تنكيل في جنين يصنع شللاً في مستوطنات غزة
موقع قناة الميادين-
محمد جرادات:
إثر اعتقال الشيخ بسام السعدي في جنين، استنفر الاحتلال بجيشه ومستوطنيه، وخصوصاً في غلاف غزة، خوفاً من رد حركة الجهاد الإسلامي التي فرضت عليه هذا الاستنفار من دون إطلاق رصاصة واحدة.
معادلة وحدة الميدان من جنين إلى غزة، حرص المحتل على منع تحققها. استهلّت رصف خطوتها الأولى عبر دخول سرايا القدس في غزة على خط المواجهة في جنين. وقع الكيان العبري في غفلة من سوء تقديراته، وهو يتقدم في عملية احتواء “مشاغلة جنين” كنموذج يتوهج في وجه اقتحامات جيشه للمدن الفلسطينية.
أخذت خيوط هذا التوهج تتسع نحو طوباس ونابلس، بما يعني أنَّ التحامها مع غزة ومقاومتها ضمن معادلة ميدانية ثابتة سيقود حتماً نحو واقع سياسي عسكري متدحرج.
أدرك المحتل تعثّر قواته الخاصة خلال اعتقال الشيخ بسام السعدي؛ القيادي البارز في الجهاد الإسلامي، وأَنّ ثمة ارتباكاً وقع بعد تورطها في الإساءة إلى هذا الشيخ عبر سحله على أكوام الحديد وضربه مع زوجته، حتى انتشرت دماؤه في بيته، على أثر انكشاف أمر هذه القوات التي تسترت بلباس مدنيّ، لتجد نفسها وسط إطلاق نار كثيف من مقاتلي كتيبة جنين التابعة للسرايا، ما دفعها إلى طلب تعزيزات ضخمة تصحبها طائرات الأباتشي التي قامت بتغطية انسحابها.
وجدت قوات الاحتلال نفسها وسط جمهور فلسطيني يهاجمها بكل ما أوتي من أدوات قتالية شعبية، ما أدى إلى استشهاد بطل الإرباك الليلي ضرار الكفريني. وبذلك، انقلبت مهمة الاعتقال الناجحة إلى عملية طويلة في قلع ما علق فيها من أشواك.
أول شوك تطلّب من المحتل قلعه من أضراس ما غرزته كلابه في جسد الشيخ السعدي، هو صورة قواته التي كانت تطلب الإغاثة لتخرج سريعاً من جنين التي لا تبعد عن مدينة العفولة المحتلة سوى بضعة كيلومترات، وهي أشواك طرّزها استعصاء جنين، لتسلب صورة الانتصار التي حرص المحتل على دمغها في وعي جمهوره، وفي وعي الجمهور الفلسطيني، في وقت استعادت جنين ومخيمها أنفاسهما، رغم نجاح المحتل في اعتقال رمز صمودها الأول، ولكن المنظومة الأمنية للاحتلال دخلت في تناقض ميداني مكثف بمجرد تورطها في تنكيل كهذا.
ثاني هذه الأشواك هو أزمتها الميدانية في التعامل مع تهديدات الجهاد الإسلامي، وهي تدرك أنها تتعامل مع حركة منسجمة مع ذاتها العقائدية والفكرية والسياسية منذ انطلاقتها، ولا تخضع لحسابات السياسة الإقليمية، ولا تتجاوز اتصالاتها مع الطرف المصري، على ثقله، ترتيبات ميدانية ضمن حسابات “تاسعة البهاء” أو على وقع نبضها، في ضوء حساسية علاقتها المتينة مع الشقيقة حماس، بصفة الأخيرة حاكمةً لغزة، وتقع على كاهلها أثقال لم توسع لها حركة الجهاد كتفها، اتساقاً منها مع طبيعة برنامجها الجهادي الجذري كحركة مقاومة نأت بنفسها ابتداء عن أعباء الحكم الداخلي وارتباطاتها المتشعبة.
لم يحصل شلل في غلاف غزة منذ 20 عاماً من دون رصاصة واحدة. هكذا أجمع الإعلام العبري على وصف الحال، وهي حال انتصر فيها الجهاد الإسلامي بمجرد توجيهها تحذيراً حادّاً في توقيت حساس.
ولأن الكيان العبري يدرك خصوصية الجهاد الإسلامي في طبيعة تكوينه الفكري والسياسي، وتنامي قدراتها العسكرية وعلاقاته العميقة مع محور القدس، كما يدرك خصوصية الشيخ السعدي ورمزيته، ويعترف ضمناً أن قواته ارتكبت جريمة تنكيل حرص على تجنبها سابقاً مع شخصيات اعتبارية كهذه في معظم عمليات الاعتقال. لهذا، سارع إلى بث صورة السعدي ليظهره بوضع صحي عادي، رغم ما أصابه من كدمات، لاحتواء موجة الغضب، في ظل الحديث عن تعرضه للإصابة بالرصاص، وهو ما حرص على نفيه بسرعة.
“السكان محاصرون. جئت لأحتضنهم”. هكذا لخص الزعيم الصهيوني المتطرف بن غفير حال المستوطنين. لهذا، منعه قائد المنطقة الجنوبية من دخولها، وتم إبلاغ جنود ألوية جولاني وكفير وجفعاتي بوقف العطل والإجازات حتى إشعار آخر، وتم تعزيز الجيش بالدبابات وقوات المدفعية والهندسة والمشاة والمدرعات والقوات الخاصة، ولكن ذلك لم يمنع بعض مستوطني كيبوتس نتيف هعسرا من القول إنها المرة الأولى التي يفكرون فيها بترك “إسرائيل”.
دخل الطرف المصري على خط الوساطة لاحتواء الموقف، ولكن في ضوء إصرار حركة الجهاد ومطالبتها المحتل بأن يدفع ثمن جريمته، سواء ما يتعلق بالسعدي أو بالأسير المضرب عن الطعام منذ شهور عديدة خليل العواودة، فإنَّ الشلل سيتصاعد.
اضطر رئيس حكومة الاحتلال لابيد إلى إلغاء إجازته، وأخذ قادة أركان جيشه وحكومته بزيارة غلاف غزة، وأجرى وزير الحرب مع رئيس الأركان والشاباك تقييماً للوضع، واعترف أبرز رجال الصحافة في الكيان بأنَّ الجهاد الإسلامي حققت انتصاراً في الوعي، مع حنكة سياسية في الابتزاز المطلبي، ودعا بعضهم إلى النظر جيداً في عيون الفلسطينيين.
إنها عيون الفلسطينيين المستضعفين في جنين، كما مجمل الساحة الفلسطينية. وقد تملّك حدّة نظراتها شعور بالقوة، رغم الفارق الضخم في موازين القوى لمصلحة الاحتلال. وقد عبّر عن ذلك والد الشهيد رعد خازم، وهو الضابط السابق في الأمن الوطني الفلسطيني، والمطلوب نسف بيته، بقوله “إنهم تحت إمرة الجهاد الإسلامي، وملتزمون بتعليمات قيادتها الرشيدة والحكيمة”.
وشدد خازم على أن ما فعلته الجهاد عقب اعتقال الشيخ بسام السعدي “كان موقفاً مشرفاً وعظيماً نفتخر به في جنين، ويفتخر به كل مسلم”، وهو بالتأكيد ما يعنيه الانتصار في معركة الوعي، عندما يتطوَّر إلى ما يشبه الرعب، فينتصر المظلوم.
إنها مسيرة أيام تتدحرج. وقد تفتحت على كل الاحتمالات، إلا احتمال العودة إلى ما قبل اعتقال السعدي والتنكيل بأسرته.