق مرتفعات أسعاره العالية حتى الأسبوع الثاني من شهر حزيران/يونيو الفائت حين شهد تراجعاً تدريجياً منذ ذلك الوقت وصل به يوم الجمعة الفائت إلى أقل من مستواه في بداية عام 2022.
يُسعَّر ثلاثة أرباع النفط الخام عالمياً بناءً على مزيج نفط “برنت” البريطاني للأسف، وتُسعِّر منظمة أوبك نفطها الخام مثلاً بمقياس مزيج “برنت”، وهذا المقياس من فضلات الإمبراطورية البريطانية التي لا بد من إزاحتها إذا أردنا التحدث بجدية عن نظام اقتصادي عالمي بديل أو عن تنمية مستقلة في الوطن العربي، وليس لائقاً أن يكون “مزيج نفط دبي” مخصصاً، كمقياس عالمي، للنفط الأقل نقاءً (بالنسبة لمحتوى الكبريت) من نفط “برنت” الذي تنتجه بريطانيا من حقولها في بحر الشمال، والذي يعد المقياس العالمي للنفط الأجود (“الخفيف” و”الحلو”). وتستعمل روسيا مثلاً “مزيج نفط الأورال” مقياساً لتسعير نفطها، وهو المستهدف بالسقف السعري غربياً.
اقرأ أيضاً: عودة إلى تسقيف سعر النفط الروسي
في جميع الأحوال، وصل نفط برميل “برنت” إلى قعرٍ سعريٍ بلغ نحو 20 دولاراً للبرميل في شهر نيسان/أبريل 2020، ليرتفع إلى نحو 78.5 دولاراً للبرميل مع بداية عام 2022 مع التعافي من أثر الجائحة، ثم علا إلى نحو 124 دولاراً للبرميل على خلفية العملية العسكرية الروسية، ليبدأ مساراً تنازلياً منذ الأسبوع الثاني من شهر حزيران/يونيو الفائت، وليعود مع بداية 2023 إلى ما كان عليه في بداية 2022.
وشهدت أسواق الغاز الخام مساراً مماثلاً لأسواق النفط الخام، فارتفعت مع التعافي من الأثر الاقتصادي لكورونا ثم تسامقت مع العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا وعادت إلى الانخفاض بعدها لتنتهي مع نهاية العام 2022 حيث بدأت في بدايته.
من المتوقع، على الرغم من ذلك، أن يعود سعر النفط الخام إلى الارتفاع مع تجدد حيوية النشاط الاقتصادي في الصين ورفع الإغلاقات المفروضة لمحاصرة انتشار كوفيد-19. فالقضية بالنسبة للصين لم تعد قضية موازنة الاقتصاد مقابل الصحة العامة فحسب، بل قضية أمن قومي تتمثل بسباق “كسر العظم” اقتصادياً وتكنولوجياً مع الولايات المتحدة الأميركية.
ويشير تقرير لوحدة الأبحاث الاقتصادية في بنك “غولدمان ساكس” إلى أن تفعيل النشاط الاقتصادي صينياً بمستوياته السابقة لقيود كوفيد-19 سوف يرفع سعر النفط نحو 15 دولاراً للبرميل بالمتوسط في عام 2023. ويتوقع المحللون أن يؤدي هذا العامل، إضافةً إلى توقف الولايات المتحدة وغيرها عن إطلاق احتياطيات النفط الاستراتيجية في الأسواق والعقوبات على النفط الروسي (التي تقلل من الكمية المعروضة منه)، إلى عودة أسعار النفط الخام للارتفاع، على الرغم من تباطؤ النشاط الاقتصادي عالمياً.
العامل الذي دفع سعر النفط إلى الانخفاض في الأشهر الأخيرة، وهو الركود الاقتصادي وتوقع تعمقه، هو ذاته ما زاد الطلب على الذهب ورفع سعره وقلل الطلب نسبياً على الدولار الأميركي مع تزايد عدم اليقين حول مستقبل الاقتصاد الأميركي في المدى القريب. لكنّ عوامل انخفاض عرض النفط، ومنها تقصير نيجيريا والجزائر عن الوفاء بإنتاج حصتيهما المتفق عليها ضمن أوبك لأسباب تقنية، بالترافق مع تزايد الطلب الصيني والآسيوي عموماً عليه يتوقع أن تدفع بأسعار النفط إلى الأعلى خلال عام 2023، وهناك من يرى أنها ستصل إلى 100 دولار للبرميل، والبعض يتوقع وصولها إلى 140 دولاراً للبرميل، لكن معظم المحللين يرون أن سعر برميل النفط سيبلغ أقل من 90 دولاراً بقليل، أي أكثر بـ15 دولاراً للبرميل مما هو عليه اليوم.
ثلاثية الذهب والنفط والدولار المتوقعة عام 2023
يشير البعض إلى أن رفع الصين لقيود كوفيد-19 ترافق مع تزايد انتشار الفيروس، ما يمكن أن يوهن من نزوع سعر برميل النفط إلى الارتفاع. ويذكر أن أوبك توقعت زيادة الطلب على النفط في العام الجاري بمعدل 2.25 برميل يومياً. كما يذكر أن استهلاك الصين من النفط، البالغ 14.4 مليون برميل يومياً عام 2022، يتوقع أن يرتفع في العام الجاري بمقدار مليون برميل يومياً.
ومن المتوقع أيضاً، بحسب المؤشرات المتوفرة، أن يرتفع معدل نمو الاقتصاد الصيني عام 2023 إلى 4.7%، وأن يبلغ معدل نمو الاقتصاد الهندي 7%، وأن ينمو الاقتصاد الأندونيسي، البالغ حجمه عام 2022 أكثر من 1.2 ترليون دولار، نحو 4.5%، وأن يتباطأ نمو الاقتصادين البرازيلي والأسترالي إلى أقل من 2%، بالتزامن مع تباطؤ اقتصاد كوريا الجنوبية إلى 1.6%، وتباطؤ نمو اقتصاد اليابان إلى 1.5%، وتباطؤ نمو الاقتصادين الأميركي والكندي إلى 0.5%، وتباطؤ نمو اقتصاد الاتحاد الأوروبي إلى 0.3%، وانكماش الاقتصاد البريطاني بمقدار– %1.3(سالب 1.3)عام 2023، وهي أهم اقتصادات العالم، ومعها الاقتصاد الروسي الذي سينكمش بمقدار 2.5% في العام الجاري نتيجة العقوبات الغربية الشديدة عليه.
يعني ما سبق أن الاقتصادين الصيني والهندي، بما يمثلانه من ثقل دولياً، سيكونان رافعة النمو الاقتصادي العالمي في العام الجاري، يليهما الاقتصاد الأندونيسي الصاعد. وهذا بدوره يعني أن ميزان القوى الاقتصادي سيميل جنوباً وشرقاً بدرجة أكبر عام 2023، مع بقاء الاقتصادات الغربية مهيمنة عالمياً.
تنسجم اتجاهات النمو عام 2023 مع الاتجاه التاريخي الصاعد، وما يهمنا هنا هو أن الصين والهند هما أول وثاني أكبر مستوردين للنفط الخام عالمياً، فنموهما يعني نمو طلبهما على حوامل الطاقة وارتفاع سعرها، أما أندونيسيا فمصدِّرٍ ثانويٍ للنفط، وربما يؤدي نموها الاقتصادي إلى زيادة الطلب داخلياً على صادراتها من حوامل الطاقة.
هذا يعني زيادة تكلفة الإنتاج ومعدل الأسعار أوروبياً وأميركياً في ظل ركودٍ مستحكم، وسيكون أثر ذلك المزيد من ارتفاع أسعار الذهب مقابل الدولار (واليورو)، ولا سيما إذا بقي الاحتياطي الفدرالي متردداً في رفع معدلات الفائدة الأميركية خوفاً من مزيدٍ من الركود، وسيضغط هذا بدوره على الدولار الأميركي هبوطاً، مع الإدراك الكامل أن الإدارة الأميركية لن تقف مكتوفة الأيدي في مواجهة:
أ-نزوع البنوك المركزية والمستثمرين حول العالم لشراء الذهب وللتخلص من الدولار.
بـ -النمو الاقتصادي عالي الوتيرة في الهند والصين الذي “يهدد” بارتفاع أسعار حوامل الطاقة.
لكنّ الغرب ارتكب خطأً مميتاً بمصادرة أصول روسيا وتجميدها، إذ إن ذلك العامل وحده دفع كثيرين حول العالم إلى اللجوء إلى الذهب وإلى التعامل بغير الدولار (واليورو). الثقة بأهلية الدولار الأميركي كمخزن للقيمة باتت موضع شك إذاً، ويسجل أن البنوك المركزية حول العالم اشترت ذهباً عام 2022 بمعدل غير مسبوق منذ 55 عاماً، يقودها بنكا الصين وروسيا المركزيان. وتدل الإحصاءات على أن البنوك المركزية اشترت 400 طن من الذهب في الربع الثالث من عام 2022 وحده، ناهيك عما اشتراه القطاع الخاص، ولا شك أن هذا العامل وحده يدفع سعر الذهب إلى الارتفاع.