تونس تتحدى الضغوط الغربية وتدافع عن استقلالها
صحيفة البعث السورية-
سمر سامي السمارة:
منذ حصولها على الاستقلال في عام 1956، ركزت تونس بشدة على جذب السياح، وبناء شبكة ضخمة من الفنادق المزودة بأعلى الكفاءات، والاستفادة من موقعها الجغرافي المتميز، فضلاً عن تركيزها بشكل خاص على تطوير نظامها التعليمي، ونتيجة لذلك اتصف خريجي الجامعات التونسية بالتأهيل الجيد، والإلمام بشكل كبير باللغات الأجنبية.
لكن تونس تحولت في عام 2011 إلى رأس حربة لما يسمى بـ “الربيع العربي”، حيث تمت الإطاحة بالرئيس زين العابدين بن علي ووصل إلى السلطة ائتلاف من الأحزاب العلمانية والإسلامية، حيث سارعت القوى الغربية بنشر العديد من المقالات حول تحول تونس إلى نموذج ديمقراطي للدول العربية والأفريقية، مدعيةً أن التحالف الذي وصل إلى السلطة مثال يُحتذى به.
ومع ذلك، فقد أظهرت السنوات التي مرت بعد ما تسمى بـ” الثورة” أن القوى المختلفة في الحكومة تدفع البلاد في اتجاهات مختلفة، ونتيجة لذلك، شهدت البلاد أكثر من عشر سنوات من الركود الاقتصادي، ونقص الغذاء المزمن، والأزمة المالية الشديدة. وبحسب البيانات الرسمية لشهر أيار الماضي، ارتفعت نسبة البطالة إلى 16.1٪ في الربع الأول من العام الجاري، مقارنة بـ 15.2٪ في الربع الرابع من العام السابق، كما تقدر ديون الدولة بحوالي 80٪ من ناتجها المحلي الإجمالي.
في عام 2019 اُنتخب خبير القانون الدستوري، قيس سعيد، رئيساً للجمهورية التونسية، واتبع على الفور مسلكاً لإعادة النظام إلى البلاد، ومحاربة الفساد، وإزاحة “المتطرفين” من السلطة. وعلى الرغم من المعارضة المدعومة من الغرب، حافظ الرئيس سعيد على موقفه بطرد “الإسلاميين” من الإدارة والبرلمان، وركز على تدابير تحسين اقتصاد البلاد، وخاض مفاوضات على قرض جديد من صندوق النقد الدولي منذ حوالي عامين، لكن على الرغم من اتفاق مبدئي تمّ إبرامه في تشرين الأول الماضي، فإن المفاوضات متعثرة، لأن الحكومة التونسية ترفض سياسة الابتزاز التي يمارسها صندوق النقد الدولي إزاء تونس، والذي يشترط تنفيذ برنامج الإصلاح الذي ينصّ على إعادة هيكلة أكثر من 100 شركة عمومية تونسية مثقلة بالديون، ورفع الدعم الحكومي على بعض المواد الأساسية، والتي اعتبرتها تونس إملاءات وتدخلاً في شؤون البلاد الداخلية.
وفيما يخص قضية الهجرة غير القانونية، قال سعيد أن الدول الغربية تستغل كل ما يتعلق بالسياسة الداخلية والخارجية التونسية، وللقيام بذلك، حاول الاتحاد الأوروبي ضخ 2-3 مليون مهاجر من أفريقيا جنوب الصحراء إلى تونس كوسيلة ضغط على البلاد. كما مارست الإدارة الأمريكية ضغوطاً مفتوحة على السلطات التونسية، حيث أعلنت تخفيض المساعدات. وبالتزامن مع ذلك، وافق البرلمان الأوروبي على قرار خاص في أذار من هذا العام يدين ما زعم أنه “المسار الاستبدادي للرئيس التونسي”.
وبدورها، استغلت وسائل الإعلام حقيقة أن مئات المهاجرين من أفريقيا يحاولون كل يوم الوصول من تونس إلى إيطاليا بالقوارب، حيث ارتفعت وتيرة محاولات الهجرة غير القانونية التي غالباً ما تنتهي بحوادث غرق، لكن رداً على ذلك، صرح الرئيس سعيد أن تونس لن توافق على سحب الدعم عن الخبز، والوقود، وخصخصة الشركات المملوكة للدولة على نطاق واسع، مؤكداً أن هذه الأعمال ستسبب اضطرابات اجتماعية. بدلاً من ذلك، أبدى استعداد لفرض ضريبة إضافية على الميسورين، مؤكداً أن بلاده ترفض بشكل قاطع أن تكون حرساً لحدود أوروبا.
نتيجة لموقف تونس الصارم والثابت، اضطر الاتحاد الأوروبي إلى التراجع، وبمبادرة من رئيسة الوزراء الإيطالية جيورجيا ميلوني، وعد الاتحاد الأوروبي تونس بقرض بقيمة مليار دولار، حيث يتم تقديمه على أنه “مساعدة مالية كبيرة لإنقاذ الاقتصاد المتعثر”. وبالطبع تم الاتفاق على تخصيص 113 مليون دولار لضبط الحدود، وعمليات البحث والإنقاذ ومبادرات مكافحة التهريب.
تجدر الإشارة إلى أن الرئيس التونسي يسلط الضوء بشكل متكرر على اعتبار المهاجرين ضحايا نظام عالمي “لا يعاملهم كبشر، بل كأرقام فقط”. زفي الواقع، تُظهر مثل هذه الردود أن عدداً متزايداً من الدول النامية ترفض قبول مطالب القوى الاستعمارية الجديدة، مفضلةً الدفاع عن مصالحها الخاصة بدلاً من إرضاء الغرب.
من المعتاد أن لا يتخلى الغرب عن أساليب الابتزاز والضغط التي يلجأ إليها عادة، ففي منتصف حزيران الماضي، قدم عضوان في مجلس الشيوخ الأمريكي مشروع قانون حول ما زعما أنه “تشريع يهدف لتعزيز المؤسسات الديمقراطية في تونس والحد من تقديم المساعدات المالية حتى تستعيد تونس مسارها السياسي”. ومع ذلك، ترفض تونس تغيير موقفها وتتمسك بسياستها المعلنة على الرغم من حملة الترهيب والتهديد ضدها.