توقف “ساعة الحظر”
صحيفة الوفاق الإيرانية-
مرتضى أحمدي:
لدى استعراض العلاقات الدولية نجد ان الحروب تنقسم الى انوع مختلفة، حروب قاسية (عسكرية) وناعمة وباردة وثقافية و… ولكن كبار المفكرين في مجال العلاقات الدولي يعتبرون الحرب الادراكية أو المعرفية (cognitive warfar) بأنها فرع من الحروب النفسية التي تستهدف المعتقدات والمواقف وسلوك المجتمعات والنخبة.
مع مجيء الحكومة الثالثة عشرة واستئناف المفاوضات النووية، فإن الاطراف الغربية حاولت استغلال تقنية الحرب المعرفية للتأثير على الرأي العام الداخلي في ايران سواء على صعيد النخبة أو الانسان العادي، وذلك من خلال فرض انطباع خاطئ للمارسة المزيد من الضغوط على المفاوضين الايرانيين، وتحقيق نتائج إيجابية لصالحها.
الجدير بالملاحظة هو خصوصيات هذا المشهد، لذلك حاولنا في هذا المقال نقد وتقييم المفاهيم الخاطئة الناجمة عن الحرب المعرفية.
ان امريكا والدول الاوروبية الثلاث أعلنت خلال الاشهر الخمسة الماضية مراراً بأن فرص المفاوضات تقترب من نهايتها والوقت للتوصل الى اتفاق محدود، وذلك لأن برنامج ايران النووي يتقدّم بشكل ملحوظ، ووصلت الى نقطة قريبة من الالعودة في هذا المجال، كما ان ضوابط عدم الانتشار النووي في طريقها للزوال. ولذلك كان لابد من التوصل الى اتفاق مع ا يران بأسرع وقت ممكن.
ان افضل دليل على هذا هو التصريحات التي أطلقها المبعوث الامريكي لشؤون ايران (روبرت مالي) في 21 ديسمبر/ كانون الأول الماضي خلال مقابلة مع شبكة “سي ان ان”، قال فيها: “ان ايران اقتربت من انتاج اسلحة نووي في المستقبل القريب، واذا واصلت ايران تقدّمها بنفس السرعة الحالية في المجال النووي، فإن الفرصة المتبقية لنا هي بضع أسابيع لا أكثر”.
لكن الدراسات التي أجراها الخبراء تبيّن حول موضوع “اقتراب ايران من انتاج السلاح النووي”، مجرد استنتاج خاطئ من الاساس، وذلك لعدّة أسباب:
وفقاً للدراسات الفنية والتقنية يوجد اختلاف واضح بين مرحلتين، مرحلة التخصيب على مستوى السلاح، ومرحلة انتاج السلاح وتنفيذه، ولابد من الفصل بين هاتين المرحلتين. لذلك حتى لو افترضنا، أن اكاذيب الاطراف الغربية صحيحة، وأن ايران توصّلت الى تخصيب اليورانيوم بنسبة 90% فإن ذلك يتطلب فترة بين (12) الى (18) شهرا لإنتاج السلاح النووي.
ان الجانب الغربي يعلم جيدا بهذا الأمر، كما اعتبر “روبرت كلي” الرئيس السابق للمحققين في الوكالة الدولية للطاقة الذرية، في 26 ديسمبر/ كانون الأول الماضي في مقابلة مع قناة الجزيرة، بأن قيام ايران بإنتاج قنبلة نووية هي فكرة حمقاء. وقال: ان حجم تخصيب بنسبة 60 % هي قريبة من نسبة 90%، وعليه فإنه من الممكن أن ايران وصلت الى نسبة تخصيب عالية لإنتاج قنبلة نووية، ولكن انجاز هذه العملية (صناعة قنبلة نووية) مع وجود عمليات التفتيش اليومية للوكالة الدولي هو فكرة حمقاء.
ان الجانب الغربي اعترف بنفسه بأن سيناريو اقتراب ايران من إنتاج قنبلة نووية هي حرب نفسية، كما كشف مسؤول اسرائيلي أن لابيد (وزير الخارجية الصهيوني)، قال لسوليفان (مستشار الامن القومي الامريكي) بأن اسرائيل تعمل حالياً كما لو أن ايران تملك يورانيوم مخصّب بنسبة 90%.
وعليه فإنه من الواضح لدى الجانب الغربي بأن تقدم ايران في مجال الطاقة النووية يتم في إطار نظام الضمانات والبروتوكولات المعتدمة لدى الوكالة الدولية للطاقة الذرية، وان سيناريو اقتراب ايران من انتاج القنبلة النووية هو مجرد “كذبة واعية”، ولكن السؤال هو لماذا يصرّ الجانب الغربي على هذه “الكذبة المفوضحة” خلال المفاوضات؟ الجواب على ذلك لأن (اداة الحظر) فقدت مفعولها، وان الرأي العام الداخلي والخارجي قد أدرك تدريجياً أن “الملك كان عارياً”.
هناك بعض الامور التي حدثت خلال الاشهر الخمسة الماضية، بيّنت بأن ايران تمكّنت من هزيمة (نهج الضغوط القصوى)، وانها تجاوزت الخطر المفروض عليها، وهذه الامور:
أ- ضغوط المتضررين من الحظر على امريكا: ان الحظر الامريكي لم يلحق الضرر بالشعب الايراني فقط، انما ألحق أضراراً باهظة بالعديد من حلفاء أمريكا أيضاً، حيث قال بون كانع هوين سفير كوريا الجنوبية في طهران مؤخراً، أن كوريا تعرضت لأضرار كبيرة جراء الحظر المفروض على ايران، حيث أن صناعة البتروكيماويات الكورية تواجه العديد من المشاكل، كما أن العديد من البنوك الدولية التي فرضت عليها امريكا غرامات كبيرة (بسبب انتهاك قوانين الحظر) قد تعرضت للافلاس.
ولهذا فإن تصاعد العقوبات الامريكية، قد ألحقت اضرارا باهظة على اقتصاد حلفائها، ولذلك فإن هذه الدول الحليفة ومن خلال ممارسة الضغوط على امريكا، تدعو الى إلغاء العقوبات ض ايران أو اصدار إعفاءات بهذا الخصوص. كما ان بعض الاخبار غير الرسمية تشير الى وجود مشاورات بين كوريا الجنوبية واليابان مع الولايات المتحدة بهذا الشأن.
ب- عدم الامتثال للعقوبات من قبل الدول المعارضة لأمريكا: ان موضوع العقوبات من قبل الدول المعارضة لها أصبح يُضرّ بأمريكا بالكامل، كما أعربت الصين خلال الاشهر الماضية وبصراحة عن معارضتها للعقوبات الامريكية الاحادية، وكما قال (هواتشواينغ) المتحدث باسم الخارجية الصينية في 29 سبتمبر الماضي، ان الصين ترفض قطعا كافة انواع العقوبات الاحادية، وانها تدعو الولايات المتحدة، وبأسرع ما يمكن الى التخلي عن فرض قوانينها الداخلية (بشأن العقوبات الاحادية المفروضة على ايرن) على المؤسسات والأفراد من الطرف الثالث. وقد كررت الصين مراراً هذا الطلب ولم يبق ذلك على مستوى الكلام وإنما طبقته عملياً.
ج- فوائد التعامل مع ايران تفوق مخاطر العقوبات الامريكية: ان التخفيضات التي تمنحها ايران لزبائن النفط الاجانب هي بصورة تجعل تلك الدول تفضل (فوائد التخفيضات الايرانية) على (مخاطر العقوبات الامريكية). حيث ان شراء النفط الايراني بالنسبة لهذه الدول أصبح أقل تكلفة ومن الممكن ان تصبح أرخص من ذلك أيضاً.
وعلى هذا الأساس فإن موقع بلومبيرغ أشار في تقريره حول زيادة حجم استيراد الصين من النفط الايراني، وقال: ان الصين استوردت في شهر نوفمبر نحو 18 مليون برميل ما يعادل 600 ألف برميل يومياً من النفط الايراني الخام، وهذا الحجم أكثر بنسبة 40 % أكثر من واردات الصين من النفط الايراني في شهر اكتوبر/ تشرين الأول.
د- المؤشرات الاقتصادية: بالاضافة الى ماذكر أعلاه، فإن بعض المؤشرات الاقتصادية الاخرى تبيّن فشل أداة الضغوط القصوى، حيث استعرض صندوق النقد الدولي في تقريره مؤخراً إجمالي الناتج المحلي الايراني في العام 2021، وأعلن انه بلغ (08/1) ألف مليار دولار، وان ايران بذلك تحتل المركز الاول بين دول المنطقة وان السعودية وتركيا تأتيان في المركزين الثاني والثالث على التوالي. وجاء في التقرير أيضاً: ان اجمالي الناتج المحلي الايراني يتجاوز حتى بعض الدول الاوروبية مثل بولندا والبرتغال وسويسرا.
ومن المؤشرات الاخرى التي تشير الى فشل سياسة الضغوط القصوى، هي تنامي الصادرات الايرانية، ففي احداث احصائية نشرها مركز احصاء الاتحاد الاوروبي، فإن صادرات ايران الى الاتحاد الاوروبي في شهر أكتوبر الماضي قد تجاوز مبلغ (103) مليون يورو، وهو أعلى حجم بلغته منذ نهاية 2018 حتى الآن.
كما بيّن التقرير أن ايران صدّرت مايعادل 736 مليون يورو الى الاتحاد الاوروبي خلال الأشهر العشرة الاولى من العام الحالي، ويمثل ذلك زيادة بنسبة 22% مقارنة بنفس الفترة من العام الماضي.
ان هذه المؤشرات تبيّن مدى رغبة الجانب الغربي في الاسراع للوصول الى اتفاق مع ايران وان زمن الوصول الى هذا الاتفاق قد أصبح محدوداً بالنسبة للغرب. وفي الحقيقة فإن امريكا تحاول من خلال (الحرب الادراكية)، الاستفادة من “سلاحها الخاسر” للحصول على مزايا من ايران، وبمعنى آخر تحاول بيع بضاعتها التالفة. ولذلك فإن الفريق الايراني المفاوض كما تبيّن خلال الاشهر الاخيرة ينبغي ألاّ يخضع لتأثير هذه الحرب النفسية، لأنه من خلال الصبر يمكن التوصل الى “اتفاق مناسب” قريباً، ويمكن معها قطف ثمار صمود الشعب امام الضغوط القصوى خلال هذه المفاوضات.
كتب هنري كيسينجر وزير الخارجية ومستشار الامن القومي الامريكي الاسبق في كتابه (النظام العالمي) حول تراجع الغرب عن مواقفه النووية خلال المفاوضات مع ايران، ان الشواهد تشير الى ان القدرة النووية الايرانية تواصل تقدّمها، في حين ان موقف الغرب قد تراجع بشكل مطرد. لقد حان اليوم الوقت للتراجع الغربي المستمر عن العقوبات لأن “ساعة الحظر” قد توقفت عن العمل!