تهديدات نتنياهو بضرب إيران.. قراءة في التوقيت والأهداف؟
موقع قناة الميادين-
شرحبيل الغريب:
تهديدات نتنياهو لإيران تأتي في توقيت يجري الحديث فيه عن اتصالات ووساطات تهدف للعودة إلى تفعيل المفاوضات النووية، في وقت سُجّل فيه تراجع خيارات إدارة بايدن في التعامل مع إيران.
سجّلت الساعات الأخيرة تهديدات مرتفعة الوتيرة أطلقها بنيامين نتنياهو رئيس وزراء حكومة الاحتلال الإسرائيلي، بـضرب إيران ومنعها من الحصول على سلاح نووي، وقال نتنياهو في تصريحات لقناة كان الإسرائيلية: “أنا أسمع كل ما ينشر حول إيران، لذا لديّ رسالة قاطعة وواضحة لكل من إيران والمجتمع الدولي، إسرائيل ستفعل كل ما يتوجّب عليها فعله من أجل منع إيران من الحصول على سلاح نووي”.
تهديدات نتنياهو تأتي في توقيت يجري الحديث فيه عن اتصالات ووساطات تهدف للعودة إلى تفعيل المفاوضات النووية، في وقت سُجّل فيه تراجع خيارات إدارة بايدن في التعامل مع إيران، ويأس وفشل في خيارات التهديد والوعيد والتحريض التي أطلقتها أوساط أميركية بعد تعثّر مسار المفاوضات مؤخراً، وقالت إن الاتفاق النووي قد مات وإن الخيار الدبلوماسي قد توقّف ودخل نفقاً مظلماً.
المدقّق في السياسة الخارجية الأميركية الحالية يدرك أنها تعيش حالة من الارتباك والتخبّط الواضحَين، وأصبحت عاجزة عن إحراز أي نجاحات في كثير من الملفات. ففي الوقت الذي تدعم فيه أوكرانيا في حربها ضد روسيا، ليس لديها خطط واضحة في إدارة وحسم ملفات جوهرية في المنطقة كملف إيران والتوصل معها إلى اتفاق شامل، وتحاول استعادة ورقة التفاوض معها بحثاً عن اتفاق ولو بشكل جزئي، أو حتى ملف العلاقة مع السعودية ودول أخرى في المنطقة.
تهديدات نتنياهو من حيث التوقيت والأهداف جاءت في أعقاب التقارير التي تحدّثت عن أن تخصيب إيران لليورانيوم يكفي لإنتاج قنبلتين نوويتين، وفي ذروة الوساطة العمانية التي تنصبّ هذه المرة على غرض استئناف المفاوضات بشأن البرنامج النووي الإيراني، وبضوء أخضر وطلب أميركي، بعد أن تعثّرت مؤخّراً، وهو ما يكشف عن رغبة أميركية بالعودة إلى الاتفاق النووي، حيث تحتل عُمان دوراً إقليمياً ودولياً، وخصوصاً أنها دخلت على خط الوساطة في عدة ملفات مهمة، شكّلت إيران طرفاً رئيسياً فيهاً.
تاريخياً، يسجّل لسلطة عمان دور سابق في إنجاح المفاوضات بين إيران وأميركا، حيث تعيدنا الذاكرة إلى الزيارة التي قام بها رئيس سلطنة عمان السابق السلطان قابوس بن سعيد إلى إيران عام 2013، والتي سُجّل لها أنها نجحت في كسر الجليد في المفاوضات النووية التي كانت تجري آنذاك، وهو ما دفع إيران للدخول في مفاوضات، انتهت في نهاية المطاف بإبرام الاتفاق النووي في فيينا عام 2015.
عند التوقّف أمام تصريحات نتنياهو يتضح أنه استخدم مصطلح المجتمع الدولي في تهديداته، لكنها في حقيقة الأمر تصريحات موجّهة إلى الإدارة الأميركية الحالية، وهو ما يكشف حجم القلق والذعر الكبير داخل “إسرائيل” من نتائج زيارة سلطان عُمان هيثم بن طارق إلى طهران، ونجاح الجهود العمانية مرة أخرى، في قدرتها على الدفع بالمفاوضات وإمكانية توصّل إدارة بايدن وإيران لاتفاق بوساطة عمانية جاءت بناءً على طلب من الإدارة الأميركية، إذ تقوم الوساطة على التزام إيران بتجميد بعض مكوّنات برنامجها النووي مقابل التزام أميركي بتخفيف الحصار الاقتصادي على إيران .
رفض “إسرائيل” للجهود العمانية واحتمالية التوصل إلى اتفاق مؤقت نابع من إدراك إسرائيلي بأن الاتفاق ولو جزئياً في حال نجاحه يضفي شرعية على كل ما حقّقته إيران في برنامجها النووي، ويُظهر حال القلق الإسرائيلي من التخفيف من حدة الحصار الاقتصادي المفروض على إيران وهو ما تخشى “إسرائيل” من أن تكون له تداعيات على دور إيران في المنطقة وتوسّع نفوذها وقوتها أكثر وقدرتها على دعم وإسناد دول محور المقاومة التي ترى في ذلك “إسرائيل” أنها تشكّل تهديداً وجودياً لها.
أكثر ما يقضّ مضاجع “إسرائيل” عند حديثها عن إيران والملف النووي الإيراني هو أن إيران ليست دولة عادية، بل هي تمثّل مشروع قوة حقيقياً، و”إسرائيل” تعي ذلك تماماً، وهذا يتجسّد واقعاً عملياً من خلال الكشف عن قدرات إيران في الإنتاجات العسكرية، والكشف عن صاروخ خيبر الإيراني الأخير الذي يصل مداه إلى 2000 كيلومتر وما قبله من إنتاج أجيال من الصواريخ والطائرات المسيّرة يصبّ كله في الاتجاه ذاته، لذلك فإنّ “إسرائيل” غير معنية بإضفاء أي شرعية على تدشين مشاريع قوة في المنطقة يمكن أن تنافسها أو تؤثر على تفوّقها العسكري النوعي.
“إسرائيل” في حالة عداء ليس مع إيران كقوة تخشاها في المنطقة، بل مع كل دولة عربية أو إسلامية تشكّل مصدر تهديد لها، فأي دولة أو جهة تعد مشروع قوة تعتبرها “إسرائيل” في حال عداء مباشر معها بغض النظر عن الأيديولوجية لمن تتبع ولمن تكون.
والأمثلة كثيرة في هذا الصدد، و”إسرائيل” التي تحارب اليوم البرنامج النووي الإيراني سبق أن دمّرت مفاعلات ذرية ونووية لدول معروفة بعينها في المنطقة، وهذا ما يدفعنا إلى نتيجة مطلقة أن “إسرائيل” في حالة صراع مع كل من يمثّل مشروع قوة لذلك تحارب وتنصب العداء إلى حزب الله وما يمثّله من مقاومة لبنانية، كما تنصب العداء وتحارب حركتي حماس والجهاد الإسلامي في فلسطين لما تشكّلانه من مشروع قوة ومقاومة في وجهها.
تنطلق رؤية “إسرائيل” في تعاملها مع دول المنطقة من ألّا تصل إلى مرحلة من التفوّق العسكري، ورؤيتها في ملف التطبيع مع السعودية أكبر دليل على ذلك، ورغم أنها تنظر إلى ملف التطبيع مع السعودية كأولوية وهي متلهفة لإنجازه لكنها تشترط وترفض أن تمتلك السعودية أي سلاح نوعي أو مفاعل نووي يندرج تحت إطار أي اتفاق تطبيع معها، وقد سبق أن عارضت “إسرائيل” بشدة تزويد الأردن بمسيّرات هجومية بدعم أميركي.
تسجّل إيران وما تمثله من مشروع قوة في المنطقة إنجازات مهمة انصبّت جلّها في تعزيز قوتها وحضورها، فقد سجّل الاتفاق مع السعودية برعاية صينية مؤخراً خسارة كبيرة لطموح “إسرائيل” من جهة وخيبة أميركية، كما أن إصرار إيران على أن يكون أي اتفاق يتعلق بالمشروع النووي اتفاقاً شاملاً بعيداً عن لغة الاشتراطات أو الربط في السياسة الداخلية والخارجية لإيران لهو مؤشّر على أن مشروع القوة في إيران قد نجح رغم حجم المؤامرات، وأن أميركا ومن خلفها “إسرائيل” لن تحقّقا أي نجاحات استراتيجية في مشاريعهما بعد الآن.
“إسرائيل” التي تمتلك مشروعاً خاصاً قائماً على إقامة دولة عسكرية نووية تتفوّق في القوة على كل أنظمة العرب مجتمعين، تنظر إلى دول المنطقة بفوقيّة مطلقة وتريد دولاً مقلّمة الأظافر لا تمتلك أي مشروع قوة لها، وعلى هذه القاعدة تتعامل مع إيران وملفها النووي الذي بات يؤرقها.
فلا يخلو تصريح من مستوى إسرائيلي كبير من مهاجمة إيران والتهديد والوعيد لها، لكن الحقيقة التي تنكرها “إسرائيل” أن موازين القوة تغيّرت وتبدّلت ولم تعد في صالحها، وأنها لم تعد تمثّل القوة الأكبر في المنطقة، وأن لإيران ومحورها في المنطقة ما تمتلكه من مشروع قوة حقيقي آخذ في التطور كل يوم، مشروع قوة قائم على تقويض مشروع “إسرائيل” في المنطقة والقضاء عليه.