تموضع الصين في فلك القضية الفلسطينية
موقع الخنادق:
في السنوات الأخيرة، برزت دبلوماسية الوساطة كإحدى الركائز الأساسية لأهداف وممارسات السياسة الخارجية الصينية، مع تعمد بكين وضع نفسها كصانعة سلام في منطقة الشرق الأوسط. وهذا يساعد الصين على ترسيخ الصورة المحلية والدولية المهتمة بإحلال السلام والاستقرار في المنطقة. وقد استمر هذا الاهتمام منذ منتصف القرن الماضي وإلى الآن بصورة أو بأخرى، ليصل إلى الوضع الحالي للعلاقات والقائم على موازنة حذرة بين مصالحها العالمية مع القوى الكبرى ودورها على الساحة العالمية في مجالات السياسة والاقتصاد والعسكر، ومصالحها الإقليمية واهتمامها بإقامة علاقات اقتصادية وعلمية وتكنولوجية مع كيان الاحتلال.
وتعود رغبة الصين في لعب دور ما في الشرق الأوسط لاعتقادها أن مصالحها الكبيرة في المنطقة تتطلب منها تحركاً ما للحفاظ على الاستقرار وعدم الانحياز إلى أي طرف من أطراف الصراع العربي-الإسرائيلي، والقيام بدور ما في العثور على تسوية تخمد النزاعات في المنطقة. وتتناقض هذه السياسة مع سياسة الولايات المتحدة، المبنية على الهيمنة والتدخلات الخارجية في شؤون الدول ذات السيادة. وقد شرعت الصين في رسم صورة عالمية لها باعتبارها دولة “حيادية” و “مسؤولة” منفتحة على جميع الأطراف لا تتدخل في الصراعات الإقليمية والشؤون الداخلية، وتكتفي بمراقبتها بحذر. وأصبحت تتبنى هذه الاستراتيجية بشكل مباشر منذ مشاركتها في مؤتمر مدريد للسلام عام 1991، وذلك بسبب هيمنة الولايات المتحدة على النظام العالمي، وحصولها على تفويض من جانب قواه الكبرى بالعمل على حل الصراع العربي-الإسرائيلي. فباتت السياسة الصينية تجاه الصراعات الإقليمية، ومن ضمنها الصراع الفلسطيني- الإسرائيلي، أكثر انسجاماً مع سياسة المجتمع الدولي، ومنذ تولي الرئيس شي شينبينغ السلطة عام 2013، اصبحت الصين تلعب دورا فاعلا وملفتا في اقتراح خططٍ لإحلال السلام ودعم حق الفلسطينيين بتقرير المصير ودعم حل الدولتين. وعلى الرغم من السياسة التي دعمت فلسطين تاريخياً منذ “الحقبة الماوية”، حدّت العلاقات الاقتصادية بين الصين وكيان الاحتلال، الى حد كبير، الدعم الصيني المباشر للقضية الفلسطينية في السنوات الأخيرة، وخصوصا بعد 1991. فاتجهت السياسة الصينية حيال فلسطين والكيان لتكون أكثر توازنا، وهو التوازن الذي تزايد منذ وصول الرئيس شي جين بينغ السلطة في 2013. وذلك بموجب أن الاقتصاد هو من أولويات الإستراتيجية الصينية لأهميته على الصعود الصيني المتزايد. فبرز تناقض بين تنامي الشراكات الاقتصادية مع الكيان المؤقت، ودعم حق الفلسطينيين. بشكل عام، بدأت الصين مند منتصف الثمانينيات تتراجع عن مواقفها المؤيدة علناً للدول العربية في صراعها مع الكيان الاسرائيلي، وذلك بالتحديد في عام 1985 عندما ألقى رئيس مجلس الدولة الصيني محاضرة في المعهد الملكي للشؤون الدولية (تشاتام هاوس) في بريطانيا، حيث اكتفى بالتصريح عن “تأييد الشعوب العربية ضد سياسة التوسع الإسرائيلي”. وأتى ذلك في إطار بداية تراجع الصين عن مواقفها المؤيدة علناً للدول العربية في صراعها مع الكيان. ودعم هذا التوجه وزير الخارجية الصيني آنذاك عندما صرح بقوله: “إننا نؤيد المفاوضات السلمية التي تخدم الحل العادل والشامل لمشكلة الشرق الأوسط.” هذا التطور في موقف الصين أصبح يمثل نهجاً مختلفاً عن النهج السابق، وأدى فيما بعد إلى إجراء اتصالات دبلوماسية بين الصين وإسرائيل، وصولاً إلى تبادل الاعتراف الدبلوماسي وإقامة علاقات دبلوماسية كاملة في يناير 1992.
وعلى ضوء المقاربة الصينية للقضية الفلسطينية، كان قد تجدد الموقف الصيني إبان معركة “سيف القدس” (10-21 مايو/أيار 2021) ليصبح مجددا أكثر علانية، وتُعد هذه المرحلة من أبرز المحطات التي يبرز فيها الموقف الصيني من القضية الفلسطينية. إلا انه افتقر للتنديد المباشر للعدوان الإسرائيلي واكتفى بمواجهة الموقف الأميركي بمساراته المتعددة وعرقلته لمسار فض النزاع خلال فترة المعركة بين الطرفين. يتحدد الموقف الصيني في إطارات عدة. منها العلاقة التنافسية مع واشنطن، وتحركات الولايات المتحدة وحلفائها في ربوع آسيا، والتعاون الصيني-الإسرائيلي. بالإضافة الى التأويلات المتعلقة بتطور الموقف الصيني من القضية الفلسطينية؛ والتي بلغ بعضها حد تقديم قراءة في نوايا الصين بتسليح السلطة الفلسطينية عوضا عن حركة “حماس”، ما يؤهلها لتكون لاعباً فعلياً في الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي. وعليه، يمكن القول إن إعادة طرح الموقف الصيني من القضية الفلسطينية كان من أهم النتائج الاستراتيجية والدولية التي أسفرت عنها معركة “سيف القدس”.
بناءً على هذه المعطيات، تطرح هذه الورقة خلاصة أبرز التحليلات (الأقدم أولا)، الصادرة عن الصحف والوكالات الإخبارية والتحليلية الإقليمية والأجنبية تعليقا على مواقف وزارة الخارجية الصينية تجاه حق الفلسطينيين. وذلك في اطار زمني مدته 12 شهرا. ويعود ذلك لتوقيت معركة “سيف القدس” لما كان لهذا الحدث من تداعيات على تحول وجهة الصين بإجهار خطابها الداعم للقضية الفلسطينية.
ان سياسة الصين في الشرق الأوسط تعتمد منذ فترة طويلة على فكرة “أصدقاء مع الجميع”. يكشف القتال الحالي مدى الصعوبة على بيكين للحفاظ على صداقات مع كلا الجانبين.
-بالرغم عما يُقال عن ازدهار الصداقة الإسرائيلية الصينية خلال العقد الماضي، يبدو أن هذه الصداقة الجديدة قد فشلت في الامتداد إلى المجال السياسي. فالصين تصوت باستمرار ضد إسرائيل في الأمم المتحدة. وقد فشلت إسرائيل في تشجيع بكين على التوقف عن دعم إيران – الدولة التي تدعم أنشطة حماس والجهاد الإسلامي في فلسطين وتدعو إلى تدمير إسرائيل. يُضاف لذلك رفض بيكين تصنيف “حماس” كمنظمة إرهابية، التي ووصفتها ذات مرة بأنها “الممثل المختار للشعب الفلسطيني”، على الرغم من سيطرتها على غزة بالقوة بدلاً من الانتخابات.
-انتهزت الصين الفرصة لاستخدام الصراع الحالي لتبرير تأكيدها الذي طال أمده، بأن الصراع الإسرائيلي الفلسطيني هو السبب الجذري لمشاكل المنطقة. يتجاهل هذا الادعاء حقيقة أن “الربيع العربي” كان له علاقة بالقضايا الاجتماعية والسياسية الداخلية، أكثر مما كان له علاقة بالصراع الإسرائيلي الفلسطيني. كما أنه يفشل في فهم تعقيد الحرب الباردة الدائرة بين إيران والمملكة العربية السعودية، والتي امتدت وتسببت في أزمة إنسانية في اليمن.
-بالرغم من تعزيز العلاقات الاقتصادية بشكل كبير، إلا أن الصين لا تزال مترددة في تغيير موقفها السياسي تجاه إسرائيل والصراع، ولديها الأسباب المقنعة لعدم تغيير الوضع الراهن. (“كيف تنظر الصين إلى الصراع الإسرائيلي- الفلسطيني” Dale Aluf, ASIA TIMES)
بالرغم من تحدث بيكين بصوت عالٍ عن معاناة الفلسطينيين على المنصات الدولية، لكن مصالحها الاقتصادية والإقليمية طويلة الأجل تعني أن تضامنها لن يتجاوز الخطاب القوي.
-تعقيب على ما كتبه سون ديجانج، الباحث الصيني البارز في شؤون الشرق الأوسط، ذات مرة أن موقف بكين هو “التفوق الأخلاقي” مع فلسطين، و”تفوق التعاون” مع إسرائيل.
-التوازن هو مفتاح نهج الصين تجاه إسرائيل / فلسطين. بإبقاء باب الدبلوماسية مفتوحًا، تقدم بكين موقفًا لا يمكن أن يرفضه الإسرائيليون ولا الفلسطينيون، بينما تنأى بنفسها بما يكفي عن أكثر الفصائل المؤيدة للصراع من كلا الطرفين.
-يقدر الفلسطينيون الخطاب الصيني المؤيد للفلسطينيين. لكن لا يمكنهم توقع إمكانية قيام الصين بالكثير مما يتجاوز إصدار خطاب شديد اللهجة أمام الهيئات الدولية. لا تقدم بكين للفلسطينيين سوى لغة الخطاب “المعيارية” – بسبب علاقاتها مع إسرائيل. فالبعد المادي للعلاقة الصينية الإسرائيلية أكثر قيمة [للصين] من ذلك مع الفلسطينيين، ويمكن القول إنه قيد على قدرة [بكين] أو رغبتها في أن تصبح وسيطًا أكثر نشاطًا في الانحياز للفلسطينيين. يُضاف أن معظم الإسرائيليين يتبنون وجهات نظر إيجابية تجاه الصين. لذلك، وعلى الرغم من خلافاتهم السياسية حول القضية الفلسطينية، فإن الصين لا تزال ترغب بالعمل مع الإسرائيليين.
-عاملان آخران يساعدان في تفسير قرار بكين بتجنب الانخراط المباشر في سياسات الصراع الإسرائيلي الفلسطيني. أولا، تمنح المعاناة في غزة بكين فرصة لتصوير الولايات المتحدة كقوة معزولة في الأمم المتحدة، مع التأكيد على أن موقف الصين تتبناه معظم الدول. ثانيًا، تسمح الأزمات الإنسانية في غزة للصين بالابتعاد عن اتهامها بانتهاكاتها لحقوق الإنسان ضد المسلمين في شينجيانغ، حيث اتهمت منظمة العفو الدولية بكين مؤخرًا بارتكاب “جرائم ضد الإنسانية”.
-بصفتها قوة تدافع عن التضامن دول الجنوب ضد الإمبريالية الغربية، يصعُب على بكين تجاهل القضية الفلسطينية، حتى وإن لم يكن لفلسطين أهمية كبرى فيما يخص استراتيجية تطوير البنية التحتية العالمية التي اعتمدتها الحكومة الصينية. تشير الدلائل إلى أن الصين تسعى للعب دور أكثر فاعلية في إيجاد حل “عادل” للصراع. وهناك شك حيال الفرص المستقبلية التي يمكن ان تكسبها الصين مع استمرار اكتسابها لنفوذ أكبر في المنطقة. سيهدف الصينيون إلى الاستفادة من هذه العلاقة قدر الإمكان مع إبقاء الحوار مفتوحًا مع الفصائل الفلسطينية. إن السياسة الحالية في تجنب الخوض أكثر في تعقيدات الصراع مستمرة، ولن تتجاوز الخطاب أمام المحافل الدولية. (“إلى أي مدى يذهب دعم الصين للقضية الفلسطينية؟” Giorgio Cafiero, TRT WORLD).
-السياسة الصينية بشأن عدم التدخل وسلامة الأراضي والسيادة أصبحت مشروطة. بالرغم من أن مبدأ عدم التدخل هو مبدأ توجيهي رئيسي في العمل الدبلوماسي الصيني وأداة بلاغية أساسية. طورت بكين تدريجياً نهجاً حكيماً وعملياً للتعامل مع كل حالة على حدة.
-أن ردود الفعل والتعليقات الصينية على العمليات العسكرية في غزة تستهدف الولايات المتحدة أكثر مما هي استهداف موجه نحو إسرائيل. هذا يتعلق بالتوتر المتصاعد والمنافسة الجيوسياسية بين القوتين، وكذلك اتهامات واشنطن لمعاملة الصين للمسلمين.
-التصريحات الصينية هي محاولة لتقويض الثقة الإقليمية والدولية في الولايات المتحدة. كانت بكين تضغط من أجل نفوذ عالمي أكبر في الأمم المتحدة لتحدي القيادة التقليدية للولايات المتحدة واستعراض قوتها المتعددة الأطراف في المنظمات الدولية الأخرى. يبدو أن الصين حريصة على وضع نفسها كوسيط سلام بديل، مستفيدة من إخفاقات أو عدم رغبة إدارة بايدن في حل النزاعات في الشرق الأوسط.
-يأتي نشاط دبلوماسية الوساطة في شؤون المنطقة وسط توقعات متزايدة بين القوى الإقليمية، خصوصا في ظل التراجع التدريجي للولايات المتحدة. رغم ذلك، فإن تطلعات الصين لهذا الدور القيادي للوساطة في الصراع الإسرائيلي الفلسطيني من المرجح أن تكون مقيدة بسبب افتقارها إلى نفوذ كبير وخبرة وساطة، وهيمنة الولايات المتحدة في هذه القضية.
-يوجد فرصة جيوسياسية لتعزيز المصالح الوطنية الصينية (لا سيما سياستها في شينجيانغ ووضع نفسها كصانع سلام) في عصر التوتر المتصاعد والمنافسة الجيوسياسية بينها وبين الولايات المتحدة. هناك استغلال للأزمة الحالية في غزة لصرف الجدل الدولي حول معاملتها لمسلمي الأويغور. فرضت الصين على منطقة الشرق الأوسط لتكون ساحة معركة جديدة للتنافس مع واشنطن، وقد تم زج إسرائيل في هذا الصراع كوسيلة للاضرار بصورة واشنطن في المجتمع الدولي. (“الانتقال إلى نهج جديد: موقف الصين من عملية “حارس الجدران” Mordechai Chaziza, Middle East Institute).
-المزاعم الأخيرة حول استخدام حماس للأسلحة الصينية تحيي في الواقع تاريخ التحالف الفلسطيني الصيني. تستند محاولة الصين الأخيرة لدعم فلسطين إلى تطورين – الأول، أن الصين تجاوزت الآن أيام بؤسها الاقتصادي وقادرة على تقديم الدعم العسكري للجماعات الفلسطينية المسلحة. وثانيًا، في عهد شي جين بينغ ، تعود الصين إلى العهد الماوي في ظل توتر علاقاتها مع الغرب.
-الأعمال العدائية بين إسرائيل وغزة هي وضع مناسب لبكين. قد تتطلع إلى إبقاء المنطقة في حالة غليان لصرف النظر بعيدًا عن شينجيانغ وإلقاء اللوم على الغرب لتجاهله حقوق المسلمين. الدولة الشيوعية التي لا تعرف الرحمة والتي تنفذ عمليات إبادة جماعية ضد الأقليات العرقية تستخدم الصراع المعقد لتحريف السرد لصالحها. لذلك لن نتفاجأ إذا كانت الصين تزود حماس بالفعل بالسلاح لمهاجمة إسرائيل. (“بصمات الصين في الصراع بين إسرائيل وحماس: هل الصين تعطي أسلحة لحماس لمهاجمة إسرائيل؟” Akshay Narang, TFI GLOBAL).
-إن موقف بكين بشأن القضية الفلسطينية بقي متطابقًا لسنوات. كررت القيادة الصينية اقتراح السلام المكون من أربع نقاط (خمس نقاط في البداية) في مراحل مختلفة من مراحل الصراح، لذلك لا ينبغي أن يُعتبر خطاب وانغ في مجلس الأمن الدولي يوم 16 مايو مفاجأً.
-لا تستطيع الحكومة الإسرائيلية تجاهل مخاوف الولايات المتحدة بشأن الاستثمار الصيني في إسرائيل أو عمليات النقل المحتملة للتكنولوجيا إلى الصين.
-يُعتبر الموقف الصيني رد فعل جيوسياسي بطبيعته. مع السعي لتلميع أوراق اعتماد قوتها لعب دور محقق السلام العالمي من خلال تقديم مسار بديل (غامض باعتراف الجميع) لتسوية النزاع.
-أصبح للصراع الفلسطيني الإسرائيلي عنصرًا آخر في المنافسة الجيوسياسية الأوسع بين الولايات المتحدة والصين. لقد أثبتت خطة النقاط الأربع، أنها لم تكن بداية مؤثرة على مدى السنوات القليلة الماضية، مع غياب ما يشير إلى أن بكين تعتزم تعديل نهجها تجاه الصراع. يتماشى هذا مع نهج الصين في الوساطة بشكل عام، والذي يركز منذ فترة طويلة على الأنشطة والخطابات البارزة دون القيام بدور أكثر نشاطًا لإحراز تغيير حقيقي.
-لا تزال فرص تدخل الصين لتحويل خطابها إلى أفعال وطرح أي مقترحات أكثر واقعية (وقابلة للتنفيذ) لتهدئة التوترات أو بدء محادثات السلام بين إسرائيل وفلسطين ضئيلة. ليس هناك رغبة، ولا قدرة على تحمل مسؤوليات الولايات المتحدة في هذه المرحلة. تتجنب الصبن الانجرار إلى نزاع معقد ومشحون سياسياً ليس لديها خبرة فيه. (“تدخل الصين في الصراع الإسرائيلي الفلسطيني مرة أخرى” Helena Legarda, MERICS).
-إن هذه المبادرات الدبلوماسية في سياق الصراع مهمة لفهم تحول التفكير الاستراتيجي الصيني نحو الشرق الأوسط. لكن من الصعب الإشارة إلى أي نتائج عملية لهذه المبادرات، “لم تتخذ الصين أي خطوات عملية ضد إسرائيل بخلاف دعم قرارات الأمم المتحدة لصالح الجانب الفلسطيني”.
-يمكن أن تعود هذه النتيجة إلى العديد من أوجه القصور في المبادرات الصينية، كعدم وجود خطوات عملية وجدول زمني واضح، وإجراءات قسرية (مثل فرض العقوبات). يبدو أن عدم كفاءة المبادرات الصينية يخلق بيئة مواتية للصين.
-لا توجد حوافز كافية لبكين للمخاطرة بعلاقاتها مع إسرائيل، في حين أن خطابها – السياسي المحدود – يوفر مساحة كافية للدبلوماسية الصينية في الوقت الحالي. (دور الوساطة الصيني بين إسرائيل وفلسطين” Abdurrahim Sagir, DAILY SABAH”.
-الموقف الحيادي وعدم التحلي بالعدوانية: على الرغم من أن الصين لن تكون قادرة بطريقة سحرية على القضاء على جميع العوائق التي تقف في طريق مفاوضات السلام، إلا أنها تقدم نهجًا مختلفًا بسبب وضعها المحايد بشأن الصراع. وبحكم الواقع، يبدو أن التفاعلات الصينية المحايدة مع كل من العرب والإسرائيليين، وكذلك علاقتهم مع القوى الرئيسية الأخرى في الشرق الأوسط، مثل “حزب الله” و”حماس”، التي يرفض الغرب التعاون معها، قد تبدو قادرة على تسهيل وضخ قوى جديدة حيوية في عملية السلام.
-نفوذ اقتصادي قوي: باعتبارها ثاني أكبر شريك تجاري لإسرائيل على مستوى العالم وأكبر شريك تجاري في شرق آسيا، يمكن لنفوذ الصين الاقتصادي أن يمنح بكين الوسائل التي يمكن من خلالها الضغط بشكل فعال على الجانبين للمضي قدمًا نحو حل دائم.
-استقرار القيادة: باستثناء الأحداث غير المتوقعة، سيكون شي جين بينغ زعيم جمهورية الصين الشعبية مدى الحياة. وهذا في تناقض حاد مع جهود الأمريكيين في التوسط في المشكلة العربية الإسرائيلية، حيث يمكن للإدارة الجديدة أن تحدث تغييرات كبيرة ومفاجئة على ارض الواقع. (” 3 أسباب يمكن أن تكون الصين وسيطًا بديلاً في الصراع الإسرائيلي الفلسطيني” Muhammad Zulfikar Rakhmat, Universitas Islam Indonesia (UII) Yogyakarta, in “The Conversation”).
-يشكل الصراع الإسرائيلي الفلسطيني بالنسبة للصين مادة للخطاب الإيجابي للجماهير العربية والإسلامية. من خلال الإشارة المتكررة إلى النزاع و “الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني في الأراضي المحتلة”، والدعوة إلى محادثات في بكين واجتماعات “صانعي السلام”، تسعى لخلق صورة تظهرها قوى مسؤولة بجانب أقلية مضطهدة وتعرض المساعدة في تحقيق حل لصالح الطرفين. ينضم الصراع إلى قائمة الموضوعات التي يمكن أن تستخدمها الصين لتهكم الولايات المتحدة، وللتقليل من أهمية الانتقادات التي تتعرض لها بسبب ممارساتها في سياقات أخرى.
-تتسرع الصين في إعلان المواقف الداعمة، ولكنها راضية بشكل عام عن الإجراءات الرمزية فقط. وهناك احتمال ضئيل لاندفاع الشركات الصينية لإعادة بناء أنقاض سوريا، تمامًا كما لا يوجد توقع كبير لاستثمارات كبيرة وشيكة في قطاع غزة. من ناحية أخرى، لا يُتوقع أن يتضاءل إصرار الصين المتزايد في المنظمات الدولية، مع احتمال استمرار دعم الفلسطينيين على حساب إسرائيل.
-حتى الآن، نجحت إسرائيل والصين في الحفاظ على سياسة تفصل بين العلاقات الاقتصادية والمنفعة المتبادلة والخلافات السياسية. فتواصل الصين دعم إيران والفلسطينيين دون أن يلحق أي ضرر كبير بعلاقاتها الاقتصادية مع إسرائيل.
-من المتوقع أن تكثف بكين جهودها لتصوير واشنطن كقوة ذات وجهين وغير مسؤولة بينما تتجاهل أي انتقادات تتعلق بحقوق الإنسان. في هذا المنحى فإن الصراع الإسرائيلي الفلسطيني مفيد للغاية. يمكن للتنافس مع الولايات المتحدة أن يخلق مشاكل في العلاقات بين القدس وبكين، بل ويقود إسرائيل إلى إعادة النظر في العلاقة مع الصين. (“الصين والشرق الأوسط: الصراع الإسرائيلي الفلسطيني على جدول الأعمال Galia Laviمعهد دراسات الأمن القومي – جامعة تل أبيب).
-ترى الصين أنه من الضروري عقد مؤتمر سلام دولي مكثف وموثوق ومؤثر بمشاركة الأعضاء الدائمين في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة وجميع أصحاب المصلحة في عملية السلام في الشرق الأوسط في البحث عن طريقة فعالة لإيجاد حل سياسي للفلسطينيين.
-تقدير فلسطيني للجهود الصينية في دعم حق الفلسطينيين. وشكر الصين على التمسك الدائم بالعدالة والإنصاف في القضية الفلسطينية ودعمها لفلسطين في تخفيف محنتها الإنسانية. هناك تطلع من الجانب الفلسطيني لاستمرار دعم الصين لتحقيق سلام دائم في الشرق الأوسط..
هناك إجماع على اعتبار أن للصين دورا مهما قد تلعبه في منطقة غرب آسيا، وفيما يخص القضية الفلسطينية بشكل خاص. فبحسب المواقف الصينية الصادرة مؤخرا، الواقع أن أولويات الصين تكمن في تحديد موقفها من فلسطين في إطار سياسي، وعدم رغبتها بجعله موقف يشمل التضامن الاقتصادي. ويرجح أنه لا يبدو أن بكين تسعى لدور وساطة عملي وحقيقي، بقدر ما يظهر ذلك توجهها لانحراف أكبر لصالح الفلسطينيين، بدفع من تحيّز الولايات المتحدة للكيان فضلا عن المعاملة بالمثل مع الولايات المتحدة فيما يتعلق بصورة حقوق الإنسان. ويمكن القول بأن الراجح أن حدود الموقف الصيني في الوقت الراهن لم يتمدد باتجاه إلقاء اللوم على إسرائيل واقتصرت على مواجهة الدعاية الأميركية، فيما شهدت طيفا “خطابيا” واحدا تمثل في خضوع الولايات المتحدة للوبي الاسرائيلي، وهي العبارة التي أثارت استياء النافذين في الكيان. ان ثمة بوادر لدور صيني أوسع وأعمق في قضايا الشرق الأوسط لا تزال في بداياتها المبكرة، ولا يمكن التعويل عليها في تحقيق اختراق يستحق الذكر، وإن كان تغير موقفها تجاه الاحتلال الإسرائيلي قد ينعكس على الأقل بحرمانه من تطوير التعاون الأمني مع دولة عملاقة كالصين تهيمن على شبكة تجارية متنامية. وربما ضبابية الموقف الصيني ومحدوديته هما ما جعلا تغطية الأمر من الناحية التحليلية خجولا نوعا ما.