تقرير المخابرات المركزية الأميركية عن زيلنسكي: ما الهدف من نشره الآن؟
موقع العهد الإخباري-
د. علي دربج:
تطالعنا وسائل الإعلام الغربية منذ فترة ليست بقصيرة بتقارير تكشفها وكالة الاستخبارات الاميركية ترتبط بالعملية العسكرية الروسية الخاصة في اوكرانيا. وليس آخر هذه التقارير ما كشفت النقاب عنه وثائق سرية مسربة من تقارير للمخابرات المركزية الامريكية حول حقيقة الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، كشخص لديه غرائز عدوانية تدميرية غير مسبوقة، مشيرة إلى مهارته التمثيلية من خلال تضليله الواضح للحكومات الغربية برفضه استخدام أسلحتها لشن هجمات داخل روسيا وإعطاء الأولوية لاستهداف القوات الروسية داخل حدود أوكرانيا.
فخلف الأبواب المغلقة بحسب تقرير CIA، بدا زيلنسكي شخصًا آخر. الرئيس الأوكراني، كان اقترح السير في اتجاه أكثر جرأة، احتلال القرى الروسية (لإلحاق الأذى بموسكو والحدّ من هجماتها العسكرية)، وقصف خط أنابيب ينقل النفط الروسي إلى المجر، العضو في حلف شمال الأطلسي، فضلًا عن سعيه للحصول على صواريخ بعيدة المدى بشكل خاص لضرب أهداف داخل حدود روسيا، بحسب وثائق وكالة المخابرات الأمريكية، التي توضح تفاصيل اتصالاته الداخلية مع كبار مساعديه والقادة العسكريين.
بين تقرير الـCIA والأهداف التدميرية التي كان يضمرها زيلنسكي تجاه موسكو أين الحقيقة؟
تزعم الـ CIA أنه تم جمع هذه المعلومات التي نشرت من خلال الاتصالات الرقمية التي تم اعتراضها من قبل الوكالة، مما وفر نظرة نادرة على مداولات زيلينسكي مع جنرالاته. وتجدر الاشارة إلى أن البنتاغون لم يشكك بصحة هذه المواد حتى الساعة، بعدما جرى تم إطلاع كبار القادة العسكريين الأمريكيين على الأمور الواردة فيها.. فما الهدف؟
الوثائق وما فيها
يفرط الإعلام الاميركي بالايحاء أن الاعتقاد السائد في الغرب كان أن زيلينسكي هو الذي يحدّ من طموحات مرؤوسيه العدوانية، ويحاول إظهار أن العكس هو الصحيح، فحسب الوثائق المسربة الرجل كان مختلفًا في عدة حالات أخرى، إذ ثبت أنه هو من يبادر الى طرح عمليات عسكرية محفوفة بالمخاطر ومتهورة نوعًا ما.
ففي اجتماع عقد في أواخر كانون الثاني/ يناير، اقترح زيلينسكي على القادة العسكريين الاوكران “شن ضربات في روسيا” من خلال نقل القوات البرية الأوكرانية إلى أراضيها “لاحتلال مدن حدودية روسية غير محددة”، وقالت الوثيقة التي تحمل عنوان “سري للغاية”، إن الهدف سيكون “إعطاء كييف تفوقا ونفوذا في المحادثات مع موسكو”.
ليس هذا فحسب، فاثناء جلسة منفصلة في أواخر شباط/ فبراير الماضي مع الجنرال فاليري زالوجني، القائد العسكري الأوكراني الأعلى، أعرب زيلينسكي عن قلقه من أن “أوكرانيا ليس لديها صواريخ بعيدة المدى قادرة على الوصول إلى انتشار القوات الروسية، في أراضي روسيا، ولا تملك أي شيء يمكن مهاجمتها به. بعد ذلك، طرح زيلينسكي فكرة أن تهاجم أوكرانيا مواقع انتشار غير محددة في روستوف، وهي منطقة في غرب روسيا، باستخدام طائرات من دون طيار بدلاً من ذلك.
أما نياته الأكثر عداونية وفقًا للتوصيف الأمريكي، فقد بانت باجتماع منتصف شباط/ فبراير الماضي مع نائب رئيس الوزراء يوليا سفريدينكو، حينها اقترح زيلينسكي “تفجير” خط أنابيب دروزبا السوفياتي الذي يزود المجر بالنفط. وتشير الوثيقة: “أكد زيلينسكي أن أوكرانيا يجب أن تفجر خط الأنابيب وتدمر الصناعة المجرية المحتملة لرئيس الوزراء فيكتور أوربان ، والتي تعتمد بشكل كبير على النفط الروسي”.
فزاعة لدول الجوار الناتوية
المفارقة، أنه في تفاصيل المحادثة، يعترف مسؤولو الاستخبارات بأن زيلينسكي كان “يعبر عن غضبه تجاه المجر، وبالتالي يمكن أن يطلق تهديدات مبالغًا فيها لا معنى لها”. وفي اعتراف مباشر بافكاره العدوانية تجاه موسكو، انه عندما سئل الرئيس الأوكراني عما إذا كان قد اقترح احتلال أجزاء من روسيا، رفض زيلينسكي، خلال مقابلة مع صحيفة “واشنطن بوست” في كييف، مزاعم المخابرات الأمريكية ووصفها بأنها “أوهام”، لكنه دافع عن حقه في استخدام تكتيكات غير تقليدية في الدفاع عن بلاده.
في هذه النقطة يحاول الإعلام الاميركية إظهار أن استخدام الصواريخ بعيدة المدى لضرب داخل روسيا، كان وما زال، يعدّ موضوعًا حساسًا بشكل خاص للبيت الأبيض، الذي يشعر بالقلق منذ فترة طويلة من أن الصراع الأوكراني قد يتصاعد، ويغدو خارج نطاق السيطرة، ويتطور الى حد حصول مواجهة كارثية بين الولايات المتحدة وروسيا، أكبر قوة نووية في العالم. ومع ذلك خرقت بريطانيا هذا الخط الاحمر من خلال تزويدها كييف بصواريخ طويلة المدى لضرب الاراضي الروسية.
استخدام الوثائق ضد بريطانيا
في الأسبوع الماضي، أصبحت بريطانيا أول دولة غربية تزود أوكرانيا بصواريخ بعيدة المدى من طراز Storm Shadow، وهو نظام صواريخ كروز، يتميز بقدرته على التخفي، ويبلغ مداه حوالي 155 ميلاً (اي 249 كلم) وهو ما يتجاوز بكثير نطاق 50 ميلاً من قاذفات HIMARS التي قدمتها الولايات المتحدة لاوكرانيا.
اللافت للانتباه هنا، أن المسافة بين الأراضي التي تسيطر عليها أوكرانيا وسيفاستوبول ــ أكبر مدينة في شبه جزيرة القرم ومقر أسطول البحر الأسود الروسي ــ، تقع في نطاق Storm Shadow، الذي تم تطويره في الأصل كمشروع أنجلو ــ فرنسي في أوائل تسعينيات القرن العشرين، وقد ضمته عدد من البلدان في أوروبا والخليج الفارسي الى ترسانتها العسكرية، إضافة الى ان بريطانيا كانت قد استخدمته خلال مشاركتها بغزو العراق عام 2003، وايضا، اثناء تصدّرها عدوان حلف الناتو على ليبيا عام 2011. كما تم تكييف هذا النظام ليناسب عددا من الطائرات المختلفة بما فيها الطائرات السوفييتية الصنع.
وتعقيبا على ذلك قال وزير الدفاع البريطاني بن والاس: إن الصاروخ سيمنح أوكرانيا “أفضل فرصة” للدفاع عن نفسها وسيكون للاستخدام فقط “داخل الأراضي الأوكرانية ذات السيادة”. بالمقابل رفض متحدث باسم السفارة البريطانية في واشنطن التعليق على ما إذا كانت تصريحات زيلينسكي المسربة قد تدفع لندن الى التحفظ على قرارها.
اتهام اميركا لبريطانيا بالعدوانية ضد روسيا.. نزول عن الشجرة
لم يعرب مسؤولو البنتاغون عن قلقهم عندما سئلوا عن احتمال إرسال بريطانيا صواريخ بعيدة المدى إلى أوكرانيا، بل أشادوا بالدعم الكبير الذي يقدمه الحلفاء والشركاء من جميع أنحاء العالم، بما في ذلك المملكة المتحدة، إلى أوكرانيا.
يظهر الدور الحقيقي لهذا التسريب، في ترويج الإعلام الاميركي لمقولة ان بريطانيا كانت ثاني أكبر مورد للمساعدات العسكرية الأوكرانية، حيث ساهمت بذخائر بقيمة 2.5 مليار دولار العام الماضي ــ على الرغم من أن هذا ليس سوى جزء بسيط مما قدمته واشنطن ــ، يظهر الإعلام الاميركي ان البريطانيين ادعوا انهم في الطليعة، بحديثهم عن انهم اول من ارسل اسلحة مضادة للطائرات وللدبابات التي تطلق من على الكتف، ومؤخرا زادت لندن من وتيرة تدخلها في الصراع من خلال تدريب الطيارين على الطائرات المقاتلة لحلف الناتو، ليأتي السؤال الفاضح للنوايا: “هل تهدف بريطانيا عبر مدّها زيلنسكي بهذه الصواريخ الطويلة المدى، الى تشجيع الرئيس الاوكراني على استهداف الاراضي الروسية”؟
امريكا التي حرّضت اوكرانيا على الحرب وما زالت تمدها بالسلاح وهي في مقدمة المشجعين، هي نفسها اليوم تحاول ان تظهر بثوب الحمل الذي كشف جموح الرئيس الاوكراني العدواني غير المحدود.