توسيع “الناتو” بيد اردوغان.. وعضوية السويد وفنلندا رهن الخضوع لمطالبه
موقع العهد الإخباري-
د. علي دربج:
حتى الآن، لم تنته فصول حكاية انضمام كل من السويد وفنلندا إلى حلف “الناتو”. أما السبب فيعود بالدرجة الأولى إلى سياسة الابتزاز التي يتبعها الرئيس التركي رجب طيب اردوغان – لاخضاع هلسنكي وستوكهولم وقيادة “الحلف” – الذي يستغل حاجة الغرب الأطلسي الساعي بجهد لتوسيع الناتو (بهدف إكمال الطوق على روسيا) لفرض شروطه وإلزام الحلف بتنفيذها.
غني عن التعريف أن فرملة اردوغان لاندفاعة هاتين الدولتين وأعضاء الحلف الـ29 بشكل عام، لا ينطلق من موقف مبدئي أو أخلاقي يملي عليه الوفاء لعلاقاته مع موسكو، بل إن تصرفه هذا، نابع من مصالح ذاتية وشخصية بحتة (تتعلق بمصيره في الانتخابات المقبلة أولًا وأخيرًا)، ستدفعه بالتالي حتمًا إلى القبول والتنازل – وفتح الباب على مصراعيه أمام هلسنكي وستوكهولم للانضمام إلى “الناتو” – لحظة تحقيق الاطلسي لمطالبه.
لماذا يعيق اردوغان انضمام فنلندا والسويد إلى “الناتو”؟
في الواقع، إن توسع “الناتو” ليشمل السويد وفنلندا هو احتمال قريب، لكن مصيره معلّق في الوقت الحالي من قبل عضو رئيسي في الحلف المكون من 30 عضوًا وهو تركيا.
يرتبط هذا المأزق بمنظومة من المشاكل، ليس أقلها التحديات السياسية الداخلية التي يواجهها أردوغان، وهي فوضى إلى حد كبير من صنعه (مثل رعايته للإرهاب التي ارتدت عليه على شكل تفجيرات ضربت عددًا من المدن التركية). زد على ذلك، أن الرئيس التركي مساوم بارع لا يكل ولا يمّل، حتى الوصول إلى مراده، وبذلك من المؤكد أنه سيستخدم كل نفوذ أو أوراق ضغط لديه لانتزاع التنازلات من حلفائه في “الناتو”، وإثارة قاعدته القومية قبل الانتخابات التركية المقرر إجراؤها في حزيران/ يونيو المقبل.
لذلك سيكون من الخطير بحسب دبلوماسيين غربيين تجاهل إعاقته باعتبارها مواقف مؤقتة، أو الافتراض أن المشكلة ستختفي إذا فاز أردوغان في الانتخابات، بالرغم من سوء إدارة التضخم المتصاعد في البلاد، والاضطراب الاقتصادي الناتج عن ذلك.
وبناء على ذلك، يعتبر مسؤولون أوروبيون أن حل المشكلة القائمة سيتطلب دبلوماسية مستدامة وربما تنازلات حقيقية، بعضها لا يخرج عن سلطة واشنطن. إذ يمكن برأيهم للرئيس الأمريكي جو بايدن والكونغرس، أن يلعبا دورًا رئيسيًا في ذلك. أكثر من ذلك، يعتبر هؤلاء المسؤولون، أنه يجب على الغرب الاطلسي مجاراة اردوغان، والرضوخ لمطالبه، لأنه مهما كان نوع الصداع الذي تمثله تركيا لحلف “الناتو”، فهي عضو قوي لا غنى عنه في الحلف، وعواقب فشل توسيع عضوية “الناتو” ستكون هائلة، وصفعة كبيرة لأوروبا وأمريكا معًا.
ما أهمية دخول فلندا والسويد في “الناتو”؟
تعتبر السويد وفنلندا دولتين متواضعتي الحجم – تستضيفان معًا أقل من 2 بالمائة من إجمالي تعداد سكان “الناتو” البالغ حوالي 950 مليونًا – لكنهما بالنسبة للغرب الاطلسي ذاتا أهمية كبرى من الناحية الأمنية والعسكرية، إذ إن دخولهما وفقًا لمسؤولين في “الناتو” سيمثل ضربة استراتيجية مؤذية للرئيس الروسي فلاديمير بوتين استنادًا إلى الأمور التالية:
– أولًا: سيؤدي هذا الانضمام إلى توسيع أراضي التحالف الغربي على طول الحدود الروسية بشكل كبير.
– ثانيًا: بحسب آراء الخبراء الغربيين، يصب هذا الانضمام في صالح واشنطن وحلفائها الأوروبيين أكثر من أي خطوة ملموسة أخرى متاحة، فضلًا عن أنه لا يخلو من رسائل تهديد مباشر لموسكو.
– ثالثًا: إن مظلة “الناتو” الأمنية، ستغطي هاتين الدولتين بعد تخليهما عن عقود من الحياد لتقديم طلب مشترك للحصول على عضوية الحلف.
من هنا استفاد أردوغان من طلب الانضمام هذا – بالإضافة إلى قواعد “الناتو” التي تمنح أي عضو حق النقض ضد التوسيع – لتضخيم شكاوى تركيا وتقديمها للمرشحين لعضوية الحلف من دول الشمال الأوروبي، وللمنظمة بشكل عام، بما في ذلك الولايات المتحدة.
ما هي مطالب أردوغان للموافقة على عضوية السويد وفنلندا لـ”الناتو”؟
في الحقيقة، إن بعض مطالب أو شكاوى اردوغان، متجذرة في مخاوف تركيا الأمنية الخاصة. فالشكوى الأعلى صوتا في تركيا ـــ هي الأصعب في تلبيتها من قبل هلسنكي وستوكهولم ـــ تتمثل باصرار أردوغان على أن تقوم السويد، التي يبلغ عدد سكانها الأكراد حوالي 100,000 نسمة، بقمع ما يسميهم الغرب بالناشطين والمتعاطفين المرتبطين بحزب العمال الكردستاني، الذي تتهمه انقرة بتنفيذ هجمات إرهابية داخل تركيا. للمفارقة تصنف الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي هذا “الحزب” منظمة إرهابية.
لكن المعضلة الأكبر تكمن أنه في بعض الحالات التي طالبت فيها تركيا بتسليم الأكراد وغيرهم من “الناشطين المناهضين لأردوغان”، كانت المحاكم السويدية، قد بتّت في قضاياهم التي لا تعتبر إرهابية وفقًا للمعايير الغربية، وهنا الطامة الكبرى عند أنقرة.
وما زاد الطين بلّة، أن أردوغان طالب علانية بتسليم صحفي منفي يتهمه بدعم انقلاب عام 2016 بهدف الإطاحة به، غير أن المحاكم السويدية رفضت هذا الامر. وقد جرى تبرير ذلك من قبل القضاء السويدي بأنه لا يمكن للسيد أردوغان أن يتوقع أن تتجاهل الدول الغربية قوانينها وإجراءاتها القضائية “لتسليم الناشطين” الذين يعتبرهم هو أعداء.
إضافة الى ذلك، هناك مطلب تركي آخر وهو أن ترفع دول الشمال حظر بيع الأسلحة لأنقرة، والذي فرضته دول أوروبية أخرى أيضًا في عام 2019، بعد أن شنت تركيا هجمات داخل سوريا ضد ميليشيات كردية تابعة لـ”حزب العمال الكردستاني”، مدعومة من الولايات المتحدة وحلفائها الأوروبيين ــــ لكن اللافت أن هذا المطلب، سلك طريقه للحل، بعدما استأنفت السويد بعض مبيعات الأسلحة إلى تركيا، ومن المتوقع أن تليها فنلندا في المستقبل القريب.
أما أكثر المطالب أهمية على رأس القائمة، فهي قضية صفقة الطائرات المقاتلة مع الولايات المتحدة من طراز F-16، والتي تقدّر قيمتها بحوالي 20 مليار دولار، وكانت قد طلبتها أنقرة لتوسيع وتحديث أسطولها الحالي.
صحيح أن إدارة بايدن دعمت الصفقة، لكن الكونغرس الأمريكي عمل على حظر البيع بسبب مخاوف على ما يبدو تتعلق بحقوق الإنسان في تركيا، وبناء على طلب من المشرعين المتعاطفين مع اليونان الذين يعارضون الصفقة. ومع ذلك، ثمة أصوات أوروبية تتهم الأعضاء المعارضين في الكونغرس للصفقة، بقصر النظر، ويقولون ان الأساس المنطقي لهذا الاعتراض يتضاءل أمام المشهد العام لدور تركيا الحيوي في حلف شمال الأطلسي.
ما أهمية تركيا عند “الناتو”؟
العديد من أعضاء “الناتو” يعتبرون أن تركيا ـــ التي انضمت الى الحلف في عام 1952 بعد ثلاث سنوات فقط من ولادة الحلف ـــ كانت أحيانًا شريكًا محرجًا لحلفائها لا سيما بعد أن ضاعف أردوغان هذه التحديات منذ وصوله إلى السلطة في عام 2014، من خلال توثيقه العلاقات مع روسيا، ثم نشر تركيا في عام 2019 صواريخ من طراز S-400 (نظام دفاع جوي روسي تخشى الولايات المتحدة أن يهدد جوهرة تاج ترسانة الناتو، أي مقاتلة F-35 Joint Strike Fighter) بالرغم من اعتراضات شديدة من إدارة الرئيس السابق دونالد ترامب، حيث كان ينظر إلى هذه الخطوة في واشنطن على أنها خيانة.
لكن مصالح اردوغان وعضوية بلده في “الناتو” يتقدمان في النهاية على أي اعتبار، وهما ثمن أي تحالف دائم. وعليه يؤكد قادة غربيون كبار أن تركيا وحلفاءها في “الناتو” أمر حيوي لأمن بعضهم البعض لمواجهة روسيا وهزيمتها.
في المحصلة، سيكون أردوغان هو الفائز الوحيد في المواجهة حول السماح للسويد وفنلندا بالانضمام إلى “الناتو” الذي يحتاج إلى تركيا للاستعانة بها على روسيا. وبعيدًا عن بعض الانتقادات لاردوغان، فهو يعتبر رجل أمريكا والأطلسي الذي لا غنى عنه، فلطالما أشاد مسؤولو “الناتو” بدور أنقرة السابق كحصن للدفاع الغربي ضد إيران، والأهم برأيهم هو الدور الايجابي الذي تلعبه انقرة حاليًا لصالح “الناتو” في أوكرانيا، عبر تزويدها كييف بطائرات بدون طيار وأسلحة أخرى، فضلًا عن اغلاقها البحر الأسود أمام التعزيزات البحرية الروسية، استجابة للأوامر الأمريكية.