توسّع اليمين الشعبوي المتطرّف في البرلمان الأوروبي
صحيفة البعث السورية-
ريا خوري:
شهدت العديد من دول الاتحاد الأوروبي تحوّلاً كبيراً بعدما حقّق اليمين الشعبوي المتطرّف حضوراً قوياً في الحكومات والبرلمانات، بينما تستعدّ القارة العجوز لانتخابات البرلمان المقرّرة خلال الفترة من السادس إلى التاسع من شهر حزيران القادم لاختيار سبعمائة وعشرين عضواً، وهي الدورة العاشرة منذ أول انتخاباتٍ مباشرة جرت عام 1979م، والأولى بعد خروج بريطانيا من الاتحاد بريكست Brexit في 31 كانون الثاني عام 2020م. يبدو أن القارة الأوروبية سوف تدخل مرحلةً جديدةً يسيطر فيها اليمين على البرلمان بشكلٍ كاسح، ما قد يترك تداعياتٍ سلبية جداً على سياسات الاتحاد الأوروبي وتكوينه وأهدافه، وخاصة فيما يتعلق بدعم أوكرانيا في حربها مع روسيا الاتحادية، إضافة إلى العديد من القضايا المهمة مثل قضية البيئة والمناخ والوحدة الأوروبية على وجه الخصوص.
لقد تفاقمت الأزمات الداخلية على عدة صعد داخل دول الاتحاد الأوروبي نتيجة تصاعد اليمين الشعبوي المتطرّف وتأثيره في العلاقات الدولية، فقد أظهرت العديد من الدراسات والتقارير الصادرة عن مراكز دراسات وأبحاث استراتيجية تابعة للاتحاد الأوروبي متخصّصة بالعلاقات الخارجية، أن اليمين الأوروبي الشعبوي المتطرّف يحقّق صعوداً لافتاً على حساب أحزاب الوسط وأحزاب الخضر، والأحزاب الاشتراكية، وتتوقع الدراسات والتقارير أن يسيطر الشعبويون اليمينيون المتطرّفون على نتائج الانتخابات في تسع دول على الأقل، وهي النمسا، وفرنسا، وإيطاليا، وبلجيكا، والمجر، والتشيك، وسلوفاكيا، وهولندا، وبولندا، مع احتمال تقدّمهم في دول أخرى مثل السويد وألمانيا وفنلندا وإسبانيا ولاتفيا وأستونيا.
وكشفت استطلاعات الرأي في العديد من دول الاتحاد الأوروبي أن أحزاب اليمين تحاول التمدّد أكثر فأكثر في دول أخرى، فقد أكد معهد (إينزا) الألماني لأبحاث الرأي أنّ (حزب البديل من أجل ألمانيا) وهو حزب سياسي يميني متطرف في ألمانيا، تأسس في برلين عام 2013 كردّ فعل على سياسة إنقاذ اليورو، هذا الحزب يمكنه مضاعفة حصّته التي فاز بها في انتخابات عام 2019م، حيث سيحصل على اثنين وعشرين بالمائة من الأصوات ليحتل المركز الثاني بعد التحالف المسيحي وهو الاتحاد الديمقراطي المسيحي (Christlich Demokratische Union Deutschlands)، الذي يرأسه في الوقت الحالي فريدرش ميرتس، وهو أكبر حزب ألماني معارض، كما أن الحزب اليساري الألماني المعارض للسياسة الأوروبية برئاسة سارة فاغنكنيشت سوف يحقق تقدّماً لافتاً.
وكان الحزب اليساري المعارض قد تأسّس في السابع عشر من حزيران عام 2007 باتحاد حزبي الاشتراكية الديمقراطية (الحزب الشيوعي في جمهورية ألمانيا الشرقية السابقة)، والخيار البديل من أجل العمل والمساواة والعدالة الاجتماعية، الذي كان تأسيسه الأول في الولايات الألمانية الغربية من منشقين عن الحزب الاشتراكي الديمقراطي وشخصيات نقابية شهيرة.
فقد اعتبرت رئيسة حزب اليسار جيزينا لوتيش أنّ الحكومة الألمانية قلّصت مخصصات أشد الفئات حاجة للمساعدة، وهذا ما دفع عدداً كبيراً من المواطنين الألمان إلى تأييدها.
في هذا السياق نجد الأمر لا يختلف كثيراً في فرنسا، فإن الانتخابات البرلمانية الأوروبية ستكون فرصة لـ”حزب التجمّع الوطني” وهو حزب يميني، أسّسه جان ماري لوبان في عام 1972م لتعزيز موقعه؛ حيث بدأ حملته من مدينة مارسيليا الواقعة جنوب شرق فرنسا بمشاركة مارين لوبان، كذلك الأمر في إيطاليا بالنسبة لحزب “فراتيلي” (إخوة إيطاليا) وهو حزب وطني محافظ بقيادة جورجا ميلوني وهي عضو مجلس النواب ووزير سابق في حكومة سيلفيو برلسكوني الرابعة.
وفي بولندا بالنسبة لحزب القانون والعدالة وهو حزب سياسي بولندي محافظ وطني، ديمقراطي مسيحي، شعبوي يميني ذو توجه اقتصاد اشتراكي، يشغل مئتين وسبعة وثلاثين مقعداً في مجلس النواب وستة وستين مقعداً في مجلس الشيوخ ليكون حالياً أكبر حزب في البرلمان البولندي.
و”حزب فوكس” الإسباني، وهو حزب سياسي إسباني أسّسه أعضاء سابقون في حزب الشعب يوصف الحزب بأنه يميني شعبوي، أو يميني متطرف.
و(حزب الحرية) الهولندي، وهو حزب سياسي هولندي تأسّس في الثاني والعشرين من شهر شباط 2006م. وهذا الحزب ذو توجّهات يمينية متطرّفة معادية للأجانب، وخاصة المسلمين. مؤسس الحزب هو خيرت فيلدرز السياسي اليميني المتطرف الذي أثار العديد من النظرات الطائفية والعنصرية.
و”حزب فيدس” المجري أو الاتحاد المدني المجري (Fidesz) وهو من أكبر الأحزاب السياسية في المجر. تسمياته القديمة: تحالف الشباب الديمقراطي (1988-1995)، ثم (فيدس – الحزب المدني المجري) (1988—1995)، حيث من المنتظر أن يحصلوا على المزيد من المقاعد.
وتشير الدراسات والتقارير الصادرة عن مراكز الأبحاث الأوروبية إلى أن عدد نواب معسكر اليمين الشعبوي المتطرف داخل البرلمان قد يرتفع من مائة وسبع وعشرون مقعداً حالياً إلى مائة وثمانون مقعداً أو أكثر، كما أنّ اليسار من المتوقع أن يحسّن حصيلته الانتخابية بالحصول على أربع وأربعون مقعداً.
وعلى الرغم من أنّ التصويت على القوانين والتشريعات يتم وفق التحالفات الحزبية، حيث تسيطر على البرلمان تاريخياً أحزاب الوسط وأحزاب الخضر، إلّا أنّ الانتخابات القادمة قد تُغيّر التحالفات لمصلحة اليمين الشعبوي المتطرّف، ما سوف يؤثر في مجمل السياسات الأوروبية تجاه الحرب الساخنة في أوكرانيا، والعلاقة مع جمهورية روسيا الاتحادية، والتحوّل البيئي والهجرة، وتوسيع الاتحاد والدفاع الأوروبي المشترك.
بعض المحللين الاستراتيجيين يطرحون مخاوف متزايدة من أن يؤدّي صعود اليمين الشعبوي المتطرّف إلى الدفع بتشريعات تهدّد الوحدة الأوروبية وعلاقتها الدولية في ظل أغلبية يمينية متطرفة في البرلمان الأوروبي تمسّ الجمارك والعملة والقضايا الإنسانية، والأمر الأخطر من ذلك سيكون مراجعة حصة دول الاتحاد الأوروبي في تمويل حلف شمال الأطلسي (ناتو).
بعد شهر حزيران المقبل سوف تكون هناك أوروبا جديدة غير التي عرفناها سابقاً ونعرفها اليوم، إذا ما تمكّن اليمين الشعبوي المتطرّف من أن يفرض سطوته على البرلمان الأوروبي ويغيّر من سياساته على الصعيدين الأوروبي والعالمي.