تهويد الغور مهمة صهيونية عاجلة
صحيفة الخليج الإماراتية ـ
مأمون كيوان:
تبلغ مساحة غور الأردن 400 كيلومتر مربع، ويتراوح مستواه بين 200 وأكثر من 400 متر تحت سطح البحر، وهو أكثر جهات العالم انخفاضاً تحت مستوى سطح البحر، ويقع على امتداد نهر الأردن بين فلسطين والأردن، ويوجد فيه البحر الميت . ويعتبر القطاع الشرقي للضفة الذي يمتد على طول 120 كيلومتراً، من منطقة “عين جدي” قرب البحر الميت جنوباً ولغاية “الخط الأخضر” جنوبي بيسان شمالاً، ويبلغ عرضه 15 كيلومتراً .
ويعيش اليوم في الغور أكثر من 47 ألف فلسطيني، أي نحو 2% من التعداد الكلي للسكان الفلسطينيين في الضفة الغربية . وتشكل حدوده مع الأردن نقاط تواصل مهمة للتجارة والسفر مع بقية دول المنطقة .
ومنذ حرب ،1967 اعتبرت جميع الحكومات “الإسرائيلية” منطقة غور الأردن بمنزلة الحدود الشرقية ل “إسرائيل”، وطمحت في ضمه . ومن أجل تعزيز سيطرتها على المنطقة، أقامت في الأغوار، منذ مطلع سنوات السبعينات، 26 مستوطنة، يعيش بها اليوم نحو 7500 مستوطن .
وعلى مدار السنين، تم الإعلان عن الغالبية العظمى من أراضي غور الأردن، على أنها أراض تابعة للدولة، وجرى ضمها إلى مناطق النفوذ التابعة للمجالس الإقليمية المعروفة باسم “عرفوت هيردين” و”مجيلوت” التي تعمل في إطارها معظم المستوطنات في المنطقة .
وفي إطار اتفاقية أوسلو، تم تعريف هذه المنطقة، باستثناء جيب يضم مدينة أريحا والمساحات التي تحيط بها، على أنها مناطق C، التي تسيطر عليها”إسرائيل” سيطرة تامة .
ومنذ العام ،2005 فرضت إسرائيل في غور الأردن سياسة من التقييد على حركة وتنقل السكان الفلسطينيين، وجاءت هذه السياسة لتحل محل الجدار الفاصل، بحيث إن الوضع الذي أوجده الجيش “الإسرائيلي” في غور الأردن مشابه على وجه التقريب بصورة تامة للوضع السائد في “منطقة التماس” الواقعة بين الجدار الفاصل والخط الأخضر .
كما أقامت “إسرائيل” خلال السنوات الأخيرة حواجز ثابتة، وشدد الجيش بصورة ملحوظة من التقييدات المفروضة عليها، وأتاح المرور فقط لسكان غور الأردن على أساس بطاقة الهوية، بشرط أن يكون العنوان المسجل في بطاقة الهوية هو إحدى قرى الغور . أما باقي سكان الضفة الغربية، فيُطلب منهم إبراز تصريح خاص يتم إصداره من قبل الإدارة المدنية، ومن دون التصريح، فإن الجيش يتيح المرور فقط في “الحالات الإنسانية” . ولا يسري هذا المنع على دخول المواطنين من الضفة الغربية إلى مدينة أريحا، غير أن السفر من أريحا شمالاً إلى باقي أجزاء الأغوار محظور على الفلسطينيين، ومن بينهم سكان أريحا أنفسهم، باستثناء حملة التصاريح .
وتعد منطقة الأغوار من المناطق المتميزة نسبياً بوفرة مواردها المائية، رغم أن جزءاً كبيراً منها غير مستغل لأسباب سياسية، ولعل أهم الموارد المائية المتوفرة للاستخدام في الوقت الراهن هي ينابيع المياه المتواجدة في السفوح الجبلية المطلة على المنطقة، حيث يتصل عدد كبير نسبياً من الينابيع بها . كما يوجد فيها 133 بئراً جوفية، موزعة في مناطق: “أريحا، العوجا، الجفتلك، مرج نعجة، بردلة”، يستخدم غالبيتها الساحقة للأغراض الزراعية، وتقدر كمية المياه المستخرجة منها ب16 مليون متر مكعب .
وقد لجأت “إسرائيل” إلى حفر 35 بئراً بقدرة إنتاجية تقدر ب40 مليون متر مكعب، وفرضت قيوداً على حفر أي آبار جديدة للفلسطينيين في المنطقة، وأغلقت الآبار الفلسطينية الواقعة في المناطق العسكرية، كما حدث في منطقة مرج نعجة . وبينما يستهلك ال47 ألف فلسطيني ما معدله 37 مليون متر مكعب من الماء سنوياً، فإن ال8300 مستوطن يستهلكون 41 مليون متر مكعب!
كما فرضت “إسرائيل” على نهر الأردن، المورد الأول للمياه في المنطقة، إجراءات حرمت الفلسطينيين من حقهم في حصتهم من موارد مياهه، ب250 مليون متر مكعب، وتم الاستيلاء عليها كلياً منذ مطلع الستينات . وقامت منذ عام 1967 بالإعلان عن المنطقة المحاذية للنهر، المعروفة باسم الزور، والتلال المطلة عليها كمنطقة عسكرية يحظر على الفلسطينيين الدخول إليها، ما أدى إلى حرمان جزء كبير منهم من أراضيهم الزراعية التي يتم ريها من مياه نهر الأردن . وفي بداية الثمانينات قررت الحكومة تشجيع المستوطنين على فلاحة الأراضي في المنطقة لخلق منطقة فاصلة في الحدود ومنع التسلل من الأردن . وحصلت الهستدروت على الأراضي الفلسطينية الخاصة وقامت بتأجيرها للمستوطنين .
وتحت حماية القيود العسكرية طرأ في السنوات الأخيرة ارتفاع بأكثر من 110 في المئة في حجم الأراضي المفلوحة . وابتداء من العام 1997 توزع الإدارة المدنية كل سنة صوراً جوية تسمح بقياس حجم المزروعات . وفلح المستوطنون في تلك السنة 2380 دونماً من الأراضي الخاصة، أي أنهم فلحوا في العام ،2012 نحو 5064 دونماً .
وعسكرياً، يعد غور الأردن جزءاً من الخطط الأمنية “الإسرائيلية”، لذلك اتبعت سياسات تهويدية للحد من الوجود الفلسطيني فيه، وزيادة الوجود الصهيوني، وتحكم بالمصادر الطبيعية، منها: 1- إعلان المناطق المحاذية لنهر الأردن بعرض 3-5 كم، وتقدر بأكثر من ثلث مساحتها 400 ألف دونم، عسكرية مغلقة، يمنع الفلسطينيون من الوصول إليها لاستغلالها في الزراعة أو السكن أو أي نشاط اقتصادي، وإقامة نحو 90 موقعاً عسكرياً . 2- تدمير ومصادرة أكثر من 140 مضخة مياه تعمل في الأغوار يملكها فلسطينيون، وسحب الماء من نهر الأردن لري مزروعاتهم في الأغوار الغربية، وحفر الآبار لمصلحة المستوطنات، لاسيما غرب الآبار الفلسطينية، للوصول للمياه العذبة .
وتحت شعار الأهمية الأمنية لغور الأردن، أخذت الحكومات “الإسرائيلية” المتعاقبة تتبنى المقولة التي أطلقها “يغئال ألون”: “لكي يتحقق الدمج بين حلم سلامة البلاد من ناحية جيو-استراتيجية مع إبقاء الدولة يهودية من ناحية ديمغرافية، يتطلب هذا فرض نهر الأردن حدوداً شرقية للدولة اليهودية”، وهكذا صاغ “آلون” خطته للحل الإقليمي عقب حرب ،1967 متضمنة غور الأردن لكونه يشكل تواصلاً جغرافياً بين “بيسان وصحراء النقب” .
وتراوحت الخطط التهويدية من ذلك الوقت، بين ضم الغور إلى “إسرائيل” وفرض السيادة عليه، وفرض سيطرة أمنية لحماية “إسرائيل” من أي خطر من الشرق . وترى خطة أعدتها الأجهزة الأمنية “الإسرائيلية” أهمية قصوى في السيطرة على نقاط استراتيجية على المرتفعات الجبلية، وعلى حزام في غور الأردن يمتد من شمال البحر الميت وحتى شمال الغور، يجب أن يكون واسعاً بما يكفي لتوفير “الدفاع الفعال”، أي أن “إسرائيل” بتهويدها غور الأردن فإنها تخرجه مسبقاً من التداول في بازار المفاوضات العبثية الميتة في حال النجاح الموهوم في بعث الروح فيها .