توافقات مصرية إسرائيلية لما بعد طوفان الأقصى
موقع الخنادق:
مع انطلاق طوفان الأقصى التي وُصِفت بأنها “أكتوبر جديد” بيدٍ فلسطينية، بدا الموقف الرسمي لمصر كأنه قد صيغ في تل أبيب وليس في القاهرة. حيث نعت السيسي الفصائل علناً بالإرهاب، وهي التهمة التي تعني تلقائياً ترخيصاً بإبادتهم، كما اقترح التهجير القسري لفلسطينيي غزة إلى صحراء النقب، لتقليل الخسائر المدنية وتسهيل محاولات استئصال المقاومة ووضع حلول نهائية للقضية الفلسطينية. والبارز في مواقفه تبريراته لاستبعاد سيناء كوطن بديل لأهل غزة، فكان هاجسه الأساسي أن تتحول سيناء إلى نقطة انطلاق للعمل المقاوم، وهو ما قد يهدد السلام القائم بين مصر و”إسرائيل”. وفي صدد رسم طريق للواقع ما بعد الحرب، حدد تقرير نشره معهد الأمن القومي الاسرائيلي (INNS) نقاط التوافق المصري الإسرائيلي، التي تبّين الرؤية المصرية في مرحلة ما بعد طوفان الأقصى:
– الرغبة المتبادلة بين “إسرائيل” ومصر في إضعاف حماس وتجريد قطاع غزة من السلاح. توافق مصر في هذا الإطار، على طرح إحلال دولة فلسطينية منزوعة السلاح، مع ضمانات من قوى خارجية مثل الناتو، أو الأمم المتحدة، أو جيوش من دول عربية، أو قوات من الولايات المتحدة. الجدير بالذكر، أنه رغم الاتفاق بين الأمريكيين والمصريين على موضوع حل الدولتين، فان حسم موضوعات القضايا النهائية كالحدود واللاجئين والقدس وغيرها، غير متوافق عليه، كما ان “إسرائيل” غير راغبة في هذا الحل ولا المقاومة الفلسطينية.
– إقامة نظام سياسي في غزة يمنعها من أن تصبح مركزاً للمقاومة يستهدف “إسرائيل” ومصر. كما تسعى مصر إلى تأسيس فوري لقيادة فلسطينية موحدة ومتفق عليها في قطاع غزة والضفة الغربية.
– وضع مصر كضامن، باعتبارها الوسيط الرئيسي والفاعل الأساسي في صياغة الواقع الجديد في غزة، أو في أي أزمات مستقبلية بين “إسرائيل” وغزة. تهدف مصر بعد الحرب إلى تكرار دورها الذي كانت تلعبه في غزة قبل عملية طوفان الأقصى: وهو التوسط بين الكيان الإسرائيلي والفلسطينيين، وإدارة المعابر الحدودية بين غزة وسيناء لأهميتها الإنسانية والاقتصادية والأمنية، والمساعدة في إعادة إعمار غزة، ستحاول مصر ان تشترط نصيباً كبيراً في مشاريع إعادة اعمار القطاع، الذي يحتاج طبقاً لبعض التقديرات الى ما لا يقل عن 41.9 مليار دولار. وعليه، فإن مصر تريد ان تكون شريكاً رئيسياً في إعادة البناء، وستعمل على الترويج لمؤتمر دولي لمساعدة غزة.
– التنسيق بين مصر و”إسرائيل” للحد من تأثير محور المقاومة في الشرق الأوسط قدر الإمكان.
– التعاون لتوسيع قاعدة تطبيع العلاقات العربية الاسرائيلية عبر ترتيبات إقليمية وفي إطار ذلك، تعمل مصر على تطوير مقترح فلسطيني عربي إقليمي، لتقديم مساعدات مالية دولية للسلطة الفلسطينية لإعادة إعمار غزة.
– تقديم مساعدات اقتصادية لمصر: على مدى الأشهر الثمانية عشر الماضية، فقد الجنيه المصري نحو نصف قيمته مقابل الدولار الأمريكي، ووصلت معدلات التضخم إلى مستوى قياسي، وأصبح أكثر من نصف سكان مصر قريبين من خط الفقر وما دونه. من المتوقع أن تضم هذه المساعدات:
أ- الإعفاء من نسبة معينة من ديون مصر أحد العناصر الرئيسية في الأزمة الاقتصادية في مصر هو الديون المتزايدة. ووفقاً للأرقام الصادرة عن البنك المركزي المصري، يبلغ حجم الدين الخارجي للبلاد 165 مليار دولار – نحو 95% من الناتج المحلي الإجمالي.
ب- تشجيع الاستثمارات الاجنبية في صحراء سيناء خاصة في قطاعات الطاقة والسياحة والنقل الدولي. هددت معركة طوفان الأقصى بتفاقم الأزمة الاقتصادية المصرية، فبالإضافة إلى الأزمات التي عصفت بها نتيجة جائحة كورونا والحرب الروسية الأوكرانية. تأثرت قطاعات الطاقة، السياحة، والنقل الدولي عبر قناة السويس. في بداية الحرب انخفضت صادرات إسرائيل من الغاز الطبيعي إلى مصر بشكل شديد. كما شهدت السياحة، وخاصة في سيناء تراجعًا كبيرًا بالتزامن مع موسم الذروة للسياح الأوروبيين. وأخيرا، تشكل الحرب تهديداً لحركة النقل البحري الدولي عبر قناة السويس، التي تعد مصدراً رئيسياً للعملة الأجنبية لمصر، بسبب استهداف الحوثيين (أنصار الله) للسفن المرتبطة بإسرائيل.
تستفيد مصر من دور الوساطة الذي تقوم به في الملف الفلسطيني، حيث يمنحها حضوراً سياسياً وأهمية في المنطقة. لكن في مقابل ذلك، تستخدم إسرائيل ملف الغاز للضغط على مصر لفرض بعض الشروط المتعلقة بالتعامل مع ما يجري في غزة، في وقتٍ تعتمد فيه مصر على واردات الغاز الإسرائيلي لتلبية بعض الطلب المحلي، ومنذ بدء المعركة هبطت واردات مصر من الغاز الإسرائيلي بنحو 19%، من 800 إلى 650 مليون قدم مكعب يوميًّا.
الدخول إلى سيناء
هناك عدة أسباب تفسر سبب إصرار السيسي على عدم القبول بالتوجه الغربي للسماح لسكان غزة بالدخول إلى سيناء، فمصر لا تريد أن تكون مسؤولة عن موجة اللاجئين الفلسطينيين، خاصة وأنها لا زالت تعاني تبعات الحرب في السودان، وتدفق مئات الآلاف من اللاجئين إلى مصر، وتواجه القاهرة تحديات اقتصادية داخلية كما أسلفنا، تجعل إمكانية استقبال لاجئين جُدد أمر غير مرغوب به، بالإضافة إلى تخوف السيسي من أن تتحول المنطقة إلى قاعدة خلفية تستغلها فصائل المقاومة في شن عمليات عسكرية ضد الكيان، وهو ما سيؤدي إلى أعمال انتقامية من الجانب الإسرائيلي، ما من شأنه زعزعة الأمن القومي المصري، وهي السردية التي يحرص نظام السيسي على ترديدها دائماً. إلا أن الموقف المصري قد يتغير في قادم الأيام إذا حصلت مصر على تطمينات بأنها لن تُترك لتتعامل مع لاجئي غزة بمفردها، خاصةً في ظل الضغوط التي تمارسها الولايات المتحدة والإمارات على السيسي لقبول لاجئي غزة، مقابل تقديم سلسلة من المزايا الاقتصادية والأمنية التي تحتاجها مصر. بالإضافة إلى خشية السيسي في حالة الرفض أن تتفاقم التوترات بين القاهرة وواشنطن. السيسي الذي وصفته صحيفة غارديان منذ أيام في أعقاب ترشحه للانتخابات التي حسمت بفوزه “أن حكم السيسي جمع بين إجراءات التقشف القاسية للجمهور، والإنفاق الفخم داخل النظام”.
كل ما سبق مرهونٌ بالتطورات الميدانية للمعركة، وبالنتائج العسكرية، والقدرة على إجبار كيان الاحتلال على إعادة النظر في مخططته، ونقاط توافقه السياسية مع أطراف عربية أو أجنبية.